إليّ بالاً ، فلاطفته وقاسمته ، فقال لي : ما الذي تريد منّي ؟ فأجبته أن أعرف مجرى خبرك ومسير قصّتك وأطّلع على حقيقة أمرك ، فقال : سأُريك رأسي على شرط ، قلت : وما هو الشرط ؟ قال : أن يبقى عندك سرّ مكتوم فلا تطّلع عليه أحداً ، وأن تشبعني من الطعام لأنّي جائع جدّاً ، قلت له : هلمّ معي إلى البيت لكي أملأ جوفك من أطايب الطعام ، فسرّ بذلك وأقبل يحدّثني بحديثه قبل أن يجهز الطعام ، فقال :
هل حضرت يوم عاشوراء في أرض كربلاء ورأيت ما جرى على الحسين ؟ فقلت : لم أكن هناك ولكن بلغت سمعي أنبائها ، فقال : أتعرف عمر بن سعد ؟ فقلت : بلى سمعت باسمه ، هل أنت ذلك الرجل ؟ فقال : لا ، أنا إسحاق بن حوية ، كنت حامل لوائه ، فقلت : أخبرني ما الذي صنعته حتّى ابتلاك الله بما ابتلاك وخسرت دنياك وأُخراك ؟ فقال : سأخبرك خبري ، اعلم بأنّ ابن سعد جعلني مع الرّماة وحاملي السيوف على شريعة الفرات وأمرني أن نحول بين الحسين وأصحابه وبين الماء .. فامتثلنا أمره وبالغنا في ذلك حتّى كنّا لا نذوق النوم ليلاً ونحرس الماء نهاراً ، وبلغت بي شقوتي أن حرّجت على أصحابي حمل الأواني خشية أن يعطف أحدهم على الحسين فيسقيه.
إلى أن حدّثتني نفسي أن أخترق جيش الحسين وأسترق السمع لأعرف الذي تحدّثهم به أنفسهم ، فدنوت من مضرب الحسين فرأيت العبّاس مقبلاً على أخيه فرآه باكي العين دامع الطرف ، فسأله عن علّة بكائه ، فأجابه : لقد كضّنا العطش لا سيّما الأطفال والعيال واحتفرنا في موضعين بئراً فلم نعثر على الماء ، ألا تسأل هؤلاء غداً بعض الماء لأطفالنا وعيالنا ، فقال : لقد سألتهم مراراً وتكراراً فما أجابوني إلّا برمي السهام وضرب السيوف.
فلمّا سمع الحسين ذلك من أخيه العبّاس رفع صوته بالبكاء ،
فقال له العبّاس : سآتيهم بالماء إذا أصبح الصباح ما أمكنني ذلك ، فلمّا سمع ذلك دعا الله له وقال :