الذئاب ، لا يُفاتون بوتر ، ولا يُسبقون إلى كريم ذكر ، قد وطّنوا على الموت أنفسهم ، وسمت بهم إلى العلياء هممهم ، كما قالت الأزدية :
قوم إذا شهدوا الهياج فلا |
|
ضربٌ ينهنههم ولا زجر |
وكأنّهم أساد غينةَ قد |
|
غرثت وبلّ متونها القطر |
فلتكوننّ منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك ، وكان أكبر همّك سلامة حشاشتك ، ولولا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم ، وبذلوا دونك مهجهم ، حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلوله الدمار ، رفعوا المصاحف مستجيرين بها ، وعائذين بعصمتها ، لكنت شلواً مطروحاً بالعراء ، تسفي عليك رياحها ، ويعتورك ذبابها ، وما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك ، ولا إزالتك عن معقود نيّتك ، لكن الرحم الّتي تعطف عليك ، والأواصر الّتي توجب صرف النصيحة إليك.
فقال معاوية : لله درّك يا بن عباس ، ما تكشف الأيام منك إلاّ عن سيف صقيل ورأي أصيل ، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم ، ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثّرهم. ثمّ نهض ، فقام ابن عباس وانصرف » (١).
فهذه المحاورة زماناً كانت في سنة ٤٢ أو ٤٣ حيث ورد ذكر زياد فيها وهذا أتى معاوية في سنة ٤٢ ، كما ورد ذكر عمرو بن العاص فيها وهذا مات ليلة الفطر ٤٣ ، فالمحاورة وقعت في تلك الفترة ما بين ٤٢ و ٤٣ ، ومكانها في الشام ، ولم يكن ابن عباس قد أتى معاوية بالشام قبل ذلك فيما أحسب ، لأنّ تاريخ الصلح كان في سنة ٤١ كما مرّ ، وابن عباس لم يحضر الصلح ولم يجر معه صلح
____________________
(١) شرح النهج لابن أبي الحديد ٦ / ٢٩٨ ـ ٣٠٣ ط دار إحياء الكتب العربية.