وما يمكن الاستشهاد به للمدّعى من الأخبار المتقدّمة إنّما هو موثّقة سعيد وصحيحة محمّد بن مسلم ، الاولى ، ورواية أبي بصير ، فإنّ المتبادر من النهي عن أكل سؤرهم وشربه ـ كما في الموثّقة ـ بواسطة القرائن المغروسة في أذهان المتشرّعة : المنع منه ، لقذارته شرعا ، لا الحرمة تعبّدا.
وحمله على الكراهة ـ كالنواهي المتعلّقة بالأسآر المكروهة ، كسؤر الفأرة ونحوها ـ خلاف الظاهر.
وكذا المتبادر من الأمر بغسل اليد الملاقية للكتابي بالمصافحة ـ كما في الخبرين الأخيرين (١) ـ نجاستها ، وكون الأمر بغسلها ناشئا منها ، فحمله على إرادة الوجوب التعبّدي بعيد ، مع مخالفته لفتوى الأصحاب.
وحمله على الاستحباب ـ كما في غسل الثوب من بول الحمار ونحوه ـ غير بعيد ، لكنّه خلاف ظاهر الأمر.
لكن بناء على إرادة ظاهره من الوجوب الشرطي يجب تقييده بما إذا كانت الملاقاة برطوبة مسرية ، جمعا بينه وبين ما دلّ على أنّ «كلّ يابس ذكيّ» (٢) فيدور الأمر بين التقييد بقرينة منفصلة ، وبين حمل الأمر على الاستحباب.
ولا يبعد أن يكون الأوّل أولى خصوصا مع اعتضاده بفهم الأصحاب وفتواهم ، فيتمّ به الاستدلال.
__________________
(١) أي : صحيحة محمّد بن مسلم ورواية أبي بصير ، المتقدّمتان في ص ٢٤٠.
(٢) التهذيب ١ : ٤٩ / ١٤١ ، الإستبصار ١ : ٥٧ / ١٦٧ ، الوسائل ، الباب ٣٢ من أبواب أحكام الخلوة ، ح ٥.