وانعقدت بالبيعة.
وتداعى الذين فطنوا إلى خدعة الهدنة من أصحاب عليّ وحذَّروه من قبولها ، وأخبروه أنّ قبولها يعني الشكّ في خلافته ، والتنازل عنها ، وكانوا مصرّين انّ الخلافة الشرعية حقّ لايتطرّق إليه الشكّ ، ولايجوز فيها الرجوع ولا تقبل فيها المساومة.
وإذ خطر لعلي أن يستجيب لدعاة الهزيمة من جيشه ، والماكرين من عدوّه ، وأن يشكّ في نفسه والحقّ الذي بيده ، ويتنازل عن الشرف الذي أولاه المسلمون ، ويساوي بينه وبين أحد عمّاله ، في قضية أخذ فيها عهداً من الاُمّة وأخذت منه فيها موثقاً وعهداً ، ورضخ إلى تحكيم رجال فيما نزل فيه حكم الله.
حين فعل عليّ ذلك ، تداعى اُولئك الذين لم يرتضوا التحكيم وحذّروا عليّاً من قبوله ، وهم يرون أنّ معاوية باغ لاحقّ له ، وأنّ بيعة علي قد انفسخت بموافقته على الهدنة ، ورضاؤه بالتحكيم جبراً ، فلم تبق لأحد في أعناقهم بيعة ، وليس لأحد عليهم ميثاق ، تداعوا إلى أن يعتزلوا جيش عليّ ، وركنوا إلى موقع يسمّى حروراء ، فانعزلوا فيه ينتظرون تجدّد الحوادث ، واتّجاه الاُمّة في قضية الخلافة ، وقد جرت الاُمور بأسرع ممّا يتوقّع لها ، فما بلغ الموعد الذي حدّده الطرفان لانتهاء الهدنة ، حتى اجتمع الناس وأعلن أبو موسى الأشعري مندوب علي ، عزلَ عليّ عن الخلافة وترك الأمر شورى بين المسلمين يختارون من يشاؤون.
كان هؤلاء المحايدون ينظرون إلى معاوية نظرتهم إلى باغ ، يحاول أن يفرض نفسه بالمكر والحيلة ، ولذلك فهم لايقيمون أيّ وزن لدعوى عزله ، فهو لم يتولّ أمر الخلافة إلى ذلك الحين ، لابالإكراه ، ولابالشورى ، فلامعنى لعزله من منصب ليس هو فيه ، كما لايقيمون أيّ وزن لتولية عمروبن العاص له ، لأنّ