عنك وتدفع ، فجعل العباس يقاتل وهو متأخر ، وقد أدركته الخيل والرماح كآجام القصب ، وصار يضرب فيهم يميناً وشمالاً إلى أن وصل إلى أخيه الحسين عليه السلام ، فصاح به الشمر «لعنه الله» : يابن علي ؛ إن كنت قد رجّلت المارد عن «الطاوية» وقتلته فهي والله التي كانت لأخيك الحسن عليهالسلام يوم «ساباط المدائن».
فلما وصل العباس إلى أخيه الحسين عليهالسلام ذكر له ما قاله الشمر من خبر «الطاوية» فنظر الحسين عليهالسلام وقال : هذه والله الطاوية التي كانت لملك الري وانه لما قتل أبي علي بن أبي طالب وهبها لأخي الحسن عليهالسلام وصارت الطاوية تلوذ بمولانا الحسين عليهالسلام ... (١).
الشهادة :
اتجه أبو الفضل العباس عليهالسلام نحو المخيم بعدما ملأ القربة وهي عنده أثمن من حياته ، والتحم مع أعداء الله وأنذال البشرية التحاماً رهيباً ، فقد أحاطوا به من كلّ جانب ـ وهي أربعة آلاف ـ ليمنعوه من إيصال الماء إلى عطاشى آل النبي ، ورموه بالنبال ، فلم ترعه كثرتهم وأخذ يطرد أولئك الجماهير وحده ، ولواء الحمد يرف على رأسه ، وأشاع فيهم القتل والدمار وهو يرتجز :
لا أرهب الموت إذ الموت زقا |
|
حتى أورى في المصاليت لقى |
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا |
|
إني أنا العباس أغدو بالسقا |
ولا أخاف الشر يوم الملتقى
وانهزمت الجيوش من بين يديه يطاردها الفزع والرعب ، فقد ذكرّهم ببطولات أبيه فاتح خيبر ومحطم فلول الشرك ، ولم يشعر القوم أهو العباس يجدّل الأبطال أم أنّ الوصي يزأر في الميدان ، فلم تثبت له الرجال إلّا أنّ وضراً خبيثاً من الجبناء
__________________
(١) إكسير العبادات : ٣٣٥ المجلس العاشر.