شعرا ، ففي قرابتك ورحمك وواجب حقّك ، ما توصل به رحمك وتقضى به حوائجك ، فانصرف إلى باديتك واعذرني فيما يأتيك مني.
قال : فخرجت إلى باديتي ، فإني لجالس بعد أيام إذا بشويهات تتسايل يتبع بعضها بعضا ، فأعجبني حسنها ، فما زالت تتسايل حتى افترش الوادي منها ، وإذا فيها غلامان أسودان ، وإذا إنسان على دابّة يحمل بين يديه رزمة ، فلما جاءني ثنى رجله ، وقال : أرسلني إليك إبراهيم بن طلحة وهذه ثلاثمائة شاة من غنمه وهذان راعيان ، وهذه أربعون ثوبا ، ومائتا دينار وهو يسألك أن تعذره.
وأخبرنا بهذه الحكاية أبو الحسن علي بن أحمد بن الحسن بن الموحد ، وأبو غالب أحمد ، وأبو عبد الله يحيى ابنا الحسن بن البنّا ، قالوا : أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي ، أنا علي بن عمر الدارقطني ، نا الحسين بن إسماعيل القاضي حدثني عبد الله بن أبي سعد ، نا عبد العزيز بن يحيى بن عبد العزيز بن سعد المدني ، حدثني أبو سعيد بن بشير حدّثني إبراهيم بن هرمة قال : أردت البناء على ابني ، وخروجا إلى باديتي ـ وكان يخرج إلى العقيق (١) في كل سنة ـ ومرمّة الشتاء فتذكرت في قريش فلم أذكر إلّا إبراهيم بن محمد بن طلحة ، فخرجت إليه في مال له بين شرقي المدينة وغربيّها مما يلي أحدا فقال له رحيه (٢) وقد هيأت له شعرا فلما جئته قال لبنيه : قوموا إلى عمّكم ، فقاموا إليّ حتى أنزلوني عن دابّتي فسلّمت عليه وجلست أتحدّث معه ، ورحّب بي وبشّ إليّ ، فقلت له حيث اطمأن بي المجلس : أردت البادية وحضر الشتاء ومئونته وأردت أن أجمع على ابني أهله ، وكانت الأشياء متعذرة فتذكرت في قومي فلم أذكر إلّا أنت ، وقد هيأت لك ما أحبّ أن تسمعه ، فقال : بحقّي عليك أن تسمعني شعرا في قرابتي ورحمك وواجب حقّك ما توصل به رحمك وتقضى به حاجتك ، فامض إلى باديتك ، واعذرني ، فيما يأتيك مني فلما قال ، انصرفت ، مضيت إلى باديتي بالعقيق فإني ليوما جالس بعد أيام إذ نظرت إلى شويهات تتسايل يتبع بعضها بعضا ، فأعجبني ما رأيت من حسنها فما زالت تتسايل حتى انغرست في الوادي وإذا غلامان أسودان فيهما ، وإنسان راكب على بغل يحمل بين يديه رزمة حتى جاءني يثني رجله ثم قال : أرسلني إليك أخوك
__________________
(١) العقيق : واد عليه أموال أهل المدينة ، وهو على ثلاثة أميال أو ميلين (معجم البلدان).
(٢) كذا.