ربّاني أوحاه إلى نبيه الكريم ، إلّا أنّ «أهل السنة» اتبعوا في ذلك عمر وتركوا سنة النبي.
والدليل عليه ما ذكره القوشجي المتوفي سنة (٨٧٩) في «شرح التجريد» في مبحث الامامة : إنّ عمر قال وهو على المنبر : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء ، ومتعة الحج ، و «حي على خير العمل» (١).
ثم اعتذر عنه بقوله : إنّ ذلك ليس مما يوجب قدحاً فيه ، فانّ مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع (٢).
ومن العجب أن يقابل النبي الأعظم صلىاللهعليهوآله بواحد من أمته ، ويجعل كلاً منهما مجتهداً ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ ، و (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ) فأين هو عن الاجتهاد برد الفرع إلى الأصل واستعمال الظنون في طريق الاستنباط؟!
هذا ؛ بالاضافة إلى أنّ السائغ من المخالفة الاجتهادية إنّما هو ما إذا قابل المجتهد مجتهداً مثله لا من اجتهد تجاه النص المبين ، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله (٣).
على أننا لا نعلم للخليفة علماً يقاس بعوام المسلمين فضلاً عن سيد أولى الألباب وخاتم المرسلين ، فكيف نقول من ثم باجتهاده؟!
أجل ؛ كان ثمة سبب آخر من وراء ذلك سوى قصة الاجتهاد ، وهو أنّ الناس التفتوا بعد حين أن خليفة النبي صلىاللهعليهوآله حقاً أصبح جليس داره ، وأنّ الآخرين اغتصبوا
__________________
(١) شرح التجريد (للقوشجي) : ٤٨٤ ، الغدير ٦ / ٢٨٣.
(٢) المصدر نفسه.
(٣) انظر الغدير ٦ / ٢٨٣.