[١]
مسألة
في حقيقة النفس الإنسانيّة
اعلم أن النفوس البشرية خلقت مفطورةً على كمال الاختيار ؛ ولذا كان لها بأصل فطرتها القدرة على الاختراع والابتداع ، والصدق والكذب ، والفعل والانفعال ، والتصوير وإحداث الصور المتخيّلة والمتوهّمة ، وذلك ما سألتْهُ بلسان إنّيتها (١) وافتقارها من بارئها ، فقد أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى (٢) ؛ لأنّ أفعاله عزوجل مبنيّة بحكمته على كمال الاختيار إيجاداً وتكليفاً ( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) (٣) في كلّ مقام.
فالنفس لها ذلك في عالم الغيب والشهادة ، كما يشاهد من فعل النائم والبَرْهَمِ والساحر والعيّان وأهل الصنائع العجيبة ، وحمرة الخجل وصفرة الوجل ، وما يحدث من أبصار بعض الحيوانات ، إلى غير ذلك.
و [ لمّا ] كانت النفس الأمّارة وجه الإنيّة التي هي الماهيّة ، ومادّة آلتها هي المطاعم التي للشيطان فيها نصيب ولامسها (٤). والمعصية من جنس الأمّارة وإلفاً لها ،
__________________
(١) الإنّيّة : الوجود ، شرح المواقف ١ : ٥٥.
(٢) إشارة إلى قوله تعالى : ( رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى ). طه : ٥٠.
(٣) إبراهيم : ٣٤.
(٤) كذا في المخطوط.