السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي
المحقق: محمود البدري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-85-1
الصفحات: ٣٨٢
هلمّي إليَّ بابني يا أسماء.
قالت : فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن يوم ولادته وبكى رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال :
إنّه سيكون لك حديث ، اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك.
قالت أسماء : فلمّا كان يوم سابعه جاء النبي صلىاللهعليهوآله فقال : هلمي بابني فأتيته به ، ففعل به كما فعل بالحسن عليهالسلام وعقّ عنه كبشاً أملحاً ، وحلق رأسه ، وتصدّق بوزن الشعر ورقاً ، ثمّ وضعه في حجره ، وخلق رأسه بالخلوق ، ثم قال : يا أبا عبد الله عزّ عليَّ ثمّ بكى. (١)
أقول : كأنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله : ذكر حين خلق رأس الحسين عليهالسلام بالخلوق أنّ هذا الرأس يهدى إلى يزيد لحّاه الله على رمح طويل من العراق إلى الشام مع سبعة عشر رأساً من العترة الطاهرة ، تشرق أنوارها على أطراف الرماح كأنّها الأقمار الزاهرة ، وجسومهم منبوذة بالعراء ، لا مغسّلين ولا مكفّنين ، ولا مدفونين ، تصهرهم الشمس ، وبالعزيز عليك يا رسول الله أن يبقى سبطك وريحانتك عاري اللباس.
قطيع الرأس منخمـد الأنفا |
|
س في جندل كالجمر مضطرم |
ثوى ثلاث ليال بالعراء بلا |
|
غسل ولا كفـن لله من حكـم |
وكريمتك يا رسول الله تناديك بصوت حزين ، وقلب كئيب :
يا رسول الله ، يا جدّاه ، صلى الله عليك مليك السماء ، هذا حسينك بالعراء ،
__________________
١ ـ انظر : ذخائر العقبى : ١١٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٨٧ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ١٥٤ ، الخصائص الكبرى للسيوطي ٢ : ١٢٥.
تسفى عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا ، يا حزناه ، يا كرباه ، اليوم مات جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله ، يا أصحاب محمداه ، هذه ذرّية المصطفى ، يساقون سوق السبايا ، يا محمداه بناتك سبايا ، وذرّيّتك مقتّلة ، وهذا حسينك مقطوع الرأس من القفا.
نادت فقطعت القلوب بشجوها |
|
لكنما انتظـم البيـان فـريدا |
انسان عيني يا حسين اخيّ يا |
|
أملي وعقد جماني المنضودا |
[ المجلس الخامس عشر ]
روي عن الحسن سلام الله عليه ، قال : سألت خالي هند بن هالة وكان وصّافاً عن حُلية النبي صلىاللهعليهوآله فقال :
كان رسول الله صلىاللهعليهوآله فخماً مفخماً ، يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذّب ، عظيم الهامة ، رجل الشعر ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب ، بينهما عرق يدرّه الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من يتأمّله أشم ، كثّ اللحية ، سهل الخدّين ، أدعج العينين ، ظليع الفم أشنب ، مفلج الأسنان ، دقبق المسربة ، كنّ عنقه جيدُ دمية في صفاء الفضّة ، معتدل الخلق ، بادناً متماسكاً ، سواء البطن والصدر ، عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس أنور ، موصول ما بين الصدر والسرّة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن ممّا سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شئن الكفين القدمين (١) ، سائل الأطراف ، مسبح القدمين ، يخطو تكفئاً ، ويمشي هوينا ، سريع المشي إذا مشى كأنّما ينحط عن صبب ، وإذا التفت التفت جميعاً ، خافض الطرف ، نظره إلى الأرض ، يبدر من لقيه بالسلام ، وكان متواصل الأحزان ، دائم الفكرة ، لا يتكلّم في غير حاجة ، طويل السكوت ، يتكلّم بجوامع الكلم ، ليس بالجافي ولا المهين ، يعظم النعمة وأن دقتّ ، ولا يذمّ منها شيئاً ، ولا يذمّ ذواقاً ولا يمدحه ، ولا
__________________
١ ـ قال رحمهالله : شئن وشئل بمعنى يقال : شئلت أصابعه أي : خشنت وغلظت. وقدم شئلة : غليظة اللحم.
تغضبه الدنيا ، ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها ، إذا أشار أشار بكفّه كلّها ، وإذا تعجّب قلبها ، وإذا حدّث أشار بها فضرب براحته اليمنى باطن ابهامه السيرى ، وإذا غضب أعرض ، وإذا فرح غضّ من طرفه ، جلّ ضحكه التبسّم ، ويفتر عن مثل حب الغمام.
صلى الله عليك يا رسول الله ، وعلى فرخك وشبل سبطك علي بن الحسين الأكبر الشهيد بن الشهيد ، والمظلوم بن المظلوم ، أشبه الناس بك خلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، ولقد يعزّ عليك حين برز إلى ثلاثين ألفاً وهو ابن تسع عشر سنة فرفع الحسين سبابته إلى السماء وقال :
اللهم أشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إلى وجهه.
اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فانّهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا يقاتلوننا.
ثم صاح عليهالسلام : يا بن سعد ، ما لك؟ قطع الله رحمك ، ولا بارك لك في أمرك ، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلىاللهعليهوآله.
ثم رفع صوته وتلى : « إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ذرّيّة بعضها من بعض والله سميع عليم » (١).
ثم حمل علي بن الحسين على القوم وهو يقول :
__________________
١ ـ سورة آل عمران : ٣٣.
أنا علي بـن الحسيـن بن علي |
|
من عصبة جدّ أبيهـم النبي |
والله لا يحكـم فينـا ابن الدعي |
|
أطعنكم بالرمح حتـى ينثني |
أضربكم بالسيف أحمي عن أبي |
|
ضرب غلام هاشمي علوي |
ولم يزل يقاتل حتى ضجّ الناس من كثرة من قتل منهم ، ثم رجع إلى ابيه وقد أصابته جراحات كثيرة ، فقال :
يا أباه العطش قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل أتقوّى بها على الأعداء؟
وبكى الحسين عليهالسلام وقال : يا بني ، يعزّ على محمد وعلي وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يا بني هات لسانك فأخذه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه وقال : امسكه في فيك وارجع إلى قتال عدوك ، فانّي أرجو أنك لا ترجع حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.
فرجع علي بن الحسين عليهالسلام إلى موضع النزال ، وقاتل أعظم القتال وهو يقول :
الحرب قد بانت لها الحقائق |
|
وظهرت من بعدها مصادق |
والله ربّ العرش لا تفـارق |
|
جموعكم أو تغمد البـوارق |
فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثمّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء ، فقطّعوه بسيوفهم إرباً إرباً ، فلمّا بلغت روحه التراقي قال رافعاً صوته :
يا أبتاه هذا جدّي قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول لك : العجل العجل فان لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة.
فصاح الحسين عليهالسلام : قتل الله قوماً قتلوك يا بني ، ما أجرأهم على الرحمن وعلى رسوله صلىاللهعليهوآله ، على الدنيا بعدك العفا.
كنت السـواد لناظري |
|
فعليك يبكي الناظر |
من شاء بعدك فليمت |
|
فعليك كنت اُحاذر |
قال حميد بن مسلم : فكأنّي انظر إلى امرأة خرجت مسرعة تنادي بالويل والثبور وتقول :
يا حبيباه ، ويا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه.
فسألت عنها فقيل لي : هي زينب بنت علي عليها وعلى أبيها السلام ، وجاءت وانكبّت عليه ، فجاء الحسين عليهالسلام وأخذها بيدها فردّها إلى الفسطاط وأقبل بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه ، فجاءوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه.
يا كوكباً ما كان أقصر عمره |
|
وكذاك عمر كواكب الأسحار |
جاورت أعدائي وجاور ربّه |
|
شتّان بيـن جواره وجواري (١) |
__________________
١ ـ من قصيدة لابن الفارض ينعى فيها ولده.
[ المجلس السادس عشر ]
لمّا قدم النبي صلىاللهعليهوآله إلى المدينة تعلّق الناس بزمام الناقة فقال : دعوها فانّها مأمورة فعلى باب من بركت فأنا عنده.
فأطلقوا زمامها وهي تهفّ في السير ، فبركت على باب أبي أيّوب خالد بن زيد الأنصاري (١) رضى الله تعالى عنه ، ولم يكن في المدينة أفقر منه ، فانقطعت قلوب الناس حسرة على مفارقة النبي صلىاللهعليهوآله ، ونادى أبو أيوب :
يا اُمّاه افتحي الباب ، فقد قدم سيّد البشر ، وأكرم ربيعة ومضر ، ففتحت الباب وقالت :
واحسرتاه ، ليت لي عيناً أبصر بها وجه سيّدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وكانت عمياء ، فكان أوّل معجزة للنبي صلىاللهعليهوآله أنّه صلىاللهعليهوآله وضع كفّه الشريفة على وجه اُمّ أيّوب فانفتحت عيناها. (٢)
__________________
١ ـ هو خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد عَوف النجار ، أبو أيوب الأنصاري ، معروف باسمه وكنيته ، من السابقين ، شهد العقبة وبدراً وما بعدها ، ونزل عليه النبي صلىاللهعليهوآله لمّا قدم المدينة ، استخلفه الإمام علي عليهالسلام على المدينة لمّا خرج إلى العراق ، ثمّ لحق به وشهد معه قتال الخوارج.
وروي عن سعيد بن المسيب أنّ أبا أيوب أخذ من لحية رسول الله صلىاللهعليهوآله شيئاً ، فقال له : « لا يُصيبك السوء يا أبا أيّوب ».
انظر : الإصابة ٢ : ١٩٩ ـ ٢٠١ ترجمة رقم « ٢١٦٨ » ، تجريد أسماء الصحابة ١ : ١٥٠ ، تقريب التهذيب ١ : ٢١٣.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ١٣٣ ، بحار الأنوار ١٩ : ١٢١ ح ٧.
وروي بسند معتبر أنّ أبا أيّوب أتى بشاة إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله في عرس فاطمة عليهاالسلام فنهاه جبرئيل عن ذبحها ، فشقّ ذلك على أبي أيّوب ، ثمّ أمر بذبحها ، فذبحها ابن جبير الأنصاري بعد يومين ، فلمّا طبخت أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن لا تأكلوا الابسم الله ، ثم قال صلىاللهعليهوآله انّ أبا أيّوب رجل فقير ، إلهي أنت خلقتها وأنت أمتّها ، وانّك قادر على إعادتها فاحيها يا حي لا إله إلا أنت ، فأحياها الله تعالى ، وجعل فيها بركة لأبي أيّوب ، وشفاء المرضى في لبنها ، وسمّاها أهل المدينة : المبعوثة. (١)
وفيها قال عبد الرحمن بن عوف :
ألم يبصروا شاة ابن زيد وحالها |
|
وفي أمرها للطـالبين مزيد |
وقد ذبحـت ثـم استحر أهابها |
|
وفصلها فيمـا هنـاك يزيد |
فأرجعها ذو العـرش والله قادر |
|
فعادت بحال ما يشاء يعود (٢) |
وفي خبر عن سلمان رضي الله عنه : أنّه صلىاللهعليهوآله لمّا نزل دار أبى أيّوب لم يكن له سوى جدي وصاع من شعير ، فذبح له الجدي وشواه ، وطحن الشعير وعجنه وخبزه وقدّمه بين يدي النبي صلىاللهعليهوآله ، فأمر صلىاللهعليهوآله بأن ينادي : من أراد الزاد فليأت إلى دار أبي أيّوب ، فجعل أبو أيّوب ينادي والناس يهرعون إلى داره حتى امتلأت الدار ، فأكل الناس بأجمعهم والطعام باقٍ ، فضجّ الناس بالشهادتين. (٣)
وعن علي بن إبراهيم : ما زال أبو كرز الخزاعي يقفو أثر النبي صلى الله
__________________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ١٣١.
٢ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ١٣١.
٣ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ١٣١ ـ ١٣٢.
عليه وآله يوم خروجه إلى الغار حتى وقف على بابه وقال :
هذه قدم محمد ، وهذه قدم ابن أبي قحافة ما جاوزا هذا المكان.
وجاء فارس من الملائكة في صورة الانس فوقف على باب الغار وهو يقول : اطلبوه في هذه الشعاب فليس ها هنا.
وتبعه القوم وكانوا دهاة العرب ، وأمر الله شجرة فنبتت في وجه الغار ، وأمر العنكبوت فنسجت ، وأمر حمامتين بفم الغار.
ولما قربوا منه تقدم بعضهم لينظر ، ثمّ رجع فقال : رأيت حمامتين بفم الغار فعلمت أنّه ليس فيه أحد. (١)
[ وفي نهج البلاغة (٢) من كلام أمير المؤمنين عليهالسلام في الخطبة القاصعة أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قال :
أيتها الشجرة إن كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي ، فوالذي بعثه بالحقّ لانقلعت بعروقها ، وجاءت ولها دويّ شديد ، وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله مرفرفة ، وألقت بغصنها الأعلى على رسول الله صلىاللهعليهوآله وببعض أغصانها على منكبه ، وكنت على يمينه ، فلمّا نظر القوم إلى ذلك قالوا علوّاً واستكباراً : فمرها فليأتك نصفها.
فأمرها بذلك ، فأقبل إليه نصفها كأعجب اقبال وأشدّه دويّاً ، وكادت تلتف برسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقالوا كفراً وعلواً :
__________________
١ ـ مناقب آل أبي طالب ١ : ١٢٧ ـ ١٢٨.
٢ ـ نهج البلاغة ، الخطبة ١٩٢ ( القاصعة ) : ٢٨٥ ، مناقب آل أبي طالب ١ : ١٢٩.
فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه ، فأمره فرجع.
لحا الله أهل العناد ، كم رأوا من رسول الله صلىاللهعليهوآله أمثال ذلك ، فلم يقلعوا عن عنادهم ، وكم له عليهم من نعمة جعلوا جزاءها قتل ذرّيّته ، ـ وسبي عترته ، ولقد وقف الحسين عليهالسلام متّكئاً على سيفه ، ووعظهم فلم يتّعظوا ، وذكّرهم فضل جدّه وأبيه عليهماالسلام فلم يذّكّروا ، فكان من جملة كلامه يومئذ :
أنشدكم الله ، هل تعلمون أنّ جدّي رسول الله صلىاللهعليهوآله؟
قالوا : اللهم نعم.
قال : أنشدكم [ الله ] هل تعلمون أنّ أبي علي بن أبي طالب عليهالسلام؟
قالوا : اللهم نعم.
قال : أنشدكم الله هل تعلمون أنّ اُمّي فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى؟
قالوا : اللهم نعم.
الى أن قال : أنشدكم الله هل تعلمون أنّ هذا سيف رسول الله صلىاللهعليهوآله أنا متقلّده؟
قالوا : اللهم نعم.
قال : انشدكم الله هل تعلمون انّ هذه عمامة رسول الله صلىاللهعليهوآله أنا لابسها؟
قالوا : اللهم نعم.
قال : فبم تستحلّون دمي وأبي الذائد عن الحوض ، ولواء الحمد بين يديّ يوم القيامة؟
قالوا : قد علمنا ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً.
فلمّا سمع بناته وأخواته ذلك بكين وندبن ولطمن وارتفعت أصواتهن ، فوجّه إليهنّ أخاه العبّاس وابنه عليّاً وقال : سكتاهنّ فلعمري ليكثر بكاؤهن.
ولمّا رأى الحسين عليهالسلام حرص القوم على القتال قال لأخيه العباس : إن استطعت يا أخي أن تصرفهم عنّا هذه الليلة فلعلّنا نصلّي لربّنا فانّه يعلم أنّي أحبّ الصلاة له ، وتلاوة كتابه.
فسألهم العباس ذلك فتوقّف ابن سعد.
فقال له ابن الحجاج : والله لو أنهم من الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد صلىاللهعليهوآله ، فأجابوهم إلى ذلك.
وجلس الحسين عليهالسلام فخفق برأسه ثم استيقظ ، فقال : يا اُختاه انّي رأيت الساعة جدّي وأبي وأخي وهم يقولون :
يا حسين إنك رائح إلينا عن قريب ، فلطمت زينب وجهها وبكت وصاحت :
واثكلاه يا جداه يا رسول الله ، وا أخاه وا حسيناه ، أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير واُغمي عليها.
فقال لها الحسين عليهالسلام : مهلا لا تشمت القوم.
وبات الحسين عليهالسلام في تلك الليلة وأصحابه ولهم دويّ كدويّ النحل ما بين قائم وقاعد وراكع وساجد.
سمة العبيـد من الخشوع عليهم |
|
لله إن ضمّتهـم الأسحـار |
وإذا ترجّلت الضحى شهدت لهم |
|
بيض القواضب أنّهم أحرار |
[ المجلس السابع عشر ]
عن أنس بن مالك قال : كان إذا فقد رسول الله صلىاللهعليهوآله الرجل سأل عنه ، فإن كان غائباً دعا له ، وإن كان شاهداً زاره ، وإن كان مريضاً عاده. (١)
وعن جابر بن عبد الله الانصاري (٢) ، قال : بينا أنا مع رسول الله صلىاللهعليهوآله في بعض غزواته إذ أعيا ناضحي تحت الليل ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله في اخريات الناس يلاحظ الضعيف فانتهى إليَّ وأنا أقول :
يا لهف اُمّاه ما زال الناضح بسوء.
فقال : من هذا؟
فقلت : أنا جابر بأبي واُمّي يا رسول الله.
قال : ما شانك؟
قلت : أعيا ناضحي.
فقال : أمعك عصا؟
قلت : نعم.
فضربه صلىاللهعليهوآله ثمّ بعثه ، ثمّ أناخه ، ووطئ على ذراعه ، وقال : اركب ، فركبت وسايرته فجعل جملي يسبق جمله ، فاستغفر لي تلك الليلة
__________________
١ ـ مكارم الأخلاق ١ : ٥٥ ح ٣٤ ، بحار الأنوار ١٦ : ٣٣٣.
٢ ـ جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الخزرجي الأنصاري السلمي ، المتوفّى سنة ٧٨ هـ ، صحابي ، روى عن النبي صلىاللهعليهوآله الكثير ، وروى عنه جماعة من الصحابة ، غزا تسع عشرة غزوة ، كانت له في أواخر أيّامه حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم.
انظر : رجال الشيخ : ٧٢ ، الأعلام ١ : ٢١٣ ، تهذيب الأسماء ١ : ١٤٢.
خمساً وعشرين مرّة.
فقال لي : ما ترك عبد الله من الولد ـ يعني أباه ـ؟
قلت : سبع نسوة.
قال : أبوك عليه دين؟
قلت : نعم.
قال : فإذا قدمت المدينة وحضر جذاذ النخل فآذني ، هل تزوّجت؟
قلت : نعم.
قال : بمَن؟
قلت : بفلانة ابنة فلان بأيم (١) كانت بالمدينة.
فقال : يا جابر ، هلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟
قلت : يا رسول الله كن عندي نسوة خرق ـ يعني أخواته ـ فكرهت آتيهن بامرأة خرقاء ، فقلت : هذه أجمع لأمري.
قال صلىاللهعليهوآله : أصبت ورشدت.
بكم اشتريت جملك؟
قلت : بكذا وكذا ـ بخمس أواق من ذهب ـ.
قال : بعينه ولك ظهره إلى المدينة.
فلمّا قدم المدينة أتيته بالجمل ، فقال : يا بلال اعطه خمس أواق ثمنه وزده ثلاثاً وردّ عليه جمله.
قال جابر : فلمّا حضر جذاذ النخل أعلمت رسول الله صلىاللهعليهوآله فجاء فدعا لنا فجذذنا ، فاستوفى كلّ غريم ما كان يطلب تمراً ، وبقي لنا مثل ما كنا نجذ وأكثر.
__________________
١ ـ أيم وزان كيس ، المرأة التي لا زوج لها ، وهي مع ذلك لا يرغب أحد في تزويجها.
فقال صلىاللهعليهوآله : ارفعوا ولا تكيلوا ، فرفعناه وأكلنا منه زماناً. (١)
وفي الصواعق المحرقة لابن حجر (٢) : أنّ جابراً عبد الله الأنصاري قال للإمام الباقر عليهالسلام وهو صغير : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله يسلم عليك.
فقيل له : وكيف ذلك؟
قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يقبّله فقال :
يا جابر يولد للحسين مولود اسمه علي ، وإذا كان يوم القيامة ينادي منادٍ : ليقم زين العابدين ، فيقوم علي بن الحسين عليهماالسلام ، ثمّ يولد لعلي ولد اسمه محمّد عليهالسلام فإذا أدركته يا جابر فاقرأه منّي السلام.
وكان جابر هذا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوآله وأمير المؤمين والحسن والحسين ، وأدرك الامام محمد الباقر عليهمالسلام ولم يشهد وقعة الطف لكونه إذ ذاك مكفوفاً ، لكنّه أوّل من زار الحسين عليهالسلام.
قال السيد : ولمّا رجع نساء الحسين عليهالسلام وعياله من الشام وبلغوا العراق قالوا للدليل : مرّ بنا على طريق كربلاء ، فوجدوا جابراً بن عبد الله الأنصاري رحمهالله وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول صلىاللهعليهوآله ، فتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم المقرحة للأكباد ، واجتمع إليهم نساء ذلك السواد. (٣)
قال ابن جناب الكلبي (٤) : حدّثنا الجصّاصون ، قالوا : كنّا نسمع الجن
__________________
١ ـ الأنوار في شمائل النبي المختار ١ : ٣١٣ ح ٤١٠ ، مكارم الأخلاق ١ : ٥٥ ح ٣٥.
٢ ـ الصواعق المحرقة : ٢٠١.
٣ ـ مقتل الحسين لأبي مخنف : ٢٢١.
٤ ـ في الأصل : أبي حباب الكلبي ، وما أثبتناه هو الصحيح ، وهو يحيى بن أبي حيّة الكلبي الكوفي ، حدّث عن أبيه والشعبي وغيرهم ، انظر « الإكمال ٢ : ١٣٤ ».
ينوحون عليه فيقولون :
مسـح النبـيّ جبينه |
|
فله بريق فـي الخـدودِ |
أبواه من عَليا قريـ |
|
ـش وجدّه خير الجدودِ (١) |
ثم انفصلوا من كربلاء ، فلمّا قربوا من المدينة ، قال الإمام زين العابدين :
يا بشر رحم الله أباك ، لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه؟
فقال : بلى يا بن رسول الله.
فقال : ادخل المدينة وانع أبا عبد الله عليهالسلام.
قال بشر : فركبت فرسي ، فلمّا بلغت المسجد رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها |
|
قتل الحسين فأدمعي مدرارُ |
الجسم منه بكربلاء مضرّج |
|
والرأس منه على القناة يدارُ |
ثمّ قلت : هذا عليّ بن الحسين مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ، ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم [ اُعرفكم مكانه ].
قال : فما بقيت بالمدينة مخدّرة ولا محجّبة الا برزن من خدورهنّ ، مخمّشات وجوههنّ ، ضاربات خدودهنّ ، يدعونّ بالويل والثبور ، فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ، ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه ، وسمعت جارية تنوح على الحسين وتقول :
__________________
١ ـ وقد نسب البيهقي في ( المحاسن والمساوئ ١ : ٤٩ ) هذه الأبيات الى الشاعر كعب بن زهير ، والظاهر انّه كعب بن زهير الصحابي ، ولم أجد الأبيات المنسوبة إليه في غير هذا الكتاب ، فإن صحّت هذه النسبة ، فهي ممّا كتمت في أيّام الأمويّين والعباسيّين.
نعـى سيـدي نـاع نعـاه فـأوجعا |
|
وأمرضنـي نـاع نعـاه فأوجعا |
فعينـيّ جـودا بالـدمـوع واسكـبا |
|
وجودا بدم بعد دمعـكـمـا معا |
على من وهي عرش الجليل فزعزعا |
|
فأصبح هذا المجد والـدين أجدعا |
على ابـن نبـيّ الله وابـن صفيـّه |
|
وإن كان عنّا شاحط الدار أشسعا (١) |
قال بشر : فضربت فرسي ورجعت ، فوجدت الناس قد أخذوا الطرق والمواضع فقربت من باب الفسطاط ، وكان زين العابدين عليهالسلام داخلاً فخرج ومعه خرقة يمسح فيها دموعه ، وخلفه خادم ومعه كرسي فوضعها له فجلس عليها وهو لا يتمالك من البكاء ، وارتفعت أصوات الناس ، وضجّت النساء بالحنين والصراخ ، فضجّت تلك البقعة ضجّة شديدة.
ثم خطب الناس خطبة لم يسمع أبلغ منها ، ثم رحل إلى المدينة ، فنظر إلى تلك المنازل تنوح بلسان حالها ، وتبكي لفقد حماتها ورجالها ، وتهيج أحزانه على مصارع قتلاه ، وتنادي لأجلهم : وا ثكلاه ، وا ذلاّه.
مدارس آيات خلت من تلاوةٍ |
|
ومنزل وحي مقفر العرصاتِ |
ما ذنب أهل البـيـت حتـى |
|
منـهـم أخـلـوا ربـوعـه |
تـركـوهـم شتـّى مصـا |
|
رعهم وأجمـعـا فظـيعـة |
__________________
١ ـ زينة المجالس : ٥٣٤.
[ المجلس الثامن عشر ]
كانت وقعة بدر التي أظهر الله بها الدين ، وكسر فيها سورة المشركين ، صبيحة الجمعة لسبعة عشر ليلة خلت من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، وكان خروج النبي صلىاللهعليهوآله من المدينة المنوّرة ثالث الشهر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ، منهم سبعة وسبعون من المهاجرين ، والباقون من الأنصار ، ولم يكن معهم إلا فرسان ؛ أحدهما للمقداد ، وكانت الأبل سبعة عشر يتعاقبون عليها.
وأقبلت قريش بخيلائها وحيلها ، وكانوا تسعمائة وخمسين رجلاً ؛ وقيل : كانوا ألفاً ومعهم مائة فرس وسبعمائة بعير.
وعبّأ رسول الله صلىاللهعليهوآله أصحابه ، وكانت رأيته بيد أمير المؤمنين عليهالسلام ، وتقارب الفيلقان ، فبرز من المشركين عتبة بن ربيعة ، وأخوه شيبة ، وابنه الوليد ، وكانوا عظماء قريش ، فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله عليّاً بالبروز إليهم ، وأرسل معه عمّه الحمزة ، وعبيدة بن الحرث.
فشدّ أمير المؤمنين عليهالسلام على الوليد فقتله ، وشد الحمزة على عتبة فقتله ، وبارز عبيدة شيبة فاختلف بينهما ضربتان قطعت ضربة شيبة فخذ عبيدة رحمهالله تعالى ، فكرّ أمير المؤمنين وحمزة على شيبة فقتلاه ، فكان قتل هؤلاء الثلاثة أوّل وهن لحق المشركين وذلّ دخل عليهم.
ثمّ بارز أمير المؤمنين عليهالسلام العاص بن سعيد بن العاص ـ بعد أن
أحجم عنه سواه ـ فقتله ، وبرز إليه حنظلة بن أبي سفيان فقتله ، وبرز إليه طعيمة ابن عدي ـ وكان من رؤوس الضلال ـ فقتله ، وقتل بعده نوفل بن خويلد ، وكان من شياطين قريش ، وكانت قريش تقدّمه وتعظّمه ، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة وعذّبهما يوماً إلى الليل ، وبرز زمعة بن بن زمعة كانا من أشدّ المشركين وطأة على المسلمين فقتلهما ، وقتل بعدهما عمير بن عثمان ابن كعب بن تيم ، وهو عمّ طلحة بن عبيد الله ، وبرز بعد عمير أخيه ، وهما عثمان ومالك ابنا عبيد الله وكانا أخوي طلحة فقتلهما أمير المؤمنين عليهالسلام.
وصمد إلى صناديد قريش يقتل كلّ من برز إليه ، حتى أتى على نصف المقتولين من المشركين ، وكانوا سبعين رجلاً ، تولّى جميع من حضر بدراً من المسلمين مع ثلاث آلاف من الملائكة المسوّمين قتل النصف منهم ، وتولّى أمير المؤمنين قتل النصف الآخر وحده بمعونة الله عزّ وجل وكان الفتح على يده.
وختم الأمر بكفّ من تراب تناوله النبي صلىاللهعليهوآله فرمى به وجوه المشركين قائلاً : شاهت الوجوه.
فلم يبق أحد منهم الا ولّى منهزماً ، ونصر الله عبده ، وأنجز وعده ، فغنم المسلمون أموال المشركون ، وأسروا سبعين من رجالهم ، فكان العبّاس ممّن اُسر يومئذ وجيء به مكتوفاً ، فبات رسول الله صلىاللهعليهوآله تلك الليلة ساهراً ، فقال له أصحابه :
يا رسول الله ، ما لك لا تنام؟
فقال : سمعت تضوّر العباس في وثاقه فمنعني من النوم.
فقاموا إليه فأطلقوه ، فنام رسول الله صلىاللهعليهوآله.
بأبي أنت واُمّي يا نبي الرحمة ، أخذك الأرق ، واعتراك القلق ، بوثاق عمّك وقد كان مع المحاربين لك ، على أنّه لم يكن عليلاً ولا ظمآناً ، ولا أضرّه الوثاق ، ولا كان مفجوعاً بأبيه ، ولا مرزوءاً بجمع أهليه ، ولا كان رأس أبيه في أعلى السنان ، ولا طافوا به وبنسائه سبايا في البلدان ، فكيف بك يا رسول الله لو رأيت مريضك العليل والجامعة في عنقه ، والغل في يديه ، والقيد في ساقيه ، وليتك تراهم وقد اجتمعوا عليه يريدون قتله ، فقلبوه عن نطع مسجّى عليه ، وتركوه على الرمضاء ، وحرارة الشمس ، وحرّ المصيبة ، وألم السقم ، يرى خياماً منهوبة ، ونساءً مسلوبة ، ورؤوساً على الرماح مرفوعة ، وجثثاً تحت سنابك الخيل مرضوضة ، يعزّ عليك يا نبي الله إذ ساقوا ثقلك وحرائرك حتى أدخلوهم على يزيد بن معاوية لعنهما الله وهم مقرونون بالحبال ، فلمّا وقفوا بين يديه قال له سبطك علي بن الحسين عليهماالسلام :
أنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله صلىاللهعليهوآله لو رآنا على هذه الصفة؟
فأمر اللعين بالحبال فقطعت ، ثم وضع رأس ريحانتك بين يديه ، وأجلس النساء خلفه لئلا ينظرون إليه ، فرأته اُمّ المصائب عليهاالسلام فأهوت إلى جيبها فشقّته ، ثمّ نادت بصوت حزين يقرح القلوب :
يا حسيناه ، يا حبيب رسول الله ، يا بن مكّة ومنى ، يا بن فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين ، يا بنت المصطفى ، فأبكت والله كلّ من كان حاضراً.
يا ليت عين المصطفى نظرت إلى |
|
اُمّ المصائب حولهـا أيتـامها |
ما بين نائحـة وصـارخة غدت |
|
ترثي كما يرثي الفراخ حمامها |
لهفي لهاتيك الحـرائـر أصبحت |
|
يقتـاد قسـراً للئيـم زمامهـا |
[ المجلس التاسع عشر ]
خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله إلى اُحد يوم الجمعة في شوال سنة ثلاث من الهجرة في ألف مقاتل ، فرجع منهم قبل الوصول إلى اُحد ثلاثمائة من المنافقين ، وبقي سبعمائة ، فيهم مائة دارع ، ولم يكن معهم إلا فرسان ، وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة دارع ، ومعهم مائة فرس ، وثلاثة آلاف جمل وخمسة عشر امرأة ، وقائدهم أبو سفيان ، خرج لحرب الله ومعه ولده معاوية وزوجته هند ، وخرج عمرو بن العاص بزوجته ريطة بنت منبّه ، والتقوا يوم السبت ، وعلى ميمنة المشركين خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل.
ونزل رسول الله صلىاللهعليهوآله الشعب من اُحد وتركه خلفه ، وجعل الرماة وهم خمسون وراءه ، ليحموا ظهور المسلمين ، وأمرهم أن لا يفارقوا مراكزهم على كلّ حال.
وأعطى رأيته عليّاً عليهالسلام ، وسأل عن لواء المشركين فقيل : مع بني عبد الدار ، فأعطى لواءه مصعب بن عمير لأنّه منهم.
فلمّا استشهد أخذ علي بن أبي طالب عليهالسلام في يده الراية واللواء جميعاً ، وحمى الوطيس ، فشدّ أمير المؤمنين على صاحب اللواء وهو طلحة بن أبي طلحة وكان أشجع القوم ، ويعرف بكبش الكتيبة ، فضربه على رأسه ضربة بدرت بها عيناه ، فصاح صيحة منكرة واسقط اللواء ، فكبّر رسول الله صلىاللهعليهوآله تكبيراً عالياً ، وكبّر المسلمون بأجمعهم ، وتضعضع عسكر الشرك