قال أبو عبيد : وقال أبو زيد حقَقْت حَذَر الرجل وأحققته : فعلت ما كان يحذر.
وقال شمر : حققت الأمر وأحققته إذا كنت على يقين منه. وأحققت عليه القضاء إذا أوجبته. قال ولا أعرف ما قال الكسائي في حققت الرجل وأحققته إذا غلبته على الحق.
قلت هو عندي من قولك حاققته فحققته أي غلبته على الحقّ.
وقول الله جلّ وعزّ : (الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) [الحاقة : ١ ـ ٣] الحاقّة : الساعة والقيامة. سمّيت حاقّة لأنها تَحُقّ كل إنسان بعمله من خير وشرّ. قال ذلك الزجاج.
وقال الفراء : سميت حاقة لأن فيها حواقّ الأمور والثواب.
قال والعرب تقول لما عَرَفت الحَقّة مني هَرَبَتْ. والحقَّة والحاقّة بمعنى واحد.
وقال غيرهما : سميت القيامة حاقة لأنها تَحُقّ كل مُحاقّ في دين الله بالباطل ، أي كل مجادل ومخاصم فتحُقه أي تغلبه وتخصُمه ، من قولك حاققته أحاقه حِقَاقاً ومحاقة فحققته أحُقّه أي غلبته وفَلَجْت عليه.
وقال أبو إسحاق في قوله الْحَاقَّةُ رفعت بالابتداء و (مَا) رَفْعٌ بالابتداء أيضاً.
والْحَاقَّةُ الثانية خبر (مَا) والمعنى تفخيم شأنها. كأنه قال : الحاقة أي شيء الحاقة! وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) معناه : أيّ شيء أعلمك ما الحاقة و (ما) موضعها رفع ، وإن كانت بعد «أَدْراكَ» المعنى ما أعلمك أيٌّ شيء الحاقّة.
وفي حديث ابن عمر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما حَقّ امرىء يبيت ليلتين إلا وصيَّته عنده».
قال الشافعي معناه ما الحزم لامرىء وما المعروف في الأخلاق لامرىء إلّا هذا ، لا أنه واجب.
قلت : وهو كما قال الشافعي رَحمه اللهُ.
وفي حديث عليّ رضياللهعنه : إذا بلغ النساءُ نَصّ الحقائق ، ورواه بعضهم : نصّ الحقاق فالعَصَبة أولى.
قال أبو عبيد : نَصّ كل شيء منتهاه ، ومبلغ أقصاه ، قال : وأراد بنصّ الحِقَاق. الإدراك ؛ لأن وقت الصغر ينتهي ، فتخرج الجارية من حدّ الصغر إلى الكبر. يقول : فإذا بلغت الجارية ذلك فالعَصَبة أولى بها من أمّها ، وبتزويجها وحضانتها إذا كانوا مَحْرَماً لها ؛ مثل الآباء والإخوة والأعمام. قال : والحقاق المحاقة ، وهو أن تحاقّ الأمُّ العَصَبة في الجارية ، فتقول : أنا أحق بها ، ويقولون : بل نحن أحقّ.
قال : وبلغني عن ابن المبارك أنه قال : نَصّ الحقاق : بلوغ العقل ، وهو مثل الإدراك لأنه إنما أراد ينتهي الأمر الذي تجب به الحقوق والأحكام ، فهو العقل والإدراك.
قال أبو عبيد : ومن رواه نصّ الحقائق. فإنه أراد جمع حقيقة وحقائق.