كان معاوية ـ بالرغم ممّا وصفوه به من دهاء ومكر سياسي ـ خلواً من العلم كما كان خلواً من الدين ، بل كان من الجاهلين حتى بأحكام الشريعة الّتي تسنّم باسمها حكومة المسلمين. فضلاً عن معرفة سائر فنون المعرفة. وحسبنا ما جرى بينه وبين سعد بن أبي وقاص بمكة المكرمة حين حج فطلب منه أن يطوف به لأنّه يجهل أحكام الطواف (١).
وما صلاته بالمدينة المنورة ، وقد أتم القراءة في فرض ثمّ نقص في الآخر ونقده الصحابة على ذلك إلاّ شاهداً مؤيداً لخلوه من العلم كما هو خلو من الدين.
وله مخالفات دينية صريحة في مسائل الشريعة أتى على بعضها السيوطي والسكتواري وغيرهما في كتبهم في الأوائل. وستأتي مسألة الوتر وغيرها في مرويات مفتريات على ابن عباس في فضل معاوية. ولم يجده من ضم معه من حثالات الرجال المتفيقهين ، من صحابة وآخرين تابعين ، حيث كانت تردُ عليه مسائل مستعصية ، لا يهتدون إلى جوابها سبيلا ، فكان يفزع ـ رغم أنفه ـ بأساليبه الملتوية لمعرفة جواب السائلين ، فيرسل إلى الكوفة أيام الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من يسأله ، وستأتي شواهد ذلك أمّا بعد أن استحوذ على حكومة المسلمين عام أربعين ، فقد ازدادت حراجته حيث احتل موقعاً ليس له فيه نصيب ، ولكنه بمكره وخداعه صار خليفة للمسلمين. فكانت ترد عليه من الأطراف مسائل يعيى بحلها فلا يعرف لها جواباً ، وليس في بطانته من يستنقذه من ورطته ليجيب عليها.
____________________
(١) روى ابن عساكر في تاريخه ( ترجمة الإمام ) ١ / ٢١٨ تح ـ المحمودي بسنده قال : لمّا حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص فقال : يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا ننسى بعض سننه ، فطف نطف بطوافك ...