والجواب عن الأوّل إنّا لا نسلّم أنّ الأمر لا يكون أمرا إلّا بالإرادة ، وهذا لأنّه كما يجوز تعليله بالإرادة يمكن تعليله بالداعي الخالص ، فليس بأن يكون دالّا على أحدهما [ أولى ] من الآخر.
وهذا الذي ذكرناه يمكن أن يكون جوابا عن الوجه الثاني ، على أنّ ما ذكره وارد على الإرادة ، وأيضا فإنّه يمكن أن يقال : لم أراد تقديم هذا وتأخير الآخر؟ أجابوا بأنّ الداعي يدعو إلى تقديم المقدّم وتأخير المؤخّر ، صحّ لنا أن نجيب بمثل ذلك. لا يقال : قد يستوي التقديم بالنسبة إلى الداعي فلا يجوز إسناد أحدهما إليه ، لأنّا نقول : قد تستوي إرادة التقديم وإرادة التأخير بالنسبة إلى الداعي. ولو قال : الإرادة (١٠) جنس الفعل كان تعلّل بالاصطلاح وإلّا فالإرادة المتعلّقة بالشيء على وجه غير الإرادة المتعلّقة بالآخر.
وإذا كانت أدلّة هذه الدعاوي مدخولة وجب التوقّف فيها لأنّه ليس قول أولى من قول.
وأمّا قوله في أصل السؤال : هل تنتهي الدواعي إلى داع يخلقه الله تعالى؟ قلنا : نعم وهو كالعلم الضروري بأن الشيء مصلحة. قوله : وإذا انتهت إلى ذلك هل يجب الفعل؟ قلنا : لا يجب ، وقد يمكن أن يجب إذا تمحّضت الدواعي صافية عن الصوارف كما في حقّ الفارّ من الأسد ، وليس ذلك بمشابه لمذهب أهل الجبر ، لأنّ الدواعي يجوز أن تختلف ويثبت بعضها عوضا عن بعض ، والخصم يوجب الفعل ولا يجوز أن لا يقع ولا أن يختار غيره عليه. وهذا الوجه ذكره القاضي (١١) والله الموفّق.
__________________
(١٠) كذا.
(١١) يعرف بهذا اللقب عدّة من العلماء منهم القاضي عبد الجبار المتوفّى ٤١٥ ، ومنهم القاضي أبو بكر الباقلاني المتوفّى ٤٠٣ ومنهم القاضي ابن البرّاج المتوفّى ٤٨١ ولعلّه مراده.