الرابعة : أنْ يعجز عنه فيهما.
أمّا الأُولى والثانية فلا إشكال في التخيير فيهما بين الأمرين ، وأمّا الثالثة والرابعة ففيهما وجوه ثلاثة :
أوّلها : الحكم بتعين ركعتي الجلوس نظراً إلى تخييره شرعاً قبل العجز بين الأمرين ، فلمّا عجز عن أحدهما تعيَّن عليه الآخر ، كما هو شأن الواجبات التخييريّة ، من أنّه إذا عجز عن شيء منها تعيَّن الباقي.
وهنا شبهة تجري في جميع الموارد التي يتعذّر فيها بعض أفراد الواجب التخييري ويتعيَّن الباقي ، وهي أنّ الحكم بتعين الباقي لا مدرك له ؛ لأنّ الدليل إنّما دلّ على التخيير بينه وبين سائر الأفراد ، وموضوع دليل التخيير هو القدرة على جميع الأفراد ، فإذا ارتفعت ارتفع الموضوع فيرتفع أصل الخطاب المتعلّق بالواجبات التخييريّة ، فالحكم بوجوب الإتيان بالباقي المقدور عليه لا دليل عليه. ولا يمكن القول باستعمال الأمر في القدر المشترك بين التعيين على فرض الانحصار ، والتخيير على فرض عدمه ؛ لعدم الجامع ، ولا استعماله في كلا المعنيين ؛ لعدم جوازه.
وتجري أيضاً فيما إذا تعلّق أمران عينيّان بواجبين متزاحمين ، فإنّهم حكموا بالتخيير ؛ نظراً لوجوب كلّ منهما عيناً ، وأنّ في كلٍّ منهما مقتضى الوجوب ، إلّا إنّه تعذّر الإتيان بهما معاً فوجب الإتيان بما يمكن منهما ، وهو الإتيان بواحد منهما مخيّراً ، ووجه جريانها أنّ الدليل إنّما دلّ على وجوب كلٍّ منهما عيناً ، فالحكمُ بالتخيير بينهما لعدم التمكّن من الجمع أخْذٌ بغير دليل.
والجواب : أنّ المرجع في هذه الأُمور إنّما هو العقل ؛ لأنّ وجوب الطاعة وحرمة العصيان أمران عقليان لا دخل لهما بأمر الشارع إلّا من حيث الإرشاد ، والعقل يحكم باشتراط الطاعة بالقدرة على الامتثال ، ومع عدمها يعذر في المخالفة ، فهي من الشرائط العقليّة للواجبات الشرعيّة ، فيدور وجوب الامتثال مدارها ويقدّر بقدرها ، فإذا تعذّر بعض الواجبات التخييريّة تعيّن الباقي بحكم العقل ؛ لحكمه بوجوب طاعة