فلم ير معاوية بأساً من أن ينحني لذلك الإعصار الهادر بضحكة خادعة ومقالة خانعة. ولنقرأ بقية ما عند اليعقوبي في تاريخه :
قال : « ثمّ كلّمه الأنصار فأغلظ لهم في القول وقال لهم : ما فعلت نواضحكم قالوا أفنيناها يوم بدر لما قتلنا أخاك وجدك وخالك ، ولكنا نفعل ما أوصانا به رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ). قال : ما أوصاكم به ، قالوا : أوصانا بالصبر ، قال : فاصبروا ، ثمّ أدلج معاوية إلى الشام ولم يقض لهم حاجة ... اهـ » (١).
أرأيتم جبروتية الملك العضوض كيف شمخت بأنفها على الأنصار أوّلاً ولمّا واجهوها بالحقائق ازدادت عتواً ، ثمّ أدلجت إلى جحرها حيث طغام أهل الشام ، ولم يقض معاوية لهم حاجة. والّذي أستشفّه من ضمير ( لهم ) وإن كان ظاهراً في الأنصار لكنه يشمل الهاشميين والأنصار معاً ، لأنّ اليعقوبي لم يزل وهو في حديثه مسترسلاً يذكر بعض محدثات معاوية فيقول : وفي هذه السنة عمل معاوية المقصورة في المسجد ( الحرام ) وأخرج المنابر إلى المصلى في العيدين ، وخطب الخطبة قبل الصلاة ، وذلك إن الناس كانوا إذا صلوا انصرفوا لئلا يسمعوا لعن عليّ ( عليه السلام ) ، فقدّم معاوية الخطبة قبل الصلاة ، ووهب فدكاً لمروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم ).
فمن كان بهذه المثابة من التنمّر والحقد أتراه يقضي لبني هاشم حاجة ولا يقضي للأنصار حوائجهم وهم جميعاً عنده في خندق واحد ، وعلى شاكلة واحدة؟ لذلك رأيت أنّ الضمير في قول اليعقوبي ( ولم يقض معاوية لهم حاجة ) لا يبعد شموله لجميع بني هاشم والأنصار ، ويؤكد ما رأيت ما ذكره المقدسي في البدء والتاريخ فقد قال : « فلمّا حج معاوية جاءه الحسن
____________________
(١) نفس المصدر ٢ / ١٩٩.