من خلفه ولوا مدبرين (١) ؛ كي لا يسمعوها ، وهذا كافٍ في استحباب الجهر للمنفرد ، ولأنّه لا مزيّة في تخصيص الإمام على المنفرد لعدم الفارق. وأجاب بعض الفضلاء عن احتجاج ابن الجنيد بعد تسليم كون الأصل وجوب المخافتة ـ : ( بل قضيّة الأصل عدمه ) ، وفيه نظر يظهر للمتأمّل ).
أقول : هذا الجواب موافق للصواب ، إلّا إنّه اشتمل على خلل واضطراب :
أمّا أوّلاً ؛ فلقوله : احتجّ ابن الجنيد ، وصوابه : احتُجّ لابن الجنيد ، لأنّ هذا الاحتجاج ليس منه نفسه ، وإنّما احتُجّ به له ، مع أنّه لا يرضى به ولا يجري على أصله الذي هو عدم وجوب الجهر والإخفات في مواضعهما ، فكأنّ هذا الاستدلال جرى غفلةً عن حقيقة الحال ، كما لا يخفى على مَنْ عرف الرجال بالحقّ ، لا الحقّ بالرجال.
وأمّا ثانياً ؛ فلعدّه في صحيح زرارة من جملة ما لا تقيّة فيه الجهر بالبسملة ، وهو ناشٍ عن محض الاستعجال وعدم مراجعة الصحيح المذكور في تلك المحالِّ ، لأنّ هذا الصحيح مذكور في ( الكافي ) و ( التهذيب ) فقط ، وهو على ما وقفنا عليه فيهما وبالنقل منهما ليس فيه من التعرّض للبسملة عين ولا أثر ، ولم نعثر له على خبر ، ومتنها في ( التهذيب ) و ( الكافي ) هكذا.
عن حمّاد ، عن حريز ، عن زرارة ، قال : قلت له : في مسح الخفّين تقيّةٌ؟ فقال : « ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً : شرب المسكر ، ومسح الخفّين ، ومتعة الحجّ »(٢) ، إلّا إنّها في ( التهذيب ) و ( الكافي ) مضمرة على ما وقفت عليه.
إلّا إنّ شيخنا فقيه ( الحدائق ) نقلها من ( الكافي ) متّصلة بأبي جعفر عليهالسلام ، قال بعد ذكر صحيح زرارة ، المذكور ما لفظه : ( ومثل خبر زرارة المذكور ما رواه في ( الكافي ) أيضاً في الصحيح عن زرارة عن غير واحد ، قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : في المسح على الخفين تقيّة؟ قال : « لا تتّقِ في ثلاث » قلت : وما هنّ؟ قال : « شرب الخمر ، أو قال : شرب المسكر ، والمسح على الخفّين ، ومتعة الحجّ » ) (٣). انتهى.
ولم أقف عليها في ( الكافي ) إلّا موافقة لما في ( التهذيب ) كما مرّ متناً وسنداً ،
__________________
(١) البرهان في تفسير القرآن ١ : ٩٧ ٩٨ / ٢٣٨.
(٢) الكافي ٣ : ٣٢ / ٢ ، التهذيب ١ : ٣٦٢ / ١٠٩٣ ، الوسائل ١ : ٤٥٧ ، أبواب الوضوء ، ب ٣٨ ، ح ١.
(٣) الحدائق ٢ : ٣١١.