ولكن القرآن الكريم يوضّح : أنّ أغلب القوانين والسنن التاريخية هي على نحو القضايا الشرطية.
ثالثاً : الردّ الثالث الذي يمكن أن نسوقه أيضاً أنّ حرّية الإنسان واختياره كما ألمحنا هي سنّة من سنن الله وقوانينه ، وهي سنّة ناجزة لا يملك الإنسان إزاءها تبديلاً أو تحويلاً ، وهي تعبّر عن خصوصيات الأشياء ومقاديرها الوجودية ، فكما أنّ الخاصّية التكوينية للنار هي الإحراق ، والخاصّية التكوينية للماء السيلان ، كذلك من بين الخصائص النفسية التكوينية للإنسان : الاختيار.
فالإنسان شاء أم أبى مختار مريد يتحرّك نحو الأهداف حركة تكاملية اختيارية.
وهذا السرّ المستودع في فطرة الإنسان لم تستوعب الملائكة أبعاده ، فاعترضت على استخلافه لخطورة هذا الاختيار وهذه الحرّية ، فكونه غير مضطر تكوينياً للانصياع والطاعة المطلقة لله كما هو حالهم ، فكان الجواب الإلهي : ( اني اعلم ما لا تعلمون ) [ البقرة ]. فالحرّية والاختيار كما يمكن أن تسوق الإنسان للقتل والظلم وسفك الدماء ، يمكن أيضاً أن يرجح هذا لاختيار الخير والحقّ والعدل ، وسبق في علم الله أنّ هذه الإرادة الخيّرة هي التي ستنتصر في نهاية التاريخ.
أمّا الحديث عن التنافي بين مقولة سنن التاريخ والإيمان بالقائد العالمي المخلص الذي يتحقّق النصر على يديه ، فهو اشتباه آخر؛ لأنّ الإيمان بهذا القائد لا يلغي العناصر الأخرى المتحكّمة في حركة التاريخ كما حلّلناها في الفصل الثالث ، فمنظومة الفواعل المحرّكة للتاريخ متنوّعة تشمل الإنسان البطل والسنن والقوانين والغيب و ....
وبتعبير آخر : المهدي جزء من منظومة شرائط قيام هذا المجتمع العالمي ، وهذا يرجع إلى التخطيط الإلهي لنهاية التاريخ وقيام المجتمع العادل بإمامة الإمام المعصوم ، التخطيط الذي تدخّل على مسار الحركة الإنسانية لحفظ هذا القائد وإطالة عمره ، كما سيأتي توضيحه في الفصل الخامس : فلسفة الغيبة.
__________________
* راجع النماذج في الفصل السابق.