الكتب الأربعة المشهورة متكرّرة (١).
فإن كان مستندُ الشبهةِ عدم وجود المحلّل فيها كما هو ظاهر كلامه فقد صحّ ما ينفيها ؛ لذهاب تلك العلّة بحصول ما يشفيها.
وأمّا قوله : ( والاحتياطُ لا يخفى ).
ففيه : أنّه إنْ أرادَ به التورّعَ والتقوى عن ترك ما لا بأسَ به من المستلذّات والمحلّلات ، فلا بأس. مع أنّه تعالى يحبّ أن يُؤخذَ برخصه ، كما يُؤْخذ بعزائمه ، كما رُوي عن سادات الناس (٢).
بل ورد في وجوب قصر الصلاة والصوم على المسافر بأنّه هديّةٌ في خبر (٣) أو صدقة تصدّقَ بها كريمٌ في آخر (٤) فَمن لم يقبل ذلك فقد ردَّ على اللهِ هديّته ، أو على الكريمِ صدقته.
وإنْ أراد به وجوبَ الاحتياط شرعاً ، فلا وجه له ، لأنّه ؛ إمّا أنْ يجعله من بابِ تعارض النصّين وعدمِ المرجّح في البين ، أو من باب الشكّ في المصداق الخارجي ؛ للشكّ في كونِ المذكور مِن صنفِ الحلال أو صنفِ الحرامِ ؛ لوجوبِ دفعِ الضررِ المظنونِ باحتمال كون الفرد المشتبهِ من الحرام ، ولا ثالث لهذين الوجهين.
وعلى كليهما لا دليل على وجوب الاحتياط في شيءٍ من الأمرين.
أمّا على الأوَّل ؛ فأوَّلاً ؛ لعدم وجودِ المعارض ؛ لأنّ مخالفَ الحلِّ بالمعارضة غيرُ ناهض.
وثانياً ؛ لعدم ثبوت الدليل على وجوبه ، أو الترجيح بموافقته لدى التعارض.
وأمّا على الثاني ؛ فلظهور عدم الخلاف هنا في إجراء أصل الإباحة ، والبراءة
__________________
(١) الكافي ٦ : ٢٢٠ / ٥ ، الفقيه ٣ : ٢١٥ / ٩٩٨ ، ٩٩٩ ، التهذيب ٩ : ٨١ / ٣٤٦ ، ٣٤٧ ، الإستبصار ٤ : ٩١ / ٣٤٥ ، ٣٤٦.
(٢) الوسائل ١ : ١٠٨ ، أبواب مقدّمة العبادات ، ب ٢٥ ، ح ١.
(٣) الخصال : ١٢ / ٤٣ ، الوسائل ٨ : ٥٢٠ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٢ ، ح ١١.
(٤) الكافي ٤ : ١٢٧ / ٢ ، الوسائل ٨ : ٥١٩ ، أبواب صلاة المسافر ، ب ٢٢ ، ح ٧.