.................................................................................................
______________________________________________________
الشرح من أنّ النهي بحسب طبعه الأولي وإن كان ظاهراً في التحريم التكليفي المولوي ، أي اعتبار كون المكلّف بعيداً عن الفعل في عالم التشريع ، ولأجله يعبّر عنه بالزجر ، فكأنّ الناهي يرى المنهي محروماً عن العمل وأنّه لا سبيل له إليه والطريق مسدود.
إلّا أنّ هذا الظهور الأولي قد انقلب في باب المركّبات من العبادات والمعاملات العقود منها والإيقاعات إلى الإرشاد إلى الفساد واعتبار عدمه في ذلك العمل ، فلا يستفيد العرف من مثل قوله (عليه السلام) : «نهى النبي (صلّى الله عليه وآله) عن بيع الغرر» (١) أنّه محرّم إلهي كشرب الخمر ، بل معناه : أنّ الشارع الذي أمضى سائر البيوع لم يمض هذا الفرد ، وأنّه يعتبر في الصحّة أن لا يكون غرريّاً. فلا تستفاد الحرمة التكليفيّة بوجه إلّا إذا دلّ عليه دليل من الخارج ، كما في الربا بقرينة قوله تعالى (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ) (٢) ، وإلّا فنفس النهي لا يدلّ عليها بوجه.
وكذلك الحال في باب العبادات ، فإنّه لا يستفاد من النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إلّا البطلان ، وتقيّد الصلاة بعدم ذلك.
وهذا الكلام بعينه يجري في باب الأوامر أيضاً ، فإنّ الأمر بالصلاة إلى القبلة ظاهر في الشرطيّة لا الوجوب التكليفي ، كما أنّ الأمر بالإشهاد في الطلاق في قوله تعالى (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) (٣) ظاهر في ذلك ، وأنّ الطلاق بلا شاهد باطل لا أنّه حرام ، وهكذا غيرها ، فقد انقلب الظهور من المولوي إلى الإرشادي ومن التكليفي إلى الوضعي ، وهذا يجري في جملة أُخرى من الموارد
__________________
(١) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) ٢ : ٤٥ / ١٦٨.
(٢) البقرة ٢ : ٢٧٩.
(٣) الطلاق ٦٥ : ٢.