يقول العلاّمة الإربلي : « إنّ الأنبياء والأئمّة عليهمالسلام تكون أوقاتهم مشغولة بالله تعالى ، وقلوبهم مملوءة به ، وخواطرهم متعلّقة بالملأ الأعلى ، وهم أبداً في المراقبة ، كما قال عليهالسلام : « اعبد الله كأنّك تراه ، فإن لم تره فإنّه يراك ».
فهم أبداً متوجّهون إليه ، ومقبلون بكلّهم عليه ، فمتى انحطوا عن تلك المرتبة العالية ، والمنزلة الرفيعة إلى الاشتغال بالمأكل والمشرب ، والتفرّغ إلى النكاح وغيره من المباحات عدّوه ذنباً ، واعتقدوه خطيئة ، واستغفروا منه ... » (١).
وأمّا قوله تعالى : ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) ، فإنّ الذنب في اللغة يأتي بثلاثة أُصول : « أحدها الجرم ، والآخر مؤخّر الشيء ، والثالث : كالحظّ والنصيب » (٢).
وكون الذنب في الآية بمعنى الجرم ممّا لا ريب فيه ، غير أنّ الذي يجب التنبيه عليه ، هو أنّ اللفظ لا يدلّ على أزيد من كون صاحبه عاصياً وطاغياً ، وناقضاً للقانون ، وأمّا الذي عصى وطغى عليه ونقض قانونه فهو يختلف حسب اختلاف البيئات والظروف ، وليست خصوصية العصيان لله سبحانه مأخوذة في صميم اللفظ ، بحيث لو أطلق ذلك اللفظ يتبادر منه كونه سبحانه هو المعصي أمره ، وإنّما تستفاد الخصوصية من القرائن الخارجية ، وهذا هو الأساس لتحليل الآية ، وفهم المقصود منها ، والغفران باللغة هو الستر.
والآية تدلّ على أنّ الغاية المتوخّاة من الفتح هي مغفرة ذنب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ما تقدّم منها وما تأخّر ، غير أنّ في ترتّب تلك الغاية على ذيلها غموضاً في بادئ النظر ، والإنسان يستفسر في نفسه كيف صار تمكينه سبحانه نبيّه من فتح القلاع والبلدان ، أو المهادنة والمصالحة في أرض الحديبية مع قريش سبباً لمغفرة ذنوبه.
____________
١ ـ كشف الغمّة ٣ / ٤٧.
٢ ـ معجم مقاييس اللغة ٢ / ٣٦١.