وقال المتكلّمون باستحالة ذلك ، بل قد يعرض للمتلاقيين تضابط فإن اختلفا بعارض يدركه الحسّ وإلّا أدرك العقل بقاء المفاصل ، وإلّا كان تداخلا لا التحاما (٣).
وإذا عرفت هذا فنقول : الأقرب ما اختاره المتكلّمون من كون الجوهر في صغر المقدار إلى حدّ لا يكون أصغر منه فلا يقبل أصغر من ذلك القدر ، والدليل عليه أنّه لو قبلت المادّة الجوهريّة حجميّة زائدة عن حجمها لم يكن قدر أولى من أعظم ولا حادّ ، ويلزم منه وجود صورة الأرض في مادّة ذرّة منها ، وكذا لو قبلت أصغر لقبلت مادّة الأرض صورة الذرّة حتّى تعود مادّة البحار والجبال والأودية والأشجار مصوّرة بصورة ذرّة من الذّر ، لكنّ العقل يأبى ذلك إباء ظاهرا ، فمرتكبه معاند عقله.
وإذا أوجب لكلّ مادّة صورة هي أصغر الصور لذاتها ، كان ذلك هو الجوهر الفرد ، ولزم أن يكون التعاظم بانضياف الجواهر وتكثّرها ، لا لمقدار يقوم بها. وأنّ الاتّصال ليس إلّا التماسّ على وجه الالتحام لا لمعنى أنّه يصير بينهما جزء مشترك ، بل لمعنى اقتضى الالتحام ، وهو المسمّى بالتأليف.
وقولهم : الجسم واحد بالفعل كما هو في الحسّ مشكل ، فإن عنوا أن الحسّ لا يدرك مفاصله وإن كانت متحقّقة في نفس الأمر فهذا معقول ، وإن كانوا يزعمون أنّه في نفس الأمر واحد فهو يشكل بما لو قام به عرضا متضادّان ، فإنّ محل واحد منهما غير محلّ الآخر ، وأنّه ينقسم عند ذلك بالفعل ، فذلك المحلّ قبل ورود العرض إن لم يكن متحقّقا كان تحقّقه بقيام العرض به ، لكن قيام العرض موقوف على تحقّقه ، وإلّا لكان العرض مقوما محلّه ، وهو محال. وإذا كان متحقّقا قبل قيام العرض به كان منقسما.
__________________
(٣) التحم الشيء : التصق.