شكر الله سعيك. قال : وأنا أسمع كلّ ما دار بينهما ، فعُدت إلى موضعي وأخبرت ابن سعد بما جرى ، فأمر بخمسة آلاف رجل وعليهم خولّى بن يزيد الأصبحي فالتحقوا بنا عند الصباح وكنّا على أُهبة الاستعداد ، فلمّا أصبح الصباح خرج علينا من أفُق الخيام كما تشرق الشمس فأحاط به العسكر كالجراد المنتشر ، ورموه بالسهام حتّى كان درعه كالقنفذ وملأت جسمه السهام ، فنزل إلى المشرعة وملأ القربة وأحكم شدادها وخرج دون أن يذوق الماء ، فصرخت بالعسكر : ثكلتكم أُمّهاتكم إن شرب الحسين ماءاً أفناكم عن آخركم ، فإنّ أكبركم عنده كأصغركم.
فحمل عليه الجيش بأجمعهم وضربه رجل من الأزد على يده
اليمنى فأبانها من موضعها ، فأخذ السيف بشماله وحمل علينا وكان يحمل السقاء على منكبه ، وقتل من رجالنا وفرساننا جماعة فكانت همّتنا تمزيق السقاء من خلفه ، فسدّدت السيف نحو السقاء فشعر بي وأقبل يريدني فضربته على يده اليسرى ، وضربه آخر بعمود على رأسه فوقع عن ظهر فرسه ونادى بأعلى صوته : يا أخاه ، فأقبل الحسين نحوه يجري به الفرس وكأنّه الأجدل انقضّ على فريسته ، فقتل من رجالنا سبعين وقلب ميمنتنا على الميسرة ، وهزم الجيش كلّه ثمّ عاد إلى أخيه وحمله كما يحمل الأسد فريسته ووضعه بين القتلى وبكى عليه وعلت الصيحة من المخدّرات حتّى حسبنا الملائكة والجنّ تبكي معهم ، والأرض تتزلزل بنا ، فرأينا الحسين ينحونا ، فوالله لقد حسبناه أباه عليّاً بن أبي طالب ، فكشفنا عن مواضعنا كأنّنا المعزى ، وأقبل يريد المشرعة ، فدخلها ومشى في الماء حتّى لامس ركابه وانتزع اللجام من فم الفرس ليشرب ولم يذق الحسين قطرة واحدة من الماء من شدّة عطشه. ولمّا رأيت إيثاره الفرس على نفسه تذكّرت الآية التي مدح الله بها