أوّلا : إنّ هذه الكلمات تحكي أنّ الاباضية أوّل من خطّ خطّ الاعتدال ومشى على ضوئه ، واكتفى بالعزلة والقعود ولم يحارب الناس ، ولم يعترضهم ، ولكنّه في غير محلّه إذ لو صحّ كلّ ذلك في عبدالله بن اباض فراسم هذا الخط هو أبو بلال مرداس بن جدير ، فإنّه أوّل من ندّد بعمل الخوارج في اعتراضهم الناس ونهب أموالهم ، وكان ينادي بأعلى صوته بأنّه لا يحارب الاّ من حاربه ولايروّع أحداً ولا ... ولا ... فعلى ذلك يجب أن يقال : إنّ مبدىء هذه الكفرة هو أبوبلال المقتول عام« ٦٠ » وقد كان أبو بلال قد شهد صفّين مع علي بن أبي طالب ـ صلوات الله عليه ـ وأنكر التحكيم وشهد النهر ونجا فيمن نجا (١).
ثانياً : إنّ الحجر الأساس لفرقة الخوارج هو التطّرف والخروج عن الاعتدال ، وإن كان للتطرّف مدارج ومراحل ، فالقوم من بدو الخروج على علي وانكار التحكيم عليه بعدما فرضوه عليه ، كانو متطرّفين ، لا يحترمون دماً ولاعرضاً. إنّ تخصيص التطرّف بالأزارقة ، والنجدات ، والصفرية بزعم أنّهم هم الذين كانوا يستعرضون المسلمين ، ويستحلّون دماءهم ، ويكفّرون أهل القبلة ، كلام فارغ عن الحجّة ، بل الحجة على خلافه ، فإنّ المحكّمة الاُولى وعلى رأسهم عبدالله بن وهب الراسبي أيضاً كانوا من المتطرّفين ، ويظهر ذلك من خطب هذا الراسبي وكلماته التي ألقاها في الحروراء ، وقد نقلنا بعض كلماته في الفصل السادس ، وإليك لقطات منها :
قال مخاطباً إخوانه عند الشخوص من الحروراء إلى النهروان : فاخرجوا بنا اخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه البدع المضرّة (٢).
__________________
١ ـ المبرّد : الكامل ٢ / ١٨٣ ومرّ تفصيله.
٢ ـ مرّ المصدر في الفصل السادس.