ذلك عند معاوية. فلمّا رجع إلى منزله قال : يا غلام هات ثيابي فوالله لئن جلست لهذا المنافق ينعى الي أهلي واحداً واحدا إنّي اذن أحمق ، قال : فقال : عليّ بالمقطّعات فلبسها ، قال : ثمّ قال : عليّ بعمامة له اسمها الحوبية فلبسها ، وكان من أجمل الناس ، أمدّهم جسماً ، وأحسنهم شَعرا ، وأحسنهم وجها.
قال : ثمّ أتى مسجد دمشق فدخل ، فلمّا نظر إليه أهل الشام قالوا : من هذا؟ ما يشبه هذا إلاّ الملائكة ، ما رأينا مثل هذا. قالوا : هذا ابن عباس ، هذا ابن عم رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، فجلس إلى سارية وتقوّض إليه الخلق ، فما سئل عن شيء إلاّ أجابهم من تفسير كتاب الله ، ولا حلال ولا حرام ، ولا وقعة كانت في جاهلية ولا إسلام ، ولا شعر كان في جاهلية ولا إسلام إلاّ أجابهم به. قال : ومعاوية لا يشعر بشيء من هذا فانتبه ، فقال للآذن : أئذن لمن بالباب ، قال : أو بالباب أحد؟ قال : فأين الناس؟ قال : ذهبوا إلى ابن عباس. قال : هاه قد فعلوها! نحن والله أظلم منه وأقطع للرحم ، اذهب يا غلام فقل له أجب أمير المؤمنين ، فأتاه الرسول ، قال : فقال ابن عباس : انا بنو عبد مناف لا نقوم من عند جليسنا حتى يكون هو الّذي يقوم ، ولكن قد تقاربت الصلاة ، فإذا صلينا أتينا أمير المؤمنين.
قال : فأتاه الرسول فأخبره ، فقال : صدق دعه حتى يصلي.
قال : فلمّا صلّى جاء ابن عباس حتى دخل عليه ، فقال له معاوية : ما حاجتك يا بن عباس؟ قال : دينٌ عليّ قال : قد أداه الله عنك ، قال : وما استعين به على الزمان ، قال : وذلك لك ، أو بقيت لك حاجة؟ قال : لا ، قال : ادخل بيت المال فاحمل ما بدا لك ، قال : انا بنو عبد المطلب لا نأخذ من مال المسلمين إلاّ ما احتجنا إليه ، قال : عزمت عليك إلاّ ما فعلت. قال : فدخل ابن عباس بيت المال فتلفّت يميناً وشمالاً فرأى برنساً من خزّ أدكن ، فتدرّعه ثمّ خرج به ، قال : أخذت