الفصل السابع
فلسفة الدور وتعجيل الظهور
ثبت لدينا أنّ التاريخ البشري ليس تراكماً عشوائياً للأحداث والوقائع؛ بل هو صيرورة خاضعة للسنن والقوانين.
( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [ الأحزاب ].
( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) [ الفتح ].
فالتاريخ تحكمه غائية تشدّ المسيرة الإنسانية إلى نهاية محددة ، وتنأى به عن العبثية والفوضى ، ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [ المؤمنون ] ، ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ * لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ) [ الأنبياء ] ، بل إنّ قانون الغائية يحكم كلّ المفردات الكونية لا الإنسان وتاريخه فحسب ، فكلّ ذات في الطبيعة تسير وفق قانون الهداية العامّة إلى بلوغ المرتبة الكمالية اللائقة بساحتها ، ( الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) [ الأعلى ] ، غير أنّ المسيرة الإنسانية تمتاز بأنّها لا تحمل قانونها الصارم داخلها تكوينياً كما تحمله سائر عناصر الطبيعة؛ بل هي تدرك غايتها عبر حركة تكاملية إرادية واعية ، والإنسان تحمّل أمانة الاختيار حين أبت السموات والأرض ولم تكن أهلاً لذلك ، ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [ الأحزاب ].
لقد حدّد القرآن الكريم هذا الأفق النهائي : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) [ الذاريات ] ، ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَ ئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور ] ، إنّه مجتمع العبودية الخالصة؛ مجتمع الصالحين الذين يرثون الأرض ويسوسون العالم بالعدل والحقّ ، ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) [ الأنبياء ].