وأمّا قوله : ( والمخالفون قاطبة لا يجهرون بالبسملة في الصلاة الجهريّة والإخفاتيّة ) ، ففيه ما لا يخفى ؛ إذ الشافعي وأتباعه يجهرون بها مطلقاً ، كما حكاه عنهم المحقّق في ( المعتبر ) (١) ، والعلّامة في ( المنتهى ) (٢).
وأمّا قوله : ( فبالجهر بها في الصلاة الجهريّة تتحقّق مخالفتهم ).
ففيه : ما مرّ أوّلاً من أنّ الجهر في الجهريّة أمر عادي لابديّ يشترك فيه مَنْ يرى البسملة جزءً من كلّ سورة ، كما هو مذهب ابن المبارك (٣) ، وأهل مكّة كابن كثير (٤) ، وأهل الكوفة كعاصم والكسائي (٥) وغيرهما سوى حمزة (٦) ، وجمهور أصحاب الشافعي كما حكاه المحقّق البهائي في ( حاشية تفسير القاضي البيضاوي ) ، وإنّما تتحقّق المخالفة وإقامة الشعار في الجهر بها في مواضع الإسرار ، فاعتبروا يا أُولي الأبصار.
ثمّ قال ألبسه الله حلّة الكمال ـ : ( وليست تدلّ على الجهر مطلقاً في الجهريّة والإخفاتيّة في الأُوليين والأخيرتين ، بل إنّما تدلّ على نفس الجهر من حيث هو من غير اعتبار وحدة ولا إطلاق ، فيتأدّى بما ذكرناه ضرورة تأدية مطلق الشيء ببعض أفراده ، بخلاف الشيء المطلق ، فسقط الاستدلال بها رأساً ، فلا يحسن التعلّق بها في إثبات هذا الحكم ، مع معارضة إطلاقها المدّعى بصحيحة عبد الله بن سنان (٧) وصحيحة زرارة (٨) المتقدّمتين.
وعلى ما ذكرناه في جواب هذه الرواية يحمل قول أمير المؤمنين عليهالسلام : « لألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم » (٩) ، ويحمل أيضاً قول ابن أبي عقيل (١٠) بتواتر الأخبار عن الأئمّة : بأنّه لا تقيّة في الجهر بالبسملة ).
أقول : أمّا قوله سلّمه الله ـ : ( وليست تدلّ على الجهر مطلقاً ).
ففيه : ما مرّ آنفاً من أنّه خلاف ما صرّح به الأصحاب من إفادة العموم ، فضلاً عن الإطلاق ، أوّلاً.
__________________
(١) المعتبر ٢ : ١٨٠. (٢) المنتهى ١ : ٢٧٨.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١ : ٩٣. (٤) المحلّى ٣ : ٢٥١ / ٣٦٦.
(٥) المحلّى ٣ : ٢٥١ / ٣٦٦. (٦) مجمع البيان ١ : ١٩.
(٧) انظر : ص ٣٨ هامش ٧. (٨) انظر : ص ٤٤ هامش ٢.
(٩) الكافي ٨ : ٥١ / ٢١ ، وفيه « وألزمت ».
(١٠) عنه في مدارك الأحكام ٣ : ٣٦٠.