أولها : أن تكون المسألة جزئية تعالج بما هي مع وجود متبنّيات قبلية مشتركة وعرف خاص كذلك ، كالكثير من المسائل الفقهية أو العقائدية عندما يدور بحثها بين أبناء المذهب الواحد ، حيث تمثّل الأدلّة الخاصّة أو غيرها من القواعد المشتركة تلك المتبنّيات القبلية.
ثانيها : أن تكون المسألة جزئية يراد بحثها بما هي ، مع عدم وجود عرف خاص ومتبنّيات قبلية كذلك ، فلابدّ هنا من الاعتماد على المتبنّيات العامة المشتركة وعلى القضايا المسلّمة والبديهية وما شابه ، للانطلاق من أرضية مشتركة وقواعد مقبولة عند أطراف البحث ، كما في المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية ، حيث تكثر الخلافات في القواعد الأصولية والرجالية والاستظهارات العرفية وغيرها.
ثالثها : أن تكون المسألة الجزئية محلّ البحث يراد عرضها كجزء من نظرية شاملة لإبراز موقعها وأهمّيّتها وارتباطها بغيرها من المسائل ، مع وجود عرف علمي خاص بها ، حيث سيؤيّد فقه النظرية ما يثبته العرف العلمي الخاص؛ إذ يعتبر الانسجام بين الأحكام دليلاً على صحّتها ، ويحضرني هنا ما ذهب إليه الإمام الخميني قدسسره من الفتوى بحرمة بيع العنب ممّن تَعلم أنّه يجعله خمراً ، عندما اعتمد على تشدّد الشريعة في تحريم الخمر ، وعلى الأحاديث المستفيضة التي تتحدّث عن أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله قد لعن في الخمر عشراً تشمل كلّ من له أدنى مساهمة في زراعتها أو في صنعها أو في تجارتها ، فأفتى بالحرمة مع أنّ القاعدة عند تساقط الأدلّة هي الذهاب إلى الإباحة ، وقد اعتمد فيما ذهب إليه من الحرمة على ذوق الشريعة ، وهو تعبيرٌ آخر عن فقه النظرية.
رابعها : أن تكون المسألة أيضاً كالسابق ، لكن مع عدم وجود متبنّيات قبلية خاصّة ، كما لو كان البحث بين طرفين مختلفين عقيدةً وثقافةً ، فينبغي هنا اللّجوء إلى النظر الشمولي وإلى الأعراف والقواعد العامة التي تشكّل مقبوليتها أرضية مشتركة لبحوث الجميع.
ففي الحوار الإنساني لابدّ دوماً من وجود متبنّيات قبلية مشتركة يحتكم إليها الجميع ، سواءً كانت من العرف الخاص أو العام ، لتحصيل المقبولية ولو بالمعنى الأعمّ للمسألة محل البحث ـ أي بمعنى أنّ هذا مقبول وممكن ومعقول ـ ولتنمية الحيّز المشترك من الثقافة الإنسانية الشاملة ، ولقد أشار الله تعالى في كتابه الكريم إلى ذلك في آيات عديدة :