وأخذ يلحّ على الإمام لا يأذن له ، حتّى قال له الإمام : اذهب يا أخي وابتغي لهؤلاء الأطفال قطرة من الماء وأذن له حينئذٍ.
فاعتلا العبّاس صهوة فرسه وأجرأه ملأ فروجه ، وأوقفه أمام الأعداء وأخذ ينصحهم ويعظهم ، وبالغ فالنصيحة فلم يترك لهم عذراً يعتذرون به ، وممّا قال لهم : يابن سعد ، يقول لك ابن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنّكم قتلتم أصحابي وإخواني وبني عمومتي وضرّجتموهم بالدم وقطعتموهم إرباً إرباً والآن بقيت مفرداً مع أهلي وعيالي في هذا القفر الجديب وقلوبنا وقلوب أطفالنا تكاد تتفطّر من شدّة العطش ، فدعوني أذهب بهؤلاء العيال والصبية من هذا القفر الى جانب الروم أو الهند وأترك لكم الحجاز والعراق ، وأشرط لكم بأنّي لا آخذكم بذلك يوم القيامة ، ولا أشكوكم إلى الله.
وكانت كلمات أبي الفضل عليهالسلام أسرع جرياناً من الزلال ، وأمضى قطعاً من البيض الصقال ، ولكنّها لم تؤثّر في القلوب القاسية ، فتقدّم شمر لعنه الله نحوه وقال : يابن أبي تراب ، لو غمر الماء الأرض كلّها وملكناه كلّه فلن نوردك منه قطرة واحدة حتّى تبايع يزيد بن معاوية.
ولمّا وقعت عين أبي الفضل على هذا الجلف الجافي من
العسكر كلّه ثنى عنان جواده وعاد إلى أخيه الحسين عليهالسلام
ونقل له كلّ ما سمعه ، ولمّا علم الأطفال بذلك صاحوا صيحة واحدة : العطش العطش ، ولمّا رأى أبو الفضل هذا المشهد الذي يفتّت القلوب تناول السّقاء كالبرق الخاطف والصرصر العاصف ، وأقبل بنحو المشرعة وحين علم العسكر بما يريد من إقدامه حشدوا أربعة آلاف من الرجال الذين وضعهم عمر بن سعد لحماية الفرات وحالوا بينه وبين الشريعة كأنّهم سدّ الاسكندر ، فسدّوا الفرات بوجه ابن حيدر الكرّار فوجاً ، وتدافعوا تدافع الموج ، وأحاطوا بقمر بني هاشم وهو من هو شبل الأسد وحليف السيف الذي