محو إمرة المؤمنين عن نفسه ، وقد أمضى مليّاً من النهار ، وهو يدفع ذلك الاقتراح غير أنّ المحكّمة والطابور الخامس الذين فرضوا على عليّ نفس التحكيم ، فرضوا عليه صيغته أيضاً ، ولم يكن شيئاً خفيّاً من الناس بل كان على مشهد منهم ، وقد ذكر الإمام ما جرى على النبي الاكرم في صلح الحديبية وأنّه سيبتلى بما اُبتلي به رسول الله ، وأمّا قصة التوبة فقد مضى الكلام فيها.
ج ـ رووا عن علي عليهالسلام أنّه بعد ما قتل الخوارج جعل يمرّ عليهم وهو يستغفر لهم ويقول : بئس ما صنعنا قتلنا خيارنا وفقهاءنا ... فقال له بعض أصحابه : يا أمير المؤمنين قتلنا المشركين. قال : من الشرك فرّوا. قال : أمن المنافقين؟ قال إنّ المنافقين لايذكرون الله إلاّ قليلاً وهؤلاء يذكرون الله كثيراً (١).
إنّ ما ذكره اّنما هو من مخاريق الخوارج ، حاولوا أن يبرّروا أعمال أسلافهم فالقوم كانوا بغاة على الإمام المفترض طاعته ، ومَنْ حبّه إيمان وبغضه كفر (٢) والقوم لم يكونوا مشركين ولا منافقين ، ولكن كانوا بغاة ، ولم يكونوا خيار القوم ولا فقهاءهم بل كانوا من أهل البادية الذين تسيطر عليهم السذاجة ويغترّون بالظواهر من دون التعمّق في البواطن. وأسوأ من ذلك ما نقله في ذيل كلامه ونحن نطهر قلمنا عن ذكره والردّ عليه ، فلم يكن الإمام نادماً من عمله لأنّه حقّق ما تنبّأ به النبي الأكرم في حقّه وأنّه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين (٣) وآية ذلك انّه كانت للخوارج انتفاضات بعد وقعة النهروان ، فلم يزل علي عليهالسلام يبعث السرايا لإطفاء فتنتهم ، واخماد ثائرتهم إلى أن اُغتيل
__________________
١ ـ الدكتور صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : ١٢٥ ، نقلاً عن القلهاتي في الكشف والبيان : ٢ / ٢٥٢ ـ ٢٥٤.
٢ ـ مرَ مصدره.
٣ ـ مرّ مصدره.