إسماعيل : وأنا والله قد كنت أحبّ لقاءك في غير ما أتيتك به. قال : وما أتيتني به؟ قال : فارقت أمير المؤمنين وهو أشدّ الناس عليك غضبا ومنك بعدا ، قال : فاستوى جالسا مرعوبا فرمى إليه إسماعيل بالطومار ، فجعل الحجّاج ينظر فيه مرة ويعرق وينظر في إسماعيل أخرى فلما نقضه قال : قم بنا إلى أبي حمزة نعتذر إليه ونترضاه ؛ فقال له إسماعيل : لا تعجل ، قال : كيف لا أعجل وقد أتيتني بآبدة (١).
وكان في الطومار : إلى الحجّاج بن يوسف :
بسم الله الرّحمن الرحيم.
من عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين إلى الحجّاج بن يوسف أمّا بعد.
فإنك عبد طمت بك الأمور فسموت فيها ، وعدوت طورك وجاوزت قدرك وركبت داهية أدّا ، وأردت أن تبرزني (٢) ، فإن سوغتكها مضيت قدما ، وإن لم أسوغكها رجعت القهقرى ، فلعنك الله عبدا أخفش (٣) العينين ، منقوض الجاعرتين (٤) ، أنسيت مكاسب أبائك بالطائف ، وحفرهم الآبار ، ونقلهم الصخر (٥) على ظهورهم في المناهل ، يا ابن المستفرمة (٦) بعجم الزبيب ، والله لأغمزنّك غمز الليث الثعلب ، والصقر الأرنب ، وثبت على رجل من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أظهرنا ، فلم تقبل له إحسانه ولم تجاوز له إساءته ، جرأة منك على الرب جلّ وعزّ ، واستخفافا منك بالعهد ، والله لو أن اليهود والنصارى رأت رجلا خدم عزيز بن عزرة ، وعيسى بن مريم لعظّمته وشرّفته وأكرمته ، فكيف وهذا أنس بن مالك خادم رسول الله صلىاللهعليهوسلم خدمه ثمان سنين ، يطلعه على سرّه ويشاوره في أمره ، ثم هو مع هذا بقية من بقايا أصحابه ، فإذا قرأت كتابي هذا ، فكن أطوع له من خفّه ونعله ، وإلّا أتاك مني سهم مثكل بحتف قاض و (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٧) انتهى.
__________________
(١) أي بأمر عظيم ينفر منه ويستوحش (النهاية).
(٢) في الجليس الصالح وبغية الطلب : «تبورني» أي تختبرني.
(٣) الخفش : فساد في العين يضعف منه نورها ، وتغمض دائما من غير وجع (النهاية).
(٤) الجاعرتان لحمتان تكتنفان أصل الذنب ، وهما في الإنسان في موضع رقمي الحمار (النهاية ـ اللسان).
(٥) الجليس الصالح : الصخور.
(٦) الفرم : تضييق المرأة فرجها بالأشياء العفصة (النهاية).
(٧) سورة الأنعام ، الآية : ٦٧.