المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


المحقق: محمود البدري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-85-1
الصفحات: ٣٨٢

انّكم تسمعون من نوح الجنّ؟ فقال : ما تلقى أحداً (١) الا أخبرك أنّه سمع ذلك. قلت : فأخبرني بما سمعت أنت؟

قال : سمعتهم يقولون :

مسح الرسول جبينه

فله بريق في الخـدود

أبواه من عَليا قريـ

ـش وجدّه خير الجدود (٢)

وأخرج أبو نعيم الحافظ ( في كتـاب دلائل النبوة ) عن نضرة الأزدية قالت : لمّا قتل الحسيـن بن علي أمطرت السماء دماً ، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملـوءة دماً. (٣)

قال ابن حجر ـ بعد إيراده في الصواعق ـ : وكذا روي في أحاديث غير هذه. (٤)

قال : وممّا ظهر يوم قتله من الآيات أيضا : انّ السماء إسودّت إسوداداً عظيماً حتى رؤيت النجوم نهاراً.

__________________

حدّث عن أبيه والشعبي وأبي اسحاق السبيعي وغيرهم ، روى عن عبد الرحمن المحاربي وغيره. انظر : لسان الميزان ٦ : ٧٨٩ ، الإكمال ٢ : ١٣٤.

١ ـ في المصدر : ما تلقى حرّا ولا عبداً.

٢ ـ مجالس ثعلب ٢ : ٣٣٩ ، تاريخ الخلفاء : ٨١ ، الملهوف : ٢٢٦.

أقول : وقد نسب البيهقي في ( المحاسن والمساوئ ١ : ٤٩ ) هذه الأبيات إلى الشاعر كعب بن زهير ، والظاهر انّه كعب بن زهير الصحابي ، ولم أجد الأبيات المنسوبة إليه في غير هذا الكتاب ، فإن صحّت هذه النسبة ، فهي ممّا كتمت في أيام الامويّين والعباسيّين.

٣ ـ دلائل النبوة ٢ : ٥٥٣ ، المناقب لابن شهراشوب ٤ : ٥٤ ، العوالم ١٧ : ٤٦٦ ح ١ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٢١٥ ح ٣٨ ..

٤ ـ الصواعق المحرقة : ١٩٤.

٨١

قال : ولم يرفع حجر الاوجد تحته دم عبيط. (١)

وأخرج أبو الشيخ ـ كما في الصواعق أيضاً ـ : انّ السماء احمرّت لقتله عليه‌السلام وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار وظنّ الناس انّ القيامة قد قامت.

قال : ولم يرفع حجر في الشام (٢) الا رؤي تحته دم عبيط.

وأخرج عثمان بن أبي شيبة ـ كما في الصواعق وغيرها ـ انّ الشمس مكثت بعد قتله عليه‌السلام سبعة ايّام ترى على الحيطان كأنّها ملاحف معصفرة (٣) من شدّة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضاً. (٤)

قال في الصواعق : ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين : انّ الدنيا أظلمت ثلاثة أيّام ثم ظهرت الحمرة في السماء. (٥)

قال : وقال أبو سعيد : ما رفع حجر من الدنيا الا وتحته دم الثياب حتى

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة : ١١٦ و ١٩٢ ، تذكرة الخواص : ٢٨٤ ، نظم درر السمطين : ٢٢٠ ، كفاية الطالب : ٢٩٥ ، الإتحاف بحبّ الأشراف : ١٢.

٢ ـ الشام ـ بالهمزة ـ ويجوز أن لا يهمز ، فيكون جمع شامة ، سمّيت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبّهت بالشامات ، حدّها من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية ، وعرضها من جَبَلَي طي من نحو القبلة إلى بحر الروم ، وبها من امّهات المدن حلب ، ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدّس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس.

انظر : معجم البلدان ٣ : ٣١١ ـ ٣١٥.

٣ ـ المعصفرة : التي اصطبغت باللون الأصفر. « المنجد في اللغة : ٥٠٩ ».

٤ ـ المعجم الكبير : ١٤٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٧٩ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٢١٠ ، تاريخ الخلفاء : ٨٠ ، إحقاق الحق ١١ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦.

٥ ـ الصواعق المحرقة : ١١٦ و ١٩٢ ، تذكرة الخواص : ٢٨٤ ، تاريخ الاسلام ٢ : ٣٤٩.

٨٢

تقطّعت.

قال : وأخرج الثعلبي : انّ السماء بكت وبكاؤها حمرتها.

وقال غيره : احمرّت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك.

وانّ ابن سيرين قال : اُخبرنا انّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه‌السلام.

قال : وذكر ابن سعد : انّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. (١)

إلى آخر ما هو مذكور في كتب السنّة ، ممّا يدلّك على انقلاب الكون بمقتله عليه‌السلام ، وانّه قد بكته السماء ، وصخور الأرض دماً.

ولو فرض خصمنا جاهلاً بما في تلك الكتب ممّا سمعت بعضه ، فهل يجهل ما قام به ابن نباتة (٢) خطيبا على أعواده ، وتركه سنة لخطباء المسلمين في

__________________

١ ـ الصواعق المحرقة : ١١٦ و ١٩٣ ـ ١٩٥ ، تذكرة الخواص : ٢٨٣.

وللاطلاع انظر : المعجم الكبير : ١٤٥ ، نظم درر السمطين : ٢٢٠ ، الاتحاف بحب الأشراف : ١٢ ذخائر العقبى : ١٤٥ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٩٦ ، الأنس الجليل : ٢٥٢ ، وسيلة المآل : ٩٨ ، تفسير القرآن لابن كثير ٩ : ١٦٢ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٣٥٣ ، كفاية الطالب : ٢٩٦ ، تاريخ دمشق ٤ : ٣٣٩ ، تاريخ الاسلام ٢ : ٣٤٨ ، سير أعلام النبلاء ٣ : ٢١٢ ، مقتل الحسين ٢ : ٨٩ و ٩٠ ، العقد الفريد ٢ : ٢٢٠ ، الخصائص الكبرى ٢ : ١٢٦ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٩٦ ، تاريخ الخلفاء : ٨٠ ، مفتاح النجا « مخطوط » ، نور الأبصار : ١٢٣ ، إسعاف الراغبين : ٢١٥.

٢ ـ هو أبو القاسم الأصبغ بن نباتة المجاشعي التميمي الحنظلي ، من خاصّة أصحاب أمير المؤمنين عليه‌السلام ومن شرطة الخميس ، عمّر بعد علي عليه‌السلام طويلاً ، وتوفّي بعد المائة ، والظاهر انّه أوّل من كتب مقتل سيد الشهداء عليه‌السلام. انظر : الفهرست ٣٧ ـ ٣٨ رقم ١٠٨ ، الذريعة ٢٢ : ٢٣ ـ ٢٤ رقم ٥٨٣٨.

٨٣

الجمعة الثانية من المحرم في كل سنة ، وإليك ما اشتملت عليه تلك الخطبة ـ بعين لفظه ـ :

[ أيّها الناس إن شهركم هذا استشهد فيه الحسين بن علي بن أبي طالب فنال بذلك أعلى المفاخر والمراتب ، وكان ذلك في أرض يقال لها كربلاء ، أحلّ الله بقاتله كلّ كرب وبلاء ... ].

[ و ] قال : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتى ظنّ ان القيامة قد قامت.

[ ثم ] قال : كيف لا وهو ابن السيدة فاطمة الزهراء عليها‌السلاموسبط سيّد الخلائق دنيا وآخرة ، وكان عليه الصلاة والسلام من حبّه في الحسين ، يقبّل شفتيه ، ويحمله كثيراً على كتفيه ، فكيف لو رآه ملقى على جنبيه ، شديد العطش والماء بين يديه ، وأطفاله يصيحون بالبكاء عليه؟ لصاح عليه الصلاة والسلام ، وخرّ مغشياً عليه.

[ ثم ] قال : فتأسّفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد الشهيد ، وتسلّموا بما أصابه عمّا سلف لكم من موت الأحرار والعبيد ، واتّقوا الله حقّ تقواه.

قال : وفي الحديث : إذا حشر الناس في عرصات القيامة ، نادى مناد من وراء حجب العرش :

يا أهل الموقف ، غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ، فتجوز وعليها ثوب مخضوب بدم الحسين ، وتتعلّق بساق العرش ، وتقول : أنت الجبّار العدل ، اقض بيني وبين من قتل ابني ، فيقضي الله بينها وبينه.

٨٤

ثم تقول : اللهم شفّعني فيمن بكى على مصيبتي ، فيشفّعها الله تعالى فيهم (١) ... إلى آخر كلامه.

فهل ـ بعد ذلك كلّه ـ تقول : إنّ البكاء على مصائب أهل البيت بدعة ، وهب انّك لا ترجو شفاعة الزهراء ، ولا تبكي لبكاء الأنبياء والأوصياء ، فابك لبكاء الشمس والقمر ، ولا يكن قلبك أقسى من الحجر ، إبك لبكاء عمر بن سعد (٢) ، أو عمرو بن الحجّاج (٣) والأخنس بن يزيد (٤) ، ويزيد بن معاوية (٥) ، أو خولي (٦) ،

__________________

١ ـ المناقب لابن المغازلي : ٣٥٥ ح ٤٠٤ ، فرائد السمطين ٢ : ٢٦٥ ، أمالي المفيد : ٨٤.

٢ ـ عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري المدني ، سيّره عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الري ، ثم لمّا علم ابن زياد بمسير الحسين عليه‌السلام من مكّة متّجهاً إلى الكوفة كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد ، فولاه قتال الحسين عليه‌السلام ، فاستعفاه ، فهدّه وذكّره ولاية الري ، فأطاع ، بعث المختار من قتل عمر بن سعد حين قيامه فقتل. انظر : الطبقات ٥ : ١٢٥ ، الأعلام ٥ : ٤٧.

٣ ـ عمرو بن الحجّاج الزبيدي ؛ وقيل : عمر. انظر : الارشاد للمفيد : ٣٨.

٤ ـ وفي بعض المصادر : أخنس بن مرتد ، وأخنس بن مرثد ، وهو ابن علقمة الحضرمي ، من العشرة الذين داسوا الحسين عليه‌السلام بحوافر خيلوهم ، حتى رضّوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا.

٥ ـ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ثاني ملوك الدولة الاموية في الشام ، ولد بالماطرون ونشأ في دمشق وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة ٦٠ هـ ولم يبايعه جماعة وعلى رأسهم الحسين عليه‌السلام لفسقه وفجوره ولهوه ولعبه ، خلع أهل المدينة طاعته سنة ٦٣ هـ. فأرسل إليهم مسلم بن عقبة وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنّهم عبيد ليزيد ، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة ، وقتل فيها كثيراً من الصحابة والتابعين ، مات يزيد سنة ٦٤ هـ.

انظر : تاريخ الخميس ٢ : ٣٠٠ ، تاريخ ابن الأثير ٤ : ٤٩ ، جمهرة الأنساب : ١٠٣.

٦ ـ هو خولي بن يزيد الأصبحي ، من أشقياء الكوفة ومبغضي أهل البيت عليهم‌السلام ، بعد سقوط الإمام الحسين عليه‌السلام على الأرض تقدّم ليحتزّ رأسه. وذهب هو وحميد بن مسلم الأزدي بالرأس إلى ابن زياد لكن الوقت كان متأخرّاً وباب القصر مغلقاً فاضطر إلى

٨٥

والسالب لحلي فاطمة بنت الحسين (١) عليه‌السلام ، إبك لبكاء العسكر بأجمعه ، فقد شهدت كتب السير بكائهم ، مع خبث امّهاتهم وآبائهم ، أيحسن منك ـ وأنت مسلم ـ أن يصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بهذه الفجائع ، وتحل بساحته تلك القوارع ، ثم تتّخذها ظهرياً ، وتكون عندك نسياً ، ما هذا شأن أهل الوفاء ، ولا بهذا تكون المواساة لسيّدة الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ثم انّ الانقلاب الهائل ، وتلك الأحوال المدهشة ( من الخسوف والكسوف ورجفة الأرض ، وظلمة الأفق وتهافت النجوم ، وحمرة السماء وبكاء الصخر الأصم دماً ، لم تكن الا إظهاراً لغضب الله عز وجل ، وتنبيهاً على فظاعة الخطب ، وتسجيلاً لتلك النازلة في صفحات الأفق ، لئلا تنسى على مرّ الليالي والأيّام ، وفيها من بعث الناس على استشعار الحزن وادثار الكآبة ما لا يخفى على اولي الألباب.

__________________

أخذ الرأس إلى داره واخفائه هناك.

كان له زوجتان ، لمّا علمت أحداهما بانّه قد أتى برأس الحسين إلى الدار غضبت عليه ولم تجتمع بعدها وأيّاه في فراش واحد.

بقي خولي في أيام المختار متخفّياً ، الا أنّ زوجته الاخرى واسمها عيوف بنت مالك دلّت عليه أصحاب المختار ، وكانت هذه المرأة قد غضبت عليه منذ أن جاء برأس الحسين ، فأخذوا خولي وقتلوه. انظر : بحار الأنوار ٤٥ : ١٢٥ ، أعيان الشيعة ١ : ٦١٢ ، مستدركات علم الرجال ٣ : ٣٤٤ ، مقتل الحسين للمقرم : ٣٩١.

١ ـ فاطمة بنت الإمام الحسين عليه‌السلام ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدّتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع اختها سكينة وعمّتها زينب وامّ كلثوم ؛ قيل : عادت إلى المدينة ، فتزوّجها ابن عمّها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفّيت سنة ١١٠ هـ. انظر : الطبقات ٨ : ٣٤٧ ، مقاتل الطالبيين : ١١٩ و ١٢٠ و ٢٠٢ ، الأعلام ٥ : ١٣٠.

٨٦

فصل

علم الباحثون من مدقّقي الفلاسفة انّ في مآتمنا المختصّة بأهل البيت عليهم‌السلام أسراراً شريفة (١) تعود على الامّة بصلاح آخرتها ودنياها ، أنبهك إليها بذكر

__________________

١ ـ قال رحمه‌الله : نبهك الى بعضها ، حكيما الغربيين ، فيلسوفا المستشرقين : الدكتور ( جوزف ) الفرنساوي في كتابه : « الاسلام والمسلمون » ، والمسيو ( ماربين ) الألماني في كتابه « السياسة الاسلامية » ، وقد ترجمت جريدة ( الحبل المتين ) الفارسية في العدد ( ٨٢ ) من اعداد سنة ١٧ [ وقيل : في العدد ( ٢٨ ) من السنة الثامنة بتاريخ ٧ محرم سنة ١٣٢٩ هـ ـ ١٩١١ م ] فصلين من ذينك الكتابين النفيسين يحتويان على أسرار شهادة الحسين وفلسفة مآتمه عليه‌السلام ، فكان لهما دوي في العالم الاسلامي وأخذا في الشرق دوراً مهمّاً ، وترجما بالتركية والهندية ، وعرّبهما سيدنا الشريف العلامة الباحث السيد صدر الدين الموسوي نجل الإمام الكبير حجّة الاسلام ، وآية الله في الأنام ، قدوتنا المولى السيد إسماعيل الصدر أبقاه الله ، فنشرت مجلة العلم أحد الفصلين ، ومجلة العرفان نشرت الآخر ، وإليك ما ذكره الدكتور ( جوزف ) تحت عنوان « الشيعة وترقياتها المحيّرة للعقول » قال في جملة كلام له طويل :

لم تكن هذه الفرقة ( يعني الشيعة ) ظاهرة في القرون الإسلامية الاولى كأختها ، ويمكن أن تنسب قلّتهم إلى سببين :

أحدهما : انّ الرئاسة والحكومة التي هي سبب ازدياد تابعي المذهب كانت من بدء الإسلام بيد الفرقة الثانية.

ثانيهما : انّه كان القتل والإغارة عليهم في كل زمان ومكان ، ولهذا حكم أحد أئمّتهم في أوائل القرن الثاني من الإسلام بالتقية واخفاء مذهب الشيعة ، حفظاً لنفوسهم وأموالهم ، فزادت في قوّتهم ، لأنّهم حيث لم يكونوا ظاهرين لم تنلهم أيدي أعدائهم القويّة بالقتل والغارة ، وأقاموا المآتم تحت الستار يبكون فيها على الحسين فأثّرت هذه المآتم في قلوب هذه الطائفة إلى حدّ انّه لم يمر عليها زمن كثير حتى بلغت الأوج في الترقّي ، ودخل في هذه

٨٧

................................................................

__________________

الطائفة بعض الوزراء وكثير من الملوك والخلفاء ، فبعضهم أخفى ذلك تقيّة ، وبعضهم أظهره جهراً.

من بعد الأمير تيمور الكورگاني ورجوع سلطنة إيران قليلاً قليلاً إلى الصفوية ، اتّخذت فرقة الشيعة إيران مركزاً لها ، وبمقتضى تخمين بعض سائحي فرنسا أن الشيعة سدس أو سبع المسلمين ـ ونظراً إلى ترقّي هذه الطائفة في مدة قليلة بدون اجبار اصلاً يمكن القول بأنّه لا يمضى قرن أو قرنان حتى يزيد عددها على عدد سائر فرق المسملين ، والعلّة في ذلك ؛ هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية إلى مذهبه.

اليوم لا يوجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة الا ويقيمان فيها المآتم ، ويبذلان المال والطعام. رأيت في بندر ( مارسل ) في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين يقيم المأتم منفرداً جالساً على الكرسي بيده الكتاب يقرأ ويبكي ، وكان قد أعدّ مائدة من الطعام ففرّقها على الفقراء!

هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين ، فبعضهم يبذلون في كلّ سنة من أموالهم خاصّة في هذا السبيل بقدر استطاعتهم ما يقدّر بالملايين من الفرنكات ، والبعض الآخر من أوقاف خصّصت لإقامة هذه المآتم ، وهذا المبلغ طائل جداً ، ويمكن القول بأنّ جميع فرق المسلمين منضمّة بعضها إلى بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله هذه الطائفة ، وموقوفات هذه الفرقة هي ضعف أوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها.

كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه ، وهذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى الشيعة أنفسهم ، فإنهم لا يتصوّرون هذه الفائدة من عملهم هذا ، بل قصدهم الثواب الاخروي ، ولكن بما أن كلّ عمل في هذا العالم لا بدّ أن يظهر له بطبيعته أثر ، فهذا العمل أيضاً يؤثر ثمرات للشيعة ، من المسلّم أن المذهب الذي دعاته من خمسين إلى ستّين مليوناً لا محالة يترقّى على التدريج ترقّياً لائقاً بهم ، حتى انّ الرؤساء الروحانية ، والملوك والوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة ، فقراء وضعفاء هذه الفرقة بما انّهم حصلوا ويحصلون على فوائد كلّية من هذا الطريق ، فهم يحافظون على إقامة هذه المآتم أكثر من كبرائها ؛ لأنّهم رأوا في هذا العمل ثواب الآخرة وأجر الدنيا ، فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم ، واشتغلوا بهذا العمل ، فهم يتحمّلون المشاقّ ليتمكّنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم ، والمصائب التي أصابت أهل هذا البيت

٨٨

...............................................................

__________________

بأحسن وجه واقوى تقرير على رؤوس المنابر وفي المجالس العامّة.

وبسبب هذه المشاقّ التي اختارتها هذه الجماعة في هذا الفن تفوّقت خطباء هذه الفرقة على جميع الطوائف الإسلامية ، وحيث انّ تكرار المطلب الواحد يورث اشمئزاز القلوب لمذهبهم في هذ الطريقة على المنابر ، حتى آل الأمر إلى أن أصبح الأميّون من الشيعة أعرف في مسائل مذهبهم ممّن يقرأون ويفهمون من الفرق الإسلامية الاخرى من كثرة ما سمعوا من عرفائهم.

اليوم إذا نظرنا في كلّ نقطة من نقاط العالم من حيث العدد والنفوس نرى أن أليق المسلمين بالمعرفة والعلم والحرفة والثروة هي فرقة الشيعة ، دعوة هذه الفرقة غير محصورة في أهل مذهبهم أو في سائر الفرق الاسلامية ، بل أي قوم وضع أفراد هذه الطائفة أقدامهم بينهم يسرى في قلوب أهل تلك الملّة هذا الأثر.

إنّ العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه المآتم ، فرقة الشيعة حتى في زمان السلاطين الصفوية لم تسع في ترقّي مذهبها بقوّة السيف ، بل ترقّت هذا الترقّي المحيّر للعقول بقوّة الكلام الذي هو أشدّ تأثيراً من السيف ، ترقّت اليوم هذه الفرقة في إداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتّبعونها في حركاتها ، جمّ غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضاً شاركوهم في أعمالهم ، وهذا أمر واضح انّه بعد مضي قرن تودّع هذه الاخيالات بطريق الإرث لأبناء تلك الطوائف ، فيسلّمون بها أو يعتقدون بذلك المذهب ، وحيث انّ فرقة الشيعة تعتقد أنّ جميع مطالبها مرتبطة بكبراء مذهبها ويطلبون المدد منهم في الحوائج والشدائد ، فسائر الفرق أيضاً التي تشاركهم في أفعالهم وأعمالهم تتأسّى بهم كثيراً ، فبمجرّد مصادفة قضاء حوائجهم تزداد عقيدتهم رسوخاً.

من هذه القرائن والأسباب يمكن ان يستدرك انّه لا يمر زمن قليل على هذه الفرقة حتى تتفوّق من حيث العدد على جميع الفرق الإسلامية ، كان أكثر هذه الفرقة إلى ما قبل قرن أو قرنين ما عدا إيران يعملون بالتقيّة في مذهبهم لقلّة العدد ، وعدم القدرة ، ومن الزمن الذي استولت فيه دول الغرب على الممالك الشرقية وأعطت الحريّة لجميع المذاهب ، تظاهرت هذه الفرقة بمراسم مذهبها في كلّ نقطة ، وهذه الحريّة أفادتهم بدرجة أنّها رفعت من مذهب

٨٩

...........................................................

__________________

الشيعة اسم التقيّة.

بمناسبة الأسباب التي ذكرت ، وقفت هذه الفرقة على مقتضيات العصر اكثر من سائر الفرق الاسلامية ، وأقدمت على كسب المعاش وتحصيل العلوم أكثر من الآخرين ، ومن هذه الوجهة فالرجال العاملون الذين يعيشون بكدّ اليمين يوجدون فيهم أكثر من سائر فرق المسلمين ، وحيث انّ الغالب عليهم العمل ، فالملازمون لهم وخدّامهم يصيرون بالطبع تابعين لهم ، وعلاوة على ذلك انّهم بواسطة الأعمال يحتاج الناس إليهم ، ومحبّتهم ومعاشرتهم لسائر الفرق موجبة لاختلاط الآخرين معهم عند مشاركتهم لهم في مجالسهم ومحافلهم ، وحينما يصغى المباشرون لهم إلى سماع اصول مذهبهم وأحاديثهم مرّة بعد مرّة لا محالة يألفون مشربهم ، وهذا هو عمل الدعاة ، والأثر الذي يترتّب على هذه الوضعية هو الأثر الذي توخّته عرفاء دول الغرب في ترقية دين المسيح مع بذل أموال تحيّر العقول.

من جملة الامور السياسية التي ألبستها روؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون وصارت مورثة جداً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ؛ هي اصول التمثيل باسم الشبيه والتعزية في مأتم الحسين ، التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الاوربّيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ اموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب ، وقليلاً قليلاً أصابوا هدفين بسهم واحد ؛ تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الامور السياسية.

فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة فألبست ذلك لباس المذهب ، فيستنبط أنّ فرقة الشيعة أخذت هذا العمل من الهنود ، وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في اقامة العزاء والشبيه قد حصل.

من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة ، وعلى المنابر المصائب التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين ، ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول.

فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تاثير عظيم ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر ، وهذه النكات الدقيقة صارت سبباً في أنّه لم يسمع بأحد من هذه الفرقة من ابتداء ترقّي مذهب الشيعة انّه ترك دين الإسلام أو دخل في فرقة اسلامية اخرى.

٩٠

بعضها وأوكل الباقي إلى فطنتك :

فمنها : انّها جامعة اسلاميّة ، ورابطة إمامية باسم النبي وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله عز وجل ، والتمسّك بثقلي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيها من اجتماع القلوب على اداء الرسالة بمودّة القربى ، وترادف

__________________

هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ومقامات معينة ، وحيث انّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة والمقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الاخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاص ، فعملوا الشبيه في الأزقّة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم بذلك الأثر الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العام والخاص إليه ، حتى أنّ بعض الفرق الاسلامية الأخرى وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك.

وعمل الشبيه في الهند أكثر رواجاً منه في جميع الممالك الاسلامية ، كما انّ سائر فرق الاسلام هناك أكثر اشتراكاً مع الشيعة في هذا العمل من سائر البلاد. ويظنّ أن اصول التمثيل وعمل الشبيه بين الشيعة قد جاءت من جهة سياسة السلاطين الصفويّة الذين كانوا أول سلسلة استولت على السلطنة بقوّة المذهب وروؤساء الشيعة الروحانيون شيئاً فشيئاً أيّدوا هذا العمل وأجازوه.

ومن جملة الامور التي صارت سبباً في ترقّي هذه الفرقة وشهرتها في كلّ مكان هو إرادة أنفسهم بالمرأى الحسن ، بمعنى أنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المأتم ، وعمل الشبيه ، واللطم والدوران ، وحمل الأعلام في مأتم الحسين ، جلبت إليها قلوب باقي الفرق بالجاه والاعتبار والقوة والشوكة ، لأنّه من المعلوم أنّ كل ّجمعية وجماعة تجلب إليها الأنظار وتوجّه إليها الخواطر إلى درجة ما.

مثلاً لو كان في مدينة عشرة آلاف نفس متفرّقين ، وكان في محل ألف نفس مجتمعين ، كانت شوكة الألف وعظمتهم في أنظار الخاصّ والعامّ أكثر من العشرة آلاف ، مضافاً إلى أنّه إذا اجتمع ألف نفس انضمّ إليهم من غيرهم بقدرهم بعضهم للتفرّج ، وبعضهم للصداقة والرفاقة ، وبعضهم لأغراض خاصّة ، وبهذا الانضمام تتضاعف قوة الألف وشوكتهم في الأنظار.

٩١

العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم‌السلام ما ليس في غيرها.

وحسبك في رجحانها ما يتسنّى بها للحكيم من إلقاء المواعظ والنصائح ، وإيقاف المجتمعين على الشؤون الإسلامية ، والامور الإمامية ولو إجمالاً ، وبذلك يكون أمل العاملي (١) ، نفس أمل إخوانه في العراق وفارس والبحرين والهند وغيرها من بلاد الاسلام.

ولا تنس ما يتهيّأ للمجتمعين فيها من الاطّلاع على شؤونهم ، والبحث عن شؤون اخوانهم النائين عنهم ، وما يتيسّر لهم حينئذ من تبادل الآراء فيما يعود عليهم بالنفع ، ويجعلهم كالبنيان المرصوص ، يشدّ بعضه بعضاً ، أو كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضواً أنّت له سائر الأعضاء ، وبذلك يكونون مستقيمين في السير على خطة واحدة يسعون فيها وراء كلّ ما يرمون إليه.

ومنها : انّ هذه المآتم دعوة إلى الدين بأحسن صورة وألطف اسلوب ، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته ، وتنبّه الجاهل من سكراته ، بما تشربه في قلوب المجتمعين ، وتنفثه في آذان المستمعين ، وتبثّه في العالم ، وتصوره قالباً لجميع بني آدم ، من أعلام الرسالة ، وآيات الاسلام ، وأدلّة الدين ، وحجج المسلمين ، والسيرة النبويّة ، والخصائص العلوية ، ومصائب اهل البيت عليهم‌السلام في سبيل الله ، وصبرهم على الأذى في اعلاء كلمة الله.

فاولوا النظر والتحقيق يعلمون أنّ خطباء المآتم كلهم دعاة إلى الدين من حيث لم يقصدوا ذلك ، بل لا مبشّر بالإسلام على التحقيق سواهم ، وأنت تعلم أنّ الموظفين لهذا العمل الشريف لا يقصرون في انحاء البسيطة عن الألوف المؤلّفة ،

__________________

١ ـ نسبة إلى جبل عامل في لبنان موطن المصنّف رحمه‌الله.

٩٢

فلو بذل المسلمون شطر أموالهم ليوظفوا دعاة إلى دينهم بعد اولئك الخطباء ما تيسّر ذلك لهم ، ولو تيسّر من يستمع الدعوة على مرّ الدهور استماع الناس لما يُتلى في هذه المآتم بكلّ رغبة واقبال.

ومنها : ما قد أثبته العيان ، وشهد به الحس والوجدان من بثّ روح المعارف بسبب هذه المآتم ، ونشر أطراف من العلوم ببركتها ، إذ هي ـ بشرط كونها على اصولها ـ أرقى مدارس للعوام ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم ، ويلتقطون منها دور السير ، ويقفون بها على أنواع العبر ، ويتلقون فيها من الحديث والتفسير والفقه ما يلزمهم حمله ولا يسعهم جهله ، بل هي المدرسة الوحيدة للعوام في جميع بلاد الاسلام.

وقد تفنّن خطباؤها في ما يصدعون به أوّلاً على أعوادها ثم يتخلّصون منه إلى ذكر المصيبة وتلاوة الفاجعة ؛ فمنهم : من يشنف المسامع ويشرف الجوامع بالحكم النبويّة ، والمواعظ العلوية ، أو يتلو أوّلاً من كلام أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ما يقرّب المستمعين إلى الله ، ويأخذ بأعناقهم إلى تقواه.

ومنهم : من يتلو أوّلاً من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتارخ أوصيائه عليهم‌السلام ما يبعث المستمعين على مودتهم ، ويضطرهم إلى بذل الجهد في طاعتهم.

ومنهم : من ينبّه الأفكار أوّلاً إلى فضل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومقام أوصيائه عليهم‌السلام بما يسرده من الأحاديث الصحيحة ، والآيات المحكمة الصريحة.

ومنهم : من يتلو أوّلاً الأحكام الشرعية والعقائد الدينية ما تعمّ به البلوى المكلّفين ولا مندوحة من معرفته لأحد من العالمين.

٩٣

هذه سيرتهم المستمرة أيام حياتهم ، فهل ترى بجدك للعوام مدرسة تقوم مقامها في جسيم فوائدها وعظيم مقاصدها؟ لا وسرّ الحكماء الذين بعثوا شيعتهم عليها وحكمة الأوصياء الذين أرشدوا أوليائهم إليها.

ومنها : الارتقاء في الخطابة ، والعروج إلى منتهى البراعة ، كما يشهد به الوجدان ، ولا نحتاج فيه إلى برهان.

ومنها : العزاء عن كل مصيبة ، والسلوة لكل فادحة ، إذ تهون الفجائع بذكر فجائعهم ، وتنسى القوارع بتلاوة قوارعهم ، كما قيل في رثائهم عليه‌السلام :

أنست رزيّتكم رزايا التي

سلفت وهوّنت الرزايا الآتية

ومنها : انعاش أهل الفاقة ، واثلاج أكباد حرّى من أهل المسكنة على الدوام بما نفق في هذه المآتم من الأموال في سبيل الله عز وجل ، وما يبذل فيها لأهل المسغبة وغيرهم ، وأنت تعلم أنّه لا وسيلة لقراء تلك المآتم في التعيّش غالباً الا هذه الوظيفة ، وهم من الرجال والنساء ـ بقطع النظر عمّن يقومون بنفقته ، اُلوف مؤلّفة يعيشون ببركة أهل البيت عليهم‌السلام ويتنعّمون بيمن مآتمهم عليهم‌السلام.

ومنها : انّ المصلحة التي استشهد الحسين عليه‌السلام ـ بأبي واُمّي ـ في سبيلها ، وسفك دمه الزكي تلقاءها ، تستوجب استمرار هذه المآتم ، وتقتضي دوامها إلى يوم القيامة وبيان ذلك :

إنّ المنافقين حيث دفعوا أهل البيت عليهم‌السلام عن مقامهم ، وأزالوهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ظهروا للناس بمظاهر النيابة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأظهروا التأييد لدينه ، والخدمة لشريعته ، فوقع الإلتباس ، واغترّ

٩٤

بهم أكثر الناس ، ولما ملكوا من الامّة أزمتها ، واستسلمت لهم برمّتها ، حرموا ( والناس في سنّة عن سوء مقاصدهم ) من حلال الله ما شاؤوا ، وحلّلوا من حرامه ما أرادوا ، وعاثوا في الدين وحكموا فيه القاسطين ، فسمّلوا أعين أولياء الله ، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وصلبوهم على جذوع النخل ، ونفوهم عن عقر ديارهم حتى تفرقوا أيدي سبأ ، ولعنوا أمير المؤمنين عليه‌السلام وكنّوا به عن أخيه الصادق الأمين صلى‌الله‌عليه‌وآله.

فلو دامت تلك الأحوال ، وهم أولياء السلطة المطلقة ، والرئاسة الروحانية ، لما أبقوا للإسلام عيناً ولا أثراً ، لكن ثار الحسين عليه‌السلام فادياً دين الله عز وجل بنفسه وأحبائه حتى وردوا حياض المنايا ، ولسان حاله يقول :

إن كان دين محمد لم يستقم

الا بقتلي يا سيوف خذيني

فاستنقذ الدين من أيدي الظالمين ، وانكشف الغطاء بوقوع تلك الرزايا عن نفاق القوم حتى تجلّت عداوتهم لله عز وجل ، وظهر انتقامهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لم يكتفوا بقتل الرجال من بنيه عطاشى والماء تعبث فيه خنازير البر وكلابه ، ولم يقنعوا بذبح الأطفال من أشباله أحياء وقد غارت أعينهم من شدّة العطش ، ولا اكتفوا باستئصال العترة الطاهرة ونجوم الأرض من شيبة الحمد حتى وطأوا جثثهم بسنابك الخيل ، وحملوا رؤوسهم على أطراف الأسنة ، وتركوا أشلائهم الموزعة عارية بالعراء ، مباحة لوحوش الأرض وطير السماء ، ثمّ أرزوا ودائع الرسالة وحرائر الوحي مسلبات ، وطافوا البلاد بهنّ سبايا كأنّهنّ من كوافر البربر ، حتى أدخلوهنّ تارة على ابن مرجانة ، واخرى على ابن آكل الأكباد ، وأوقفوهنّ على درج الجامع في دمشق حيث تباع جواري السبي.

فلم تبق بعدها وقفة من عداوتهم لله ، ولا ريبة بنفاقهم في دين الاسلام ،

٩٥

وعلم حينئذ أهل البحث والتنقيب من اولي الألباب انّ هذه امور دبّرت بليل ، وانّها عن عهد السلف بها إلى خلفه ، وما كانت ارتجالاً من يزيد ـ وما المسبّب لو لم ينجح السبب ـ ثمّ لم تزل أنوار هذه الحقيقة تتجلّى لكلّ من نظر نظراً فلسفياً في فجائع الطفّ وخطوب أهل البيت عليهم‌السلام ، أو بَحَث بحث مدقّق عن أساس تلك القوارع ، وأسباب هاتيك الفظائع.

وقد علم أهل التدقيق من اولي البصائر أنّه ما كان لهذا الفاجر أن يرتكب من أهل البيت ما ارتكب ، لولا ما مهده سلفه من هدم سورهم ، واطفاء نورهم ، وحمله الناس على رقابهم ، وفعله الشنيع يوم بابهم. (١)

وتالله لولا ما بذله الحسين عليه‌السلام في سبيل إحياء الدين من نفسه الزكية ، ونفوس أحبّائه بتلك الكيفية ، لأمسى الاسلام خبراً من الأخبار السالفة (٢) ،

__________________

١ ـ أقول : أخرج البلاذري في تاريخه قال : لمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها : أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، وحدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.

فكتب إليه يزيد :

أمّا بعد ، يا أحمق! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها! فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.

٢ ـ قال رحمه‌الله : كما شهد به العظماء من فلاسفة الغرب ، وإليك ما ذكره الميسو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » بعين لفظ المعرّب قال من جملة كلام طويل : لا يشكّ صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني اميّة في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين انّ الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام وان لم تقع تلك الواقعة ولم تظهر تلك الحسيّات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، ولم يكن الاسلام على ما هو عليه الآن قطعاً بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانين حيث كان يومئذ حديث العهد ، عزم الحسين انجاح هذا المقصد واعلان

٩٦

.............................................................

__________________

الثورة ضد بني اميّة من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسين من المدينة وكان يظهر مقصده العالي ويبثّ روح الثورة في المراكز المهمة الاسلامية كمكّة والعراق واينما حلّ فازداد ـ نفرة قلوب المسلمين التي هي مقدّمة الثورة من بني أميّة ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسين وكان يعلم انّ الثورة إذا اُعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفّر المسلمين عموماً من جومة بني اميّة وميل القلوب وتوجه الأنظار إلى الحسين عمّت جميع البلاد وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم فعزم يزيد قبل كلّ شيء من يوم بويع على قتل الحسين.

ولقد كان هذا العزم أعظم خطا سياسي صدر من بني اميّة الذي جعلهم نسياً منسياً ولم يبق منهم أثر ولا خبر.

وأعظم دلالة على انّ الحسين أقدم على قتل نفسه ، ولم تكن في نظره سلطنة ولا رئاسة هو : أنّه مضافاً إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليه زمن أبيه وأخيه في قتال بني اميّة كان يعلم أنّه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد لا يمكنه المقاومة والغلبة ، وكان يقول : من يوم توفي والده انّه يقتل ، وأعلن يوم خروجه من المدينة انّه يمضي إلى القتل وأظهر ذلك لأصحابه والذي اتّبعوه من باب اتمام الحجّة حتى يتفرّق الذين التفّوا حوله طمعاً بالدنيا ، وطالما كان يقول : « خير لي مصرع أنا ملاقيه » ، ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامداً لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده لا أن يفرق الذين كانوا معه ، ولكن لما لم يكن له قصد الا القتل مقدّمة لذلك المقصد العالي واعلان الثورة المقدّسة ضد يزيد رأى انّ خير الوسائل إلى ذلك الوحدة والمظلومية فان أثّر هكذا مصائب أشد وأكثر في القلوب.

من الظاهر انّ الحسين مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين في ذلك الزمان لو كان يطلب قوّة واستعداداً لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشاً جرّاراً ، ولكنّه لو وضع ذلك لكان قتله في سبيل طلب السلطنة والامارة ، ولم يفز بالمظلوميّة التي انتجت تلك الثورة والعظيمة ، هذا هو الذي سبب أن لا يبقى معه أحداً ، الا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وأخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى انّه أمر هؤلاء أيضاً بمفارقته ، ولكنّهم أبو عليه ذلك ، وهؤلاء أيضاً كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر ، وعظيم المنزلة ، وقتلهم معه ممّا يزيد في عظم المصيبة وأثر الواقعة.

٩٧

......................................................

__________________

نعم ، انّ الحسين بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في افشاء ظلم بني اميّة واظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كلّ طريق ، لما كان يعلم عداوة بني اميّة له ولبني هاشم ، ويعرف انّه بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ، وذلك يؤيّد مقصده ، ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين ـ سيّما العرب ـ كما وقع ذلك حملهم معه وجاء بهم إلى المدينة.

نعم ، انّ ظلم بني اميّة وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيراً عظيماً لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه ، ولقد أظهر في فعله هذا عقيدة بني اميّة في الاسلام وسلوكهم مع المسلمين سيّما ذراري نبيّهم ، لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : أني أمضي إلى القتل ، ولما كانت أفكار المانعين محدودة ، وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسين العالية لم يألوا جهدهم في منعه وآخر ما أجابهم به ان قال لهم : شاء الله ذلك ، وجدّي أمرني به ، فقالوا : ان كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال؟ فقال : « انّ الله شاء أن يراهنّ سبايا » ولما كان بينهم رئيساً روحانياً لم يكن لهم بدّ عن السكوت.

وممّا يدلّ على انّه لم يكن له غرض الا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وامارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودراية كما تصوّره بعض المؤرخين منّا أنّه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة على سبيل التسلية : « انّ بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة يبعث الله رجالاً يعرفون الحقّ من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا. واولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدّي ، وأنا وجدّي نحبّهم وهم يحشرون معنا يوم القيامة ».

ولو تأمّل المتأمّل في كلام الحسين عليه‌السلام وحركاته يرى انّه لم يترك طريقاً من السياسة الاسلكه في إظهار شنائع بني اميّة وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا ممّا يدلّ على حسن سياسته وقوّة قلبه وتضحية نفسه في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره حتى انّه في آخر ساعات حياته عمل عملاً حيّر عقول الفلاسفة ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة ، والهموم المتراكمة ، وكثرة العطش والجراحات وهو قصّة الرضيع.

فلمّا كان يعلم أنّ بني اميّة لا يرحمون له صغيراً رفع طفله الصغير تعظيماً للمصيبة على يده أمام القوم ، وطلب منهم أن يأتوه شربة من الماء فلم يجيبوه الا بالسهم ، ويغلب على

٩٨

...............................................................

__________________

الظنّ انّ غرض الحسين من هذا العمل تفهيم العالم بشدّة عداوة بني اميّة لبني هاشم وأنّها إلى أي درجة بلغت ، ولا يظن أحد انّ يزيد كان مجبوراً على تلك الاقدامات الفجيعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأنّ قتل الطفل الرضيع في ذلك الحال بتلك الكيفية ليس هو الاتوحّش وعداوة سبعية منافية لقواعد كلّ دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية في افتضاح بني اميّة ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونيّاتهم الفاسدة بين العالم سّيما المسلمين ، وأنّهم يخالفون الاسلام في حركاتهم ، بل يسعون بعصبية جاهلية إلى اضمحلال آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.

ونظراً لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسين مضافاً إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشكّ فيها اثنان لم يرتكب أمراً يوجب مجبورية بني اميّة للدفاع حتى انّه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر ، لم يسع في تسخير البلاد الاسلامية وضمّها إليه ، ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في وادٍ غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية ، أو تظهر منه ثورة ضد بني اميّة.

لم يقل الحسين يوماً : سأكون ملكاً أو سلطاناً ، وأصبح صاحب سلطة ، نعم ، كان يبثّ روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني اميّة واضمحلال الدين أن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور ، ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب اتمام الحجة بأنّهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله ، وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الاظهار الدالّ على سلامة نفس الحسين في قلوب المسلمين غاية التأثير.

قتل قبل الحسين ظلماً وعدواناً كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب الديانات ، وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضدّ الأعداء ، كما وقع مكرّراً في بني إسرائيل وقصّة يحيى من أعظم الحوادث التأريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسين فاقت الجميع.

أقول : واتماماً للفائدة أكثر نذكر بعض عبارات المسيو ماربين الألماني والتي لم يذكرها المصنّف رحمه‌الله هنا :

وقال المسيو ماربين كذلك : الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هو سبط محمد المتولد من ابنته وحبيبته فاطمة عليهم‌السلام ويمكننا القول بأنّه كان جامعاً للأخلاق والصفات المستحسنة عند العرب في ذلك الزمان ، ووارثاً للشجاعة من

٩٩

..........................................................

__________________

أبيه ، وأعلم المسلمين باحكام دين جدّه ، وحاوياً بدرجة كاملة للجود الذي هو أحبّ الصفات ، وكان طلق اللسان ، فصيح البيان للغاية ، اتّفق المسلمون بلا مخالف على حسن العقيدة في الحسين حتى أنّ الطوائف التي تذمّ أباه وأخاه تمدحه وتثنى عليه ، وكتبهم مشحونة بذكر ملكاته الحسنة ، وسجاياه المستحسنة ، وكان غيوراً صادقاً غير هيّاب ، وانّ لغالب فرق المسلمين عقائد عظيمة في الحسين عليه‌السلام ، ولكن الذي نقدر أن نكتبه في كتابنا بكمال الطمأنينة ، وبلا خوف المعارضة هو أنّ تابعي علي عليه‌السلام يعتقدون في الحسين أكثر ممّا تقوله النصارى في المسيح عليه‌السلام ، فكما أنّنا نقول إنّ عيسى تحمّل هذه المصائب لتكفير السيئات ، هم يقولون ذلك في الحسين ، ويعدونه الشفيع المطلق يوم القيامة ، والشيء الذي لا يقبل الانكار أبداً.

إذا قلناه في الحسين هو انّه كان في عصره أوّل شخص سياسي ، ويمكن أن نقول أنّه لم يختر أحد من أرباب الديانات سياسة مؤثرة مثل سياستة ، ومع أنّ أباه عليّاً هو حكيم الإسلام ، وحكمياته وكليّاته الشخصية لم تكن بأقل ممّا هو لسائر حكماء العالم المعروفين ، لم يظهر منه مثل السياسة الحسينية.

ولأجل اثبات هذه المسألة يلزم الالتفات قليلاً إلى تاريخ العرب قبل الإسلام ، فنرى أنّها كانت قرابة بين بني هاشم وبني اميّة ؛ أي أنّهم بنو أعمام لأنّ أميّة وهاشم أنجال عبد مناف ، ومن قبل الإسلام كان بينهم نفور وكدورة بدرجة متناهية ، وحصل بينهم مراراً مجادلات وقتال ، وكان كلّ من الطرفين طالباً ثأر من الآخر ، وكان بنو هاشم وبنو اميّة أعزّاء محترمين في قريش ، ولهم السيادة ، بنو اميّة من جهة الغنى والرئاسة الدنيويّة ، وبنو هاشم من جهة العلم والرئاسة الروحانية ، وفي بدء الاسلام ازدادت العداوة بين بني هاشم وبني اميّة إلى أن فتح النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مكة ، وأدخل في طاعته وتحت أمره عموم قريش وبني اميّة ، وفي الواقع استولى على رئاسة العرب الدينيّة والدنيويّة ، فلأجل ذلك ارتفع قدر بني هاشم بين العرب واطاعتهم بنو اميّة ، وأضرم هذا التقدّم في الباطن نار الحسد لبني هاشم في صدور بني اميّة ، وكانوا على استعداد للإيقاع ببني هاشم حقداً عليهم.

فلمّا توفّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اتّسع لهم المجال لذلك ، فسعوا أولاً أن لا يكون الخليفة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اصول ولاية العهد ، بل على اصول

١٠٠