فقدّمه الزبير وأجاره ودخل به المسجد ، فرآه حرب فقام إليه فلطمه ، فحمل عليه الزبير بالسيف ، فولى هارباً يعدو حتى دخل دار عبد المطلب ، فقال : أجرني من الزبير ، فأكفأ عليه جفنة كان هاشم يطعم فيها الناس ، فبقي تحتها ساعة ، ثمّ قال له : أخرج ، قال : وكيف أخرج وعلى الباب تسعة من بنيك قد احتبوا بسيوفهم ، فألقى عليه رداء كان كساه اياه سيف بن ذي يزن له طرتّان خضروان ، فخرج عليهم ، فعلموا أنّه قد أجاره عبد المطلب فتفرقوا عنه ».
فهذه المحاورة تجاوزت المفاخرة فيها إلى حدّ المنافرة ، لأنّه عند اختلال الموازين ترتفع حدة الخلاف ، وتتبدّل لغة الحوار من اللين إلى الشدّة ، وهذه كانت حال ابن عباس مع معاوية في جلّ محاوراته طيلة عشرين عاماً أيام حكمه فكان يبدؤها معاوية بما يستثير به ابن عباس من زخرف القول ، وباطل الإدّعاء ، فيكون جواب ابن عباس ولا مناص له دون ردّ السهم إلى مأتاه ، فيصيب به مرماه ، سواء في حضره أو سفره وفي صحته أو مرضه ، وعندما يعرف معاوية بغلبة ابن عباس عليه في الحوار يلجأ إلى استخدام لغة المصانعة ، الّتي سمّاها بالحلم أو التحلّم ، وإليك الحوار الآتي :
روى ابن عبد ربه ( ت ٣٢٨ ) في العقد الفريد قال : « أرسل معاوية إلى ابن عباس قال : يا أبا العباس إن أحببت خرجت مع ابن أخيك فيأنسَ بك ، ويقرّبك ، وتشير عليه برأيك ولا يدخل الناس بينك وبينه فيشغلوا كلّ واحد منكما عن صاحبه ، وأقلّ من ذكر حقك ، فإنه إن كان لك فقد تركته لمن هو أبعد منّا حُباً