حتى أتممتها ، فقال : اكتب لي هذه ، فكتبتها ثم قلت له : أحسنة هي؟ قال : ما سمعت بأحسن منها ، قلت : لأنها لأبي تمام؟ قال : حرق حرق (١) ، قال ابن المعتز : وهذا الفعل من العلماء مفرط القبح ، لأنه يجب أن لا يدفع إحسان محسن ، عدوا كان أو صديقا ، وأن تؤخذ الفائدة من الرفيع والوضيع ، فإنه يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال : الحكمة ضالّة المؤمن ، فخذ ضالّتك ولو من أهل الشرك ، ويروى عن بزرجمهر أنه قال : أخذت من كل شيء أحسن ما فيه ، حتى انتهيت إلى الكلب ، والهر ، والخنزير ، والغراب ، فقيل له : وما أخذت من الكلب؟ قال : إلفه لأهله ، وذبّه عن حريمه ، قيل له : فمن الغراب؟ قال : شدة حذره ، قيل له : فمن الخنزير؟ [قال] : بكوره في إرادته قيل : فمن الهر؟ قال : حسن رفقها عند المسألة ولين صياحها ، انتهى.
قرأت خط أبي الحسن رشأ بن نظيف ، وأنبأنيه أبو القاسم العلوي ، وأبو الوحش المقرئ عنه ، قال : أنبأنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد الشرقي ، أنبأنا أبو بكر محمّد بن يحيى الصّولي ، نبأنا محمّد بن يزيد بن عبد الأكبر ، قال : قدم عمارة بن عقيل إلى بغداد ، فاجتمع الناس إليه ، وكتبوا شعره ، وسمعوا منه ، وعرضوا عليه الأشعار ، فقال له بعضهم : هاهنا شاعر يزعم قوم أنه أشعر الناس طرا ، ويزعم غيرهم أنه ضدّ ذلك ، فقال : أنشده لي ، فأنشدوه (٢) :
غدت تستجير الدمع خوف نوى غد |
|
وعاد قتادا عندها كل مرقد |
وأنقذها من غمرة الموت إنّه |
|
صدود فراق لا صدود تعمّد |
فأجرى لها الاشفاق دمعا موردا |
|
من الدر (٣) يجري فوق خدّ مورّد |
هي البدر يغنيها تودّد وجهها |
|
إلى كلّ من لاقت وإن لم تودّد |
ثم قطع المنشد فقال له عمارة : زدنا من هذا ، فوصل نشيدا وقال :
ولكنني لم أجد (٤) وفرا مجمعا |
|
ففزت به إلّا بشمل مبدّد |
ولم تعطني الأيام نوما مسكنا |
|
ألذّ به إلّا بنوم مشرّد |
__________________
(١) تاريخ بغداد : خرّق خرّق.
(٢) الأبيات في ديوانه ص ٩٨ من قصيدة يمدح أبا سعيد محمد بن يوسف الطائي.
(٣) في الديوان : الدم.
(٤) الديوان : لم أحو.