جماعة المسلمين بحكم إسلامهم فاستنكروه ، إلاّ أنّ تفاوت الإستنكار على حسب درجات إيمانهم ، فمنهم المعلن ذلك لساناً في الملأ ، ومنهم مَن هو دونه حتى تصل النوبة إلى الانكار القلبي وهو أضعف الإيمان.
ومع ذلك لم يشأ معاوية أن يقطع شعرته الّتي هي مضرب المثل ، فكان يشدّ ويشتد إذا رأى الريح رُخاءً ، أمّا إذا رآها عاصفة فهو يلين وإذا اشتدت إعصاراً انحنى لها ، وهذا ما قرأناه في المحاورة السابقة وسنقرأ مثله قريباً وقد عرفنا زمانها.
وأمّا عن مكانها : فقد قال اليعقوبي في تاريخه : « وحج معاوية سنة ٤٤ وقدم معه من الشام بمنبر فوضعه عند البيت الحرام ، فكان أوّل من وضع المنبر في المسجد الحرام. ولمّا صار إلى المدينة أتاه جماعة من بني هاشم وكلّموه في أمورهم فقال : أما ترضون يا بني هاشم أن نقرّ عليكم دماءكم وقد قتلتم عثمان حتى تقولوا ما تقولون ، فوالله لأنتم أحلّ دماً من كذا وكذا ـ وأعظم القول ـ فقال له ابن عباس : كلما قلتَ لنا يا معاوية من شرٍ بين دفتيك ، وأنت والله أولى بذلك منا. أنتَ قتلتَ عثمان ثمّ قمتَ تغمص على الناس أنك تطلب بدمه.
فانكسر معاوية ، فقال ابن عباس : والله ما رأيتك صدقتُ إلاّ فزعتَ وانكسرتَ ، قال : فضحك معاوية وقال : والله ما أحبّ أنكم لم تكونوا كلمتموني » (١).
ولنقف هنا قليلاً ونتأمل في موقف ابن عباس من معاوية كيف لوى أخادعه حتى أبان انكساره للناس ، وأجهز عليه ابن عباس ليؤكد ذلك الإنكسار ،
____________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ / ١٩٨ ط الغري.