ومن هنا قد يقوى في النظر عدم معروفيّة القول بكون ما يتيمّم به خصوص التراب لدى القدماء ، وإنّما حدث ذلك فيما بين المتأخّرين اغترارا بظاهر عبائر بعض القدماء وجملة من اللغويّين المفسّرين للصعيد بالتراب ؛ فإنّ عمدة من نسب إليه هذا القول من القدماء هو السيّد في الناصريّات وشرح الرسالة ، وأمّا من عداه ـ مثل المفيد في المقنعة ، والشيخ في النهاية ، وابن إدريس ـ فليس في كلماتهم المحكيّة إلينا إشعار بذلك ، عدا أنّهم اشترطوا الضرورة في جواز التيمّم بالحجر ونحوه ، فلا يبعد أن يكون ذلك لبنائهم على اشتراط العلوق ، ولا يحضرني كتبهم لأتحقّق حال النسبة.
وأمّا عبارة السيّد فكادت تكون صريحة في خلافه.
قال في المدارك حاكيا عن شرح رسالة السيّد : لا يجزئ في التيمّم إلّا التراب الخالص ، أي الصافي من خلطة ما لا يقع عليه اسم الأرض ، كالكحل والزرنيخ وأنواع المعادن. ثمّ قال : ونحوه قال المفيد في المقنعة وأبو الصلاح. ونقل عن ابن أبي عقيل أنّه جوّز التيمّم بالأرض وبكلّ ما كان من جنسها كالكحل والزرنيخ ، واستحسنه في المعتبر (١). انتهى.
وهذه العبارة كما تراها صريحة في أنّ مراده بالتراب الخالص الاحتراز عمّا لا يقع عليه اسم الأرض ، لا مثل الحجر والحصى ، وإلّا لكان أولى بالتمثيل والتعرّض ، كما هو واضح ، فكأنّ السيّد قدسسره أراد بالتراب في هذه العبارة الأرض ، و
__________________
(١) مدارك الأحكام ٢ : ١٩٦ ـ ١٩٧ ، وانظر : المقنعة : ٥٩ ، والكافي في الفقه : ١٣٦ ، والمعتبر ١ : ٣٧٢. ولا يخفى أنّ المحقّق في المعتبر استوجه قول الشيخ الطوسي بجواز التيمّم على مطلق الأرض ، فليلاحظ.