الْمُفْلِحُونَ ) (١) ولقد وقفك على ذكر مبين وآية متلوّة ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا ) (٢) وهل كان يسوغ له أن يحكّم في دماء المسلمين وفيء المؤمنين مَن ليس بمأمون عنده ، ولا بموثوق به في نفسه ، هيهات هيهات ، هو أعلم بفرض الله وسنّة رسوله ، أن يبطن خلاف ما يظهر إلاّ للتقية ، ولات حين تقية ، مع وضوح الحقّ ، وثبوت الجنان ، وكثرة الأنصار ، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله ، مؤثراً لطاعة ربّه والتقوى على آراء أهل الدنيا.
فقال يزيد : يا بن عباس إنك لتنطق بلسان طَلِق ، تنبئ عن مكنون قلب حَرِق ، فاطو ما أنت عليه كشحا ، فقد محا ضوءُ حقنا ظلمةَ باطلكم.
فقال ابن عباس : مهلاً يزيد ، فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدّرت بالعداوة عليكم ، ولا دنت بالمحبة لكم مذ نأت بالبغضاء عنكم ، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت بالأمس من أفعالكم ، وإن تدل الأيام نستقضي ما شُذّ عنا ، ونسترجع ما ابتُزّ منّا ، كيلاً بكيل ووزناً بوزن ، وإن تكن الأخرى فكفى بالله ولياً لنا ووكيلاً على المعتدين علينا.
فقال معاوية : إنّ في نفسي منكم لحزازات يا بني هاشم ، وإنّي لخليق أن أدرك فيكم الثأر ، وأنفي العار ، فإن دماءنا قِبلكم ، وظلامتنا فيكم.
فقال ابن عباس : إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسُداً مخدّره ، وأفاعي مطرّقة ، لا يفثؤها كثرة السلاح ، ولا تعضّها نكاية الجراح ، يضعون أسيافهم على عواتقهم ، يضربون قُدماً قُدماً من ناوأهم ، يهون عليهم نباح الكلاب ، وعواء
____________________
(١) المجادلة / ٢٢.
(٢) الكهف / ٥١.