في مقدور النبوات تغيير هذا الواقع بين عشية وضحاها؛ بل كانت بحاجة إلى مواكبة هذا الواقع ردحاً من الزمن ـ (١).
ويحدّثنا القرآن الكريم عن هذا التوجّه مشيراً إلى يعقوب : عليهالسلام ( أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَ هَكَ وَإِلَ هَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَ هًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [ البقرة ].
‘( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [ آل عمران ].
وسجّل إبراهيم عليهالسلام مساهمة متقدّمة في تعميق الوعي التوحيدي ، والاعتقاد بالعدل الإلهي حتّى إنّ رسالته أصبحت أساس كلّ الأديان السماوية وملتقى دعوات التوحيد ، كما تجلّت في سيرته عليهالسلام روح التضحية في سبيل العقيدة حين تعرّض لمحاولة الإحراق فأنجاه الله ، وحين قدّم ابنه قرباناً لله عزّ وجلّ.
ويعتبر تأسيسه لفريضة الحجّ نقلة نوعية في التربية الحسّية للناس وارتباطهم بالدين ، فالحجّ فكرة جديدة في التاريخ ، توحي للناس بضرورة الاستجابة لله وتلبية نداء الدين ، ( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ) [ الحج ].
ومن التطوّرات التي حقّقتها نبوة إبراهيم عليهالسلام التقدّم المفاهيمي وما شهده الخطاب من تغيّر حول الجزاء ليركّز أكثر على الجزاء الأخروي ، وإن حافظ على إشارات للجزاء الدنيوي ، يقول سبحانه تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَ ذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) [ البقرة ].
__________________
١ ـ محمّد صادق الصدر ، اليوم الموعود ، ص ٤٥٣.