« ما يبكيك؟ » فقال : يا أمير المؤمنين ، إن أبي خرج مع هؤلاء في سفر للتجارة ، فرجعوا ولم يرجع أبي ، فسألتهم عنه فقالوا : مات ، وسألتهم عن ماله فقالوا : لم يخلف مالا ، فقدمتهم إلى شريح فلم يقض لي عليهم بشئ غير اليمين ، وأنا أعلم يا أمير المؤمنين ، أن أبي معه مال كثير.
فقال لهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « ارجعوا » فردهم معه ووقف على شريح فقال : « ما يقول هذا الفتى ، يا شريح؟ » فقال شريح : يا أمير المؤمنين ، ان هذا الفتى ادعى على هؤلاء القوم دعوى ، فسألته البينة فلم يحضر أحدا ، فاستحلفتهم ، فقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « هيهات يا شريح ، [ ليس ] (١) هكذا يحكم في هذا » قال شريح : فكيف احكم يا أمير المؤمنين فيه؟ قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « أنا أحكم فيه ، ولأحكمن اليوم فيه بحكم ما حكم به بعد داود النبي ( عليه السلام ) أحد » ثم جلس في مجلس القضاء ، ودعا بعبيد الله بن أبي رافع ـ وكان كاتبه ـ وأمره (٢) أن يحضر صحيفة ودواة ، ثم أمر بالقوم أن يفرقوا في نواحي المسجد ، ويجلس كل رجل منهم إلى سارية ، وأقام مع كل ( واحد منهم رجلا (٣) ، وأمر بأن تغطي رؤوسهم ، وقال لمن حوله : « إذا سمعتموني كبرت فكبروا » ثم دعا برجل منهم ، فكشف عن وجهه ونظر إليه وتأمله ، وقال : « أتظنون إني لا أعلم ما صنعتم بأبي هذا الفتى؟ أني إذا لجاهل » ثم أقبل عليه فسأله فقال : مات يا أمير المؤمنين ، فسأله كيف كان مرضه؟ وكم مرض؟ وأين مرض؟ وعن أسبابه في مرضه كلها؟ وحين احتضر ، ومن تولى تغميضه؟ ومن غسله؟ وما كفن فيه؟ ومن حمله؟ ومن صلى عليه؟ ومن دفنه؟ فلما فرغ من السؤال رفع صوته وقال : « الحبس الحبس » وكبر وكبر من كان معه ، فارتاب القوم ، ولم يشكوا أن صاحبهم قد أقر.
__________________
(١) أثبتناه من المصدر.
(٢) في المخطوط : « فأمر » وما أثبتناه من المصدر.
(٣) في المخطوط : « رجل واحدا » وما أثبتناه من المصدر.