* قالت ودعواها كثير صَخَبُه*
وقال الله في سورة الملك [٢٧] : (وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) قرأ أبو عمرو (تَدَّعُونَ) مثقّلة وفسّره الحسن : تكذِبون من قولك : تدّعِي الباطل وتدّعي ما لا يكون. وقال الفرّاء : يجوز أن يكون (تَدَّعُونَ) بمعنى تَدْعون. ومن قرأ (تَدْعون) مخفّفة فهو من دعوت أدعو. والمعنى : هذا الذي كنتم به تستعجلون ، وتدْعون الله بتعجيله. يعني قولهم : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ) [الأنفال : ٣٢] ذكر ذلك لنا المنذريّ عن ابن فهم عن محمد بن سلّام عن يونس النحوي ، وقاله الزجاج أيضاً. قال : ويجوز أن يكون (تَدَّعُونَ) في الآية تفتعلون من الدعاء ، وتفتعلون من الدعوى. وقال الليث : دعا يدعو دَعْوة ودُعَاء ، وادّعى يدَّعي ادّعاء ودَعْوى. قال : والادّعاء في الحرب : الاعتزاء ، وكذلك التداعِي. قال : والتداعي : أن يدعوا القومُ بعضُهم بعضاً.
وقال الله جلّ وعزّ : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [يُونس : ٢٥] دار السلام هي الجنة والسلام هو الله. ويجوز أن تكون الجنة دار السلامة والبقاء. ودعاء الله خلقه إليها كما يدعو الرجل الناس إلى مَدْعاة أي مأدُبة يتَّخذها. وطعامِ يدعو الناس إليه. ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إن الله تعالى بني داراً واتَّخذ مأدبة ، فدعا الناس إليها». وقرأ هذه الآية: وروى عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا دُعي أحدكم إلى طعام فليجب ، فإن كان مفطراً فليأكل ، وإن كان صائماً فليصَلّ». وهي الدّعْوة والمَدْعاة للمأدُبة. وأمَّا الدِّعوة ـ بكسر الدال ـ فادّعاء الولد الدعيّ غير أبيه. يقال دعِيّ بيّن الدعوة والدِّعاوة. والمؤذّن داعي الله ، والنبي صلىاللهعليهوسلم داعي الأمّة إلى توحيد الله تعالى وطاعته. قال الله تعالى مخبراً عن الجنّ ، الذين استمعوا القرآن و (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ...) : (يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) [الأحقاف : ٣١] ويقال لكل من مات : دُعي فأجاب. ويقال دعاني إلى الإحسان إليك إحسانك إليّ. والعرب تقول : دعانا غيث وقع ببلدة فأَمْرَع ، أي كان ذلك سبباً لانتجاعنا إياهُ. ومنه قول ذي الرمَّة :
* تدعو أنفَه الرببُ*
ورُوي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال للحالب «دَعْ داعي اللبن» ويقال داعية اللبن قال أبو عبيد يقول : أبقِ في الضرع قليلاً من اللبن ، فلا تستوعب كلّ ما فيه ؛ الذي تُبقيه فيه يدعو ما وراءه من اللبن فينزله ، وإذا استنفض كل ما في الضرع أبطأ دَرُّه على حالبه.
قلت : ومعناه عندي : دع ما يكون سبباً لنزول الدِرّة. وذلك أن الحالب إذا ترك في الضرع لأولاد الحلائب لُبَيْنةً تَرضعها طابت أنفسها ، فكان أسرع لإفاقتها والداعية : صريخ الخيل في الحروب. يقال : أجيبوا داعية الخيل اللحياني : الدعوة الحِلْف يقال : دَعوة فلان في بني فلان. قال : ويقال : لبني فلان الدعوة على قومهم إذا كان يبدأ بهم. والدعوة الوليمة. وفي نسبة دَعْوة أي دَعْوَى ،