ثمّ إنّي بعد ذلك وقفت على مجلّد من ( البحار ) ، فيه ما صورته : ( علل الشرائع ) (١) عن الصادق عليهالسلام « إنّ الله عزوجل جعل لمن له سلطان مدّة من ليالٍ وأيّام وسنين وشهورٍ ؛ فإن عدلوا في الناس أمر صاحب الفلك بإدارته فطالت أيّامهم ولياليهم وسنونهم وأشهرهم ، وإن هم جاروا أمر صاحب الفلك ، فأسرع بإدارته وأسرع فناء لياليهم » إلى آخره.
بيان
لعلّ المراد بالسرعة : تسبيب أسباب زوال ملكهم ، وبالعكس على الاستعارة التمثيليّة ، فالمراد بالوفاء [ بعدد (٢) ] شهورهم إلى آخره : أن تلك السنين والشهور الّتي كانت مقدّرة قبل ذلك كانت مشروطة بعدم الإتيان بتلك الأفعال ، وقد أخبر تعالى بنقصان ملكهم مع الإتيان بها ، فلم يخلف ما وعدهم لهم.
ويحتمل أن يكون لكلّ دولة فلك ما سوى الأفلاك المعروفة الحركات ، وقد قدّر لدولتهم عدداً من الدورات. ويحتمل أن يكون إذا أراد إطالة مدّتهم أمر بإبطائه في الحركة ، وإذا أراد سرعة فنائها أمر بإسراعه ) (٣) ، انتهى.
قلت : أمّا الوجه الأوّل ، [ فظاهر (٤) ] الحديث ينافيه.
وأمّا الثاني ، فلعلّه ما نسبه السيّد لبعض معاصريه.
ثمّ وجدت بعد ذلك كلاماً لرئيس الحكمة شيخنا الشيخ أحمد بن زين الدين الأحسائيّ : على هذا الحديث قال فيه : ( وإنّما العادل هو الحجّة عليهالسلام : وهو الآن غير متمكّن من إقامة العدل ، فالحكم لمقتضى الجائر. ولو فرض العادل والجائر فإن كان العادل متمكناً من دفع الجائر ولم يدفعه بالعدل فهو جائر ، وإن لم يتمكّن فلا مقتضى لعدله. وعلى فرض المقتضى يكون الإسراع من المقتضَيَين فيكون أقلّ إسراعاً ممّا لو انفرد الجائر ، فلا تناقض ولا تنافي ) ، انتهى كلامه أعلى الله مقامه ، والله العالم.
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٢٨٨ ، ب ٣٦٧ ، ح ١ ، باختلاف.
(٢) من المصدر ، وفي المخطوط : ( بعدهم ).
(٣) بحار الأنوار ٤ : ١٠٣ / ١٦ باختلاف.
(٤) في المخطوط : ( وظاهر ).