والحقّ العمل بما دلّ على كفاية الظنّ مطلقاً لحكومته على ما دلّ على اعتبار اليقين ؛ لأنّه إنّما اعتبر لطريقيّته إلى الواقع وإحرازه له ، لا لكونه موضوعاً للحكم ، فإذا حكم الشارع بكفاية الظنّ كان معناه رضاه بالتوصّل إلى الواقع بالظنّ وجعله نائباً عن اليقين في الحجّيّة والاعتبار وهو معنى الحكومة.
هذا مع فرض اعتبار الظنّ من باب الطريقيّة كاعتبار العلم ، وإلّا كان مقتضى كلّ من الأدلّة في المقامين مبايناً لمقتضى الآخر ، فلا بدّ من ملاحظة النسبة والترجيح ؛ لعدم الحكومة سواء اعتُبِر كلّ من العلم والظنّ في المقامين من باب الموضوعيّة أو أحدهما من باب الموضوعيّة والآخر من باب الطريقيّة.
وأمّا الظنّ في غير الأعداد من الأفعال والأقوال ، فهل هو معتبر كاعتباره في العدد ، أم لا؟ الأقوى الأوّل لوجوه :
الأول : الأولويّة الجليّة بمعنى أنّه إذا اعتبر الظنّ واكتفى به عن القطع في مجموع الركعات المشتملة على الأفعال والأقوال فاعتباره فيما هو جزء من الركعات أوْلى ؛ إذ معنى اعتبار الظنّ في الركعات دون الأفعال والأقوال أنّه إذا شكّ في القراءة مثلاً ثمّ ظنّ الإتيان بها لم يكن ذلك معتبراً ، وإذا شكّ مع ذلك في الركوع ثمّ ظنّ به فالحال كذلك ، وكذا إذا شكّ في السجدة الأُولى ، فإذا شكّ في السجدة الثانية ثمّ ظنّ بها كان ذلك موجباً للعمل بجميع تلك الظنون ، والحكم بصحّة الصلاة ، وهو كما ترى.
وهذه الأولويّة في غاية الوضوح لا يسع إنكارها ، ولذا قال بها بعض القائلين بعدم اعتبار الظنّ المطلق مع تقسيمهم إيّاه إلى مظنون الاعتبار ومشكوكه وموهومه ، وجعلوا من الأخير الأولويّة الظنيّة ، فلو كانت هذه ظنيّة لما عملوا بها.
الثاني : ما ذكره الشهيد رحمهالله (١) من أنّه لو لم يعمل بالظنّ في مطلق أجزاء الصلاة لزم العسر والحرج لكثرة وقوع الشكّ في الأجزاء ، وأنّه قلَّما تخلو الصلاة من شكّ ، فإذا لم يفصل بين الشكّ والظنّ بالعمل بحكم الشكّ في المقامين فيؤتى بالمشكوك إذا
__________________
(١) الذكرى : ٢٢٢.