كانت كالبرزخ المركّب من محض ضياء الشمس ومحض ضياء الليل والبرزخيّات فيصحّ إطلاق اسم كلّ من طرفيها عليها وإفرادها باسم ؛ ولهذا سمّاها الشارع تارة ليلاً ، وتارة نهاراً (١) وتارة قال : « إنها ساعة ليست من ساعات الليل ، ولا من ساعات النهار » (٢).
وهذا شأن جميع البرزخيات وإن كان حقيقة النهار زمن طلوع الشمس ، والليل زمان غروبها ، ولا ثالث بينهما بالضرورة ، وإلى ذلك أشار قوله تعالى : ( فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً ) (٣).
ولا شكّ أن آية النهار الشمس ، فيختصّ النهار بزمان ظهورها ، ويقابله الليل.
ولعلّك إذا تأمّلت الآيات والأخبار وكلام أهل اللغة (٤) والفلكيّين والمنجّمين وأصحاب الأرصاد والتقاويم ظهر لك أن هذا هو الحقيقة فيهما لغة وشرعاً وعرفاً ، والمعنى الآخر مجاز فيهما لم يرد استعماله إلّا مردفاً بالقرينة.
هذا ، ولو قلنا : إن أوّل نافلة الليل بعد انتصافه باعتبار ما بين الغروب إلى الفجر لم يكن له ضابط يعرف على حال ، وظاهر كلّ من قال : إن نصف الليل يعرف بانحدار النجوم الطالعة وقت الغروب أراد (٥) ما حقّقناه.
وممّا يدلّ عليه أيضاً الأخبار (٦) المقدّرة لمسافة القصر ، وتعليلها بأنه شغل يومه ؛ إذ لا ريب أن المراد من اليوم يوم المسافر ، وأنه من الطلوع إلى الغروب والليل يقابله ؛ لعدم الواسطة ، والله العالم بحقيقة أحكامه.
وكان الجعفي : قد صرّح بذلك كما نقل عنه في ( الذكرى ) قال الشهيد رحمهالله : فيها بعد
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ١٧ / ١ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٧ ـ ١٠٨ / ٥.
(٢) تفسير القمّيّ ١ : ١٢٦ ، بحار الأنوار ٨٠ : ١٠٧ / ٤.
(٣) الإسراء : ١٢.
(٤) انظر لسان العرب ١٤ : ٣٠٣ نهر ، وقد أورد كون أوله طلوع الفجر وطلوع الشمس.
(٥) في المخطوط : ( أراده ).
(٦) تهذيب الأحكام ٣ : ٢٠٩ / ٥٠٣ ، الإستبصار ١ : ٢٥٥ / ٧٩٩ ، وسائل الشيعة ٨ : ٤٥٥ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ١ ، ح ١٦.