إنّ للجاحظ رسالة في بني أمية مطبوعة وهي الرسالة الحادية عشرة : قال فيها ـ بعد استعراضه ما حدث للأمة منذ عهد الرسالة ـ : « إلى أن كان من اعتزال الحسن ( رضي الله عنه ) الحرب ، وتخليته الأمور عند انتشار أصحابه ، وما رأى من الخلل في عسكره ... فعندها استبد معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الّذي سموه ( عام الجماعة ) وما كان عام جماعة ، بل كان عام فرقة قهر وجبرية وغلبة ، والعام الّذي تحوّلت فيه الامامة ملكاً كسروياً ، والخلافة منصباً قيصرياً ، ولم يعُد ذلك أجمع الضِلال والفسق ، ثمّ ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا ، حتى ردّ قضية رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) رداً مكشوفاً ، وجحد حكمه جحداً ظاهراً في ولد الفراش وما يجب للعاهر مع اجماع الأمة على أنّ سميّة لم تكن لأبي سفيان فراشاً ، وانه إنما كان بها عاهراً ، فخرج بذلك من حكم الفجّار إلى حكم الكفار ، وليس قتل حجر بن عدي واطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع والاستئثار بالفيء واختيار الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة ، من جنس جحد الاحكام المنصوصة والشرائع المشهورة ، والسنن المنصوبة ، وسواء في باب ما يستحق من الكفّار جحد الكتاب وردّ السنّة إذا كانت السنّة في شهرة الكتاب وظهوره إلاّ انّ أحدهما أعظم ، وعقاب الآخرة عليها أشدّ ، فهذه أوّل كفرة كانت من الأمة ثمّ لم تكن إلاّ فيمن يدّعي إمامتها والخلافة عليها ، على أنّ كثيراً من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك إكفاره ، وقد أربت عليهم نابتة عصرنا ومبتدعة
____________________
(١) ممّا ألحق جديداً بالكتاب.