المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


المحقق: محمود البدري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-85-1
الصفحات: ٣٨٢

أبي الهيثم من اصابته. (١)

ورثته اُمّ رعلة القشيرية (٢) في قصيدة أشار إليها العسقلاني في ترجمه أم رعلة من اصابته. (٣)

ورثاه عامر بن الطفيل بن الحرث الأزدي (٤) لقصيدة جيميّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة عامر من الاصابة. (٥)

ومن استوعب الاستيعاب ، وتصفّح الأصابة ، واسد الغابة ، ومارس كتب الأخبار ، يجد مراثيهم المشتملة على تهييج الحزن بذكر محاسن الموتى شيئاً يتجاوز حد الأحصاء (٦).

__________________

انظر : أسد الغابة ٥ : ١٤ ـ ١٦ ، الاصابة ٣ : ٣٤١ و ٥٣٤ و ٥٧٤.

١ ـ قال أبو الهيثم بن التيهان يرثي الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

لقد جدعت آذاننا وانوفنا

غداة فجعنا بالنبي محمد

انظر الاصابة ٤ : ١٨٦.

٢ ـ انظر ترجمتها في الاصابة ٤ : ٢٧٥.

٣ ـ قالت امّ رعلة القشيرية ترثي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

يا دار فاطمة المعمور ساحتها

هيّجت لي حزناً حييث من دار

انظر : الاصابة ٤ : ٢٧٦.

٤ ـ انظر ترجمته في الاصابة ٣ : ٥٣.

٥ ـ قال عامر بن الطفيل يرثي الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله :

بكت الأرض والسماء على النو

ر الذي كـان للعبـاد سراجا

من هدينا بـه الـى سبل الحـ

ـقّ وكنّا لا نعرف المنهاجا

انظر : الاصابة ٣ : ٥٤.

٦ ـ للاطّلاع أكثر يمكن مراجعة الكتاب القيّم ( إقناع اللائم على إقامة المآتم ) والذي ألّفه الإمام محسن الأمين العاملي قدس سره ففيه المزيد من هذه الأخبار ، وهو من تحقيقنا ونشر مؤسسة المعارف الاسلامية في قم.

٤١

وقد أكثرت الخنساء (١) وهي صحابية من رثاء أخويها صخر ومعاوية ـ وهما كافران ـ ، وأبدعت في مدائح صخر ، وأهاجت عليه لواعج الحزن فما أنكر عليها منكر. (٢)

وأكثر أيضاً مُتمّم بن نُويرة من تهييج الحزن على أخيه السائرة حتى وقف مرّة في المسجد هو غاص بالصحابة أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح واتّكأ على سيّة قوسه فأنشد :

نِعم القتيل ـ إذا الرياح تناوحت (٣)

خلف البيوت ـ قتلت يا ابن الأزور (٤)

__________________

١ ـ انظر ترجمتها في : الاصابة ٤ : ٢٨٦.

٢ ـ قال أبو عمر : قدمت ( الخنساء ) على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مع قومها من بني سليم فأسلمت معهم ، فذكروا انّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يستنشدها ويعجبه شعرها ، وكانت تنشده وهو يقول : هيّه يا خناس ، ويومئ بيده.

ومن قولها في صخر :

أعينيّ جـودا ولا تجمـدا

ألا تبكيان لصخر الندى؟

ألا تبكيان الجري الجميـل

ألا تبكيـان الفتى السيّدا؟

طويل النجاد عظيم الرماد

وساد عشيرتـه أمـردا

وقالت كذلك :

ألا يا صخر إن أبكيت عيني

فقد أضحكتنـي دهـراً طويلاً

ذكرتك في نسـاء معولات

وكنت أحقّ مـن أبدي العويلا

دفعت بك الجليل وأنت حيّ

فمن ذا يدفع الخطـب الجلـيلا

إذا قبّح البكـاء علـى قتيل

رأيت بكاءك الحسن الجمـيلا

انظر : الاصابة ٤ : ٢٨٦.

٣ ـ تناوحت : تقابلت.

٤ ـ هو : ضرار بن الأزور الأسدي ، من بني كرز ، وهو الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد. انظر : الأغاني ١٤ : ٦٦ ـ ٧٣.

٤٢

ثمّ أومأ إلى أبي بكر ـ كما في ترجمة وثيمة بن موسى بن الفرات من وفيات ابن خلكان ـ فقال مخاطبا له :

أدعوته بالله ثمّ غدرته (١)

لو هو دعاك بذمّة لم يغدر

فقال أبو بكر : والله ما دعوته ، ولا غدرته. ثم قال :

ولنعم حشو الدرع كـان وحاسراً

ولنعم مأوى الطارق المتنوّر

لا يمسك (٢) الفحشاء تحت ثيابه

حلو شمائله عفـيف المئزر

وبكى حتى انحطّ عن سيّة قوسه ، قالوا : فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء ، فما أنكر عليه في بكائه ولا رثائه منكر ، بل قال له عمر ـ كما في ترجمة وثيمة من الوفيات ـ : لوددت أنّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثى متمم بعدها زيد بن الخطّاب فما أجاد ، فقال له عمر : لِم لَم ترث زيداً كما رثيت مالكاً؟

فقال : انّه والله ليحرّكني لمالك ما لا يحرّكني لزيد (٣).

واستحسن الصحابة ومن تأخر عنهم مراثيه في مالك ، وكانوا يتمثّلون بها كما اتّفق ذلك من عائشة ، إذ وقفت على قبر اخيها عبد الرحمن ـ كما في ترجمته من الاستيعاب (٤) ـ فبكت عليه وتمثّلت :

وكُنّا كَنَدماني جَذيمة حِقبةً

من الدهر حتى قيل لن يتصدّعا

__________________

١ ـ في المصادر : قتلته.

٢ ـ في العقد الفريد : لا يُمسك.

٣ ـ وانظر : الكامل للمبرّد ٣ : ١٦٢.

٤ ـ الاستيعاب ٢ : ٤٩٧.

٤٣

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً

لطول اجتماع لم نبت ليلةً معا (١)

وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين وغيرهم في كلّ عصر ومصر لا يتناكرونه مطلقاً.

__________________

١ ـ تعتبر هذه القصيدة من أشهر قصائد متمّم التي يرثي بها أخاه مالكاً ، وتسمى اُمّ المراثي. انظر العقد الفريد ٣ : ٢٢٠.

٤٤

المطلب الثالث

في تلاوة الأحاديث المشتملة على

مناقب الميّت ومصائبه

كما كانت عليه سيرة السلف وفعلته عائشة ، إذ وقفت على قبر أبيها باكية ، فقالت : كنت للدنيا مذلاً بإدبارك عنها ، وكنت للآخرة معزّاً باقبالك عليها ، وكان أجل الحوادث بعد رسول الله رزؤك ، وأعظم المصائب بعده فقدك. (١)

وفعله محمد بن الحنفية (٢) ، إذ وقف على قبر أخيه المجتبى عليه‌السلام فخنقته العبرة ـ كما في أوائل الجزء الثاني من العقد الفريد ـ ثم نطق فقال : يرحمك الله أبا محمد ، فلئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمّه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمّه كفنك ، وكيف لا تكون كذلك وأنت بقيّة ولد الانبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذّتك أكفّ الحقّ ، وربّيت في حجر الإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميّتاً ، وإن كانت انفسنا غير طيّبـة بفراقك ، ولا شاكّـة في الخيـار لك (٣).

ثمّ بكى بكاءاً شديداً وبكى الحاضرون حتى [ علا ] نشيجهم.

__________________

١ ـ العقد الفريد ٢ : ٣٧.

٢ ـ أبو القاسم محمد الأكبر بن علي بن أبي طالب ، والحنفية لقب اُمّه خولة بنت جعفر ، كان كثير العلم والورع ، شديد القوة ، توفي سنة ٨٠ هـ ؛ وقيل : ٨١ هـ. انظر : تنقيح المقال ٣ : ١١٥ ، وفيات الأعيان ٥ : ٩١.

٣ ـ العقد الفريد ٢ : ٧٨.

٤٥

ووقف أميـر المؤمنين عليه‌السلام على قبر خباب بن الأرت (١) في ظهـر الكـوفة (٢) ، وهو أوّل من دفن هناك ـ كما نصّ عليه ابن الأثير في آخر تتمة صفّين ـ فقال عليه‌السلام :

رحم الله خباباً ، قد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً. (٣)

ولمّا توفّي أمير المؤمنين قام الخلف من بعد أبو محمد الحسن الزكي عليهما‌السلام خطيباً فقال ـ كما في حوادث سنة ٤٠ من تاريخ ابن جرير وابن الأثير وغيرهما ـ فقال :

لقد قتلتم الليلة رجلا والله ما سبقه أحد كان قبله ، ولا يدركه أحد يكون بعده ، والله إن كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبعثه في السرية ، وجبرئيل عن يمينه ، وميكائيل عن يساره ، [ والله ] ما ترك صفراء ولا بيضاء ... الخ. (٤)

ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين عليهما‌السلام فقال :

__________________

١ ـ خباب بن الأرت ـ بتشديد المثناة ـ بن جندلة بن سعد بن خزيمة بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم التميمي ، ويقال : الخزاعي.

روى الباوردي أنّه أسلم سادس ستّة ، وهو أوّل من أظهر اسلامه وعُذّب عذاباً شديداً لأجل ذلك ، شهد بدراً وما بعدها ، ونزل الكوفة ومات بها سنة سبع وثلاثين. انظر : الإصابة ١ : ٤١٦ ترجمة رقم « ٢٢١٥ » ، أسد الغابة ٢ : ١١٤ ـ ١١٧.

٢ ـ الكوفة ـ بالضم ـ : المصر المشهور بأرض بابل من سواد العراق ؛ قيل : سمّيت الكوفة لاستدارتها. معجم البلدان ٤ : ٢٢٢.

٣ ـ الكامل في التاريخ ٣ : ٢١٥ ، وقعة صفّين : ٢٨٣ ، العقد الفريد ٢ : ٦٦.

٤ ـ تاريخ الاُمم والملوك ٥ : ١٥٧ ، الكامل في التاريخ.

٤٦

أشهد أنّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة [ في قتلهم ايّاك ] مع ما لك من الحجج البالغة على جميـع خلقه. (١)

وعن أنس بن مالك ـ كما في العقد الفريد وغيره ـ قال : لمّا فرغنا من دفن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم [ أقبلت عليّ فاطمة فقالت : يا أنس ، كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التراب؟ ثمّ بكت ونادت : يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه ، يا أبتاه مِن ربّه ما أدناه ، يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه ، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه. (٢)

ولو أردنا أن نستوفي ما كان من هذا القبيل لخرجنا عن الغرض المقصود ، وحاصله أن تأبين الموتى من أهل الآثار النافعة بنشر مناقبهم ، وذكر مصائبهم ، ممّا حكم بحسنه العقل والنقل ، واستمرت عليه سيرة السلف والخلف ، وأوجبته قواعد المدنية ، واقتضته اصول الترقي في المعارف ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وبالتنافس فيه تعرج الخطباء إلى أوج البلاغة ، والقول بتحريمه يستلزم تحريم قراءة التاريخ وعلم الرجال ، بل يستوجب المنع من تلاوة الكتاب والسنّة لاشتمالها على جملة من مناقب الأنبياء ومصائبهم ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ، أو يختار لها هذا العمى ، نعوذ بالله من سفه الجاهلين.

__________________

١ ـ العقد الفريد ٢ : ٧١.

٢ ـ العقد الفريد ٣ : ٢٣ ، وانظر مسند أحمد ٣ : ١٩٧.

٤٧

المطلب الرابع

في الجلوس حزناً على الموتى

من أهل الحفائظ والأيادي المشكورة

وحسبك في رجحان ذلك ما تواتر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الحزن الشديد على عمّه أبي طالب وزوجته الصدّيقة الكبرى ام المؤمنين عليهما‌السلام ، وقد ماتا في عام واحد فسمّي « عام الحزن » وهذا معلوم بالضرورة من اخبار الماضين.

وأخرج البخاري ـ في باب من جلس عند المصيبة يعرف فيه الحزن من الجزء الأول من صحيحه ـ بالاسناد عن عائشة قالت : لمّا جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قتل زيد بن حارثة وجعفر وابن رواحة جلس ـ أي في المسجد كما في رواية أبي داود (١) ـ يعرف فيه الحزن.

وأخرج البخاري في الباب المذكور أيضا عن أنس قال : قنت (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شهراً حين قتل القرّاء (٣) فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حزن حزناً قطّ أشد منه. (٤) الحديث.

__________________

١ ـ ارشاد الساري ٢ : ٣٩٣.

٢ ـ القنوت : الإمساك عن الكلام ؛ وقيل : الدعاء في الصلاة ، لسان العرب ٢ : ٧٣.

٣ ـ والقُراء : هم الذين كانوا يتعلّمون القرآن في صفة المسجد أرسلهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى أهل نجد فقتلوا في الطريق.

٤ ـ ارشاد الساري ٢ : ٣٩٦.

٤٨

والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى او تستقصى.

والقول بأنّه انّما يحسن ترتيب آثار الحزن إذا لم يتقدّم العهد بالمصيبة مدفوع بانّ من الفجائع ما لا تخبو زفراتها ولا تخمد لوعتها ، فقرب العهد بها وبعده عنها سواء.

نعم ، يتمّ قول هؤلاء اللائمين إذا تلاشى الحزن بمرور الأزمنة ولم يكن دليل ولا مصلحة يوجبان التعبّد بترتيب آثاره ، وما أحسن قول القائل في هذا المقام :

خلي اُميمـة عن ملا

مك ما المعزّي كالثكول

ما لراقد الوسنان مثـ

ل معذّب القلب العليـل

سهران من ألم وهـ

ذا نائم الليـل الطـويل

ذوقي اُميمـة ما أذو

ق وبعده ما شئت قولي

على انّ في ترتيب آثار الحزن بما أصاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تلك الفجائع ، وحلّ بساحته من هاتيك القوارع حكماً توجب التعبّد بترتيب آثار الحزن بسببها على كلّ حال ، والأدلة على ترتيب تلك الآثار في جميع الأعصار متوفّرة وستسمع اليسير منها ان شاء الله تعالى.

وقد علمت سيرة أهل المدينة الطيبة (١) واستمرارها على ندب حمزة وبكائه مع بعد العهد بمصيبته فلم ينكر عليهم في ذلك أحد حتى بلغني انّهم لا يزالون إلى

__________________

١ ـ مدينة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهي يثرب ، مساحتها نصف مكة ، وهي في حرّة سبخة الأرض ، ولها نخيل كثيرة ومياه ، والمسجد في نحو وسطها ، وقبر النبي في شرقي المسجد وللمدينة أسماء كثيرة ، منها : طيبة ويثرب والمباركة. انظر : معجم البلدان ٥ : ٨٢.

٤٩

الآن إذا ناحوا على ميّت بدأوا بالنياحة عليه ، وما ذاك الامواساة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمصيبته في عمّه ، وأداءاً لحقّ تلك الكلمة التي قالها في البعث على البكاء عليه وهي قوله : « لكنّ حمزة لا بواكي له ».

وكان الأولى لهم ولسائر المسلمين مواساته في الحزن على أهل بيته والاقتداء به في البكاء عليهم ، وقد لام بعض أهل البيت عليهم‌السلام من لم يواسيهم في ذلك ، فقال : يا لله لقلب لا ينصدع لتذكار تلك الاُمور ، ويا عجباً من غفلة أهل الدهور ، وما عذر أهل الاسلام والايمان في اضاعة أقسام الأحزان ، ألم يعلموا أنّ محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله موتور وجيع ، وحبيبه مقهور صريع.

قال وقد أصبح لحمه صلوات الله عليه مجرّداً على الرمال ، ودمه الشريف مسفوكاً بسيوف أهل الضلال : فياليت لفاطمة وأبيها عيناً تنظر إلى بناتها وبنيها ، وهم ما بين مسلوب وجريح ، ومسحوب وذبيح ... إلى آخر كلامه.

ومن وقف على كلام أئمة أهل البيت عليهم‌السلام في هذا الشأن ، لا يتوقّف في ترتيب آثار الحزن عليهم مدى الدوران ، لكنّا منينا بقوم لا ينصفون ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٥٠

المطلب الخامس

في الانفاق عن الميّت في وجوه البر والاحسان

ويكفي في استحبابه عموم ما دلّ على استحباب المبرّات والخيرات على انّ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله ، دالان على الاستحباب في خصوص المقام ، وحسبك من فعله ، ما أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما (١) بطرق متعدّدة عن عائشة : ما غرت على أحد من نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ما غرت على خـديجة (٢) وما رأيتها ، ولكن كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يكثر ذكرها ، وربما ذبح الشاة ، ثمّ يقطعها أعضاء ، ثمّ يبعثها في صدائق خديجة ، فربما قلت له : كأن لم يكن في الدنيا الا خديجة ، فيقول : انّما كانت وكان لي منها ولد. (٣)

__________________

١ ـ البخاري باب تزويج النبي خديجة ، مسلم : باب فضائل خديجة.

٢ ـ خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ، من قريش ، زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة ، ولدت بمكة ، كانت ذا مال كثير وتجارة تبعث بها إلى الشام ، تستأجر الرجال ، فلمّا بلغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الخامسة والعشرين من عمره خرج في تجارة لها فعاد رابحاً ، تزوجها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل النبوّة ، دعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الإسلام ، فكانت أول نساء هذه الامة إسلاماً ، وكانت تصلّي مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سرّاً ، توفيت خديجة بمكّة لثلاث سنين قبل الهجرة.

انظر : الطبقات الكبرى ٨ : ٧ ـ ١١ ، صفة الصفوة ٢ : ٢ ، تاريخ الخميس ١ : ٣٠١ ، الأعلام ٢ : ٣٠٢.

٣ ـ صحيح البخاري ٤ : ٢٣١ باب تزويج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خديجة ، وج ٦ : ١٥٧ باب الغيرة.

٥١

قلت : وهذا يدلّ على استحباب صلة أصدقاء الميّت ، وأوليائه في الله عزّ وجل بالخصوص.

ويكفيك من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ما أخرجه مسلم في باب وصول ثواب الصدقة عن الميّت إليه ، من كتاب الزكاة ، في الجزء الأول من صحيحه بطرق متعدّدة ، عن عائشة : أنّ رجلاً أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا رسول الله إنّ اُمّي افتلتت (١) نفسها ولم توص ، [ وأظنّها لو تكلّمت تصدّقت ] ، أفلها أجر إن تصدّقت عنها؟

قال : نعم (٢).

ومثله : ما أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عباس في ص ٣٣٣ من الجزء الأول من مسنده ، من انّ سعد بن عبادة قال : انّ ابن بكر أخا بني ساعدة توفّيت أمّه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله انّ اُمّي توفّيت ، وأن غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدّقت بشيء عنها؟

قال : نعم.

قال : فإنّي أشهدك انّ حائط المخرف صدقة عليها (٣).

والأخبار في ذلك متضافرة ، ولا سيّما من طريق العترة الطاهرة. (٤)

__________________

١ ـ افتلتت ـ بالفاء ـ ، ونفسها ـ بالضم ـ نائب فاعل ، أو ـ بالنصب ـ مفعول به ؛ أي : ماتت فجأة.

٢ ـ شرح النووي لصحيح مسلم ـ بهامش ارشاد الساري ـ ٤ : ٣٧٧.

٣ ـ مسند أحمد ١ : ٣٣.

٤ ـ قال رحمه‌الله : وربّما كان المنكر عليه فيما تفعله من المبرات عن الحسين عليه‌السلام ، لا ، يقنع بأقوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا بأفعاله ، وانّما تقنعه أفعال سلفه وأفعالهم ، وحينئذ نحتجّ

٥٢

فصل

كلّ من وقف على ما سلف من هذه المقدّمة ، يعلم أنّه لا وجه للانكار علينا في مآتمنا المخصّة بسيد الشهداء عليه‌السلام ، ضرورة انّه لا تشتمل الافي تلك المطالب الخمسة ، وقد عرفت اباحتها بالنسبة إلى مطلق الموتى من كافة المؤمنين وما أدري ، كيف يستنكرون مآتم انعقدت لمواساة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وأسّست على الحزن لحزنه؟ أيبكي بأبي هو واُمّي قبل الفاجعة ، ونحن لا نبكي بعدها؟ ما هذا شأن المتأسّي بنبيّه ، والمقتصّ لأثره ، إنّ هذا الاخروج عن قواعد المتأسّين ، بل عدول عن سنن النبيّين.

ألم يرو الامام أحمد بن حنبل من حديث عليّ عليه‌السلام ، في ص ٨٥ من الجزء الأول من مسنده بالاسناد إلى عبد الله بن نجا ، عن أبيه انّه سار مع عليّ عليه‌السلام ، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفّين نادى : صبراً أبا عبد الله ، صبراً أبا عبد الله بشطّ الفرات.

قال : قلت : وما ذاك؟

قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله ، اغضبك أحد ، ما شأن عينيك تفيضان؟

__________________

عليه بما فعله الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأموي ، إذ مات لبيد بن ربيعة العامري الشاعر ، فبعث الوليد إلى منزله عشرين جزوراً ، فنحرت عنه ، كما نصّ عليه ابن عبد البر ، في ترجمة لبيد من الاستيعاب.

٥٣

قال : قام من عندي جبرئيل قبل ، فحدّثني إنّ الحسين يقتل بشط الفرات.

قال : فقال : هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟

قال : قلت : نعم ، فمدّ يده ، فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني إن فاضتا (١).

وأخرج ابن سعد ، كما في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر من الصواعق المحرقة لابن حجر ، عن الشعبي قال : مرّ عليّ رضي الله عنه بكربلاء (٢) عند مسيره إلى صفّين وحاذى نينوى ، فوقف وسال عن اسم الأرض ؛ فقيل : كربلاء ، فبكى حتى بلّ الأرض من دموعه.

ثم قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يبكي فقلت : ما يبكيك ( بأبي أنت وأمي )؟

قال : كان عندي جبرئيل آنفاً ، وأخبرني أنّ ولدي الحسين يقتل بشاطئ الفرات ، بموضع يقال له : كربلاء ... (٣). الحديث.

وأخرج الملأ ( كما في الصواعق أيضاً ) انّ علياً مرّ بموضع قبر الحسين عليه‌السلام فقال : ها هنا مناخ ركابهم ، وها هنا موضع رحالهم ، وها هنا مهراق دمائهم ، فتية من آل محمد ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليهم السماء

__________________

١ ـ مسند أحمد ٤ : ٢٤٢.

٢ ـ كربلاء ـ بالمدّ ـ : الموضع الذي قتل فيه الحسين عليه‌السلام في طرف البرية عند الكوفة.

روي : أنّه عليه‌السلام اشترى النواحي التي فهيا قبره من أهل نينوى والغاضرية بستّين ألف درهم ، وتصدّق بها عليهم ، وشرط عليهم أن يرشدوا إلى قبره ويضيّفوا من زاره ثلاثة أيام. انظر : معجم البلدان ٤ : ٢٤٩ ، مجمع البحرين ٥ : ٦٤١ ـ ٦٤٢.

٣ ـ الصواعق المحرقة : ١٩٣.

٥٤

والأرض (١). انتهى.

ومن حديث امّ سلمة (٢) قالت : كان عندي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ومعي الحسين ، فدنا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذته ، فبكى فتركته ، فدنا منه ، فأخذته فبكى فتركته ، فقال له جبرئيل : أتحبّه يا محمد؟!

قال : نعم.

قال : أما إنّ اُمّتك ، ستقتله وان شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها ، [ فبسط جناحيه ، فأراه منها ، ] فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وروى الماوردي الشافعي ، في باب انذار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بما سيحدث بعده ، من كتابه ( أعلام النبوّة ) عن عروة ، عن عائشة ، قالت : دخل الحسين بن علي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو يوحى إليه ، فقال

__________________

١ ـ قال رحمه‌الله : وهذا الحديث رواه أصحابنا ، بكيفية مشجية ، عن الباقر عليه الصلاة والسلام ، ورووه عن هرثمة ، وعن ابن عباس ، وان أردت الوقوف عليه ، فدونك ص ١٠٨ وما بعدها إلى ص ١١٢ من الخصائص الحسينية.

٢ ـ قال رحمه‌الله : كما نص عليه ابن عبد ربّه المالكي ، حيث ذكر مقتل الحسين في الجزء الثاني من العقد الفريد.

٣ ـ العقد الفريد ٥ : ١٣٢.

وللاطّلاع أكثر على روايات امّ سلمة في هذا الموضوع انظر : مجمع الزوائد ٩ : ١٩٠ ، الخصائص الكبرى ٢ : ١٢٤ ، الصراط السوي للشيخاني المدني : ٩١ ، جوهرة الكلام : ١١٨ ، ذخائر العقبى : ١٤٧ ، طرح التثريب للحافظ العراقي ١ : ٤٢ ، المواهب اللدنية ٢ : ١٩٥ ، نظم الدرر : ٢١٥. مسند أحمد ٣ : ٢٤٢ و ٢٦٥ ، دلائل النبوة لأبي نعيم ٣ : ٢٠٢ ، مختصر التذكرة للقرطبي : ١١٩ ، الصواعق المحرقة : ١١٥ ، ضوء الشمس ١ : ٩٧ ، كنز العمّال ٦ : ٢٢١ ، جوهرة الكلام : ١١٧ ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري ٢ : ٢٣٦ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ١٦٢.

٥٥

جبرئيل : انّ اُمّتك ستفتتن بعدك وتقتل ابنك هذا من بعدك ، ومدّ يده فأتاه بتربة بيضاء ، وقال في هذه يقتل ابنك اسمها الطف ، قال : فلمّا ذهب جبرئيل ، خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أصحابه والتربة بيده ، وفيهم : أبو بكر ، وعمر ، وعليّ ، وحذيفة (١) ، وعثمان (٢) ، وأبو ذر ، وهو يبكي فقالوا : ما يبكيـك يا رسول الله؟!

فقال : أخبرني جبرئيل : إنّ ابني الحسين يقتل بعدي بأرض الطف ، وجاءني بهذه التربة ، فأخبرني إنّ فيها مضجعه. (٣)

__________________

١ ـ حذيفة بن اليمان ، من أصحاب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان من المنقطعين إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام والعارفين بحقّه.

روى الحاكم في المستدرك ( ٣ : ٤٢٨ ح ٥٦٢٦ ) ... قال : لمّا حضر حذيفة الموت وكان قد عاش بعد عثمان أربعين ليلة قال لنا : أوصيكم بتقوى الله والطاعة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

٢ ـ في المصدر : وعمّار.

٣ ـ أعلام النبوّة : ٨٣ ، وانظر : كامل الزيارات : ٦١ ، أمالي الطوسي ١ : ٣٢١ ـ ٣٢٤ ، المنتخب للطريحي : ٦٣ و ٨٨ ، تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ـ ترجمة الإمام الحسين ـ : ١٦٧ و ١٨٣ ، تاريخ أبي الفداء ٢ : ٤٨ ، أخبار النحويين للسيرافي : ٨٩ ـ ٩٣ ، الكامل لابن الأثير ٥ : ٣٦٤ ، تاريخ ابن كثير ١١ : ٢٩ ـ ٣٠ ، تذكرة الحفّاظ للذهبي ٢ : ١٦٤.

أقول : ولا بدّ أن يكون الصحابة لمّا رأوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي لقتل ولده وتربته بيده ، وأخبرهم بما أخبره به جبرئيل من قتله ، وأراهم تربته التي جاء بها جبرئيل ، أخذتهم الرقّة الشديدة ، فبكوا لبكائه ، وواسوه في الحزن على ولده ، فإنّ ذلك ممّا يبعث على أشد الحزن والبكاء لو كانت هذه الواقعة مع غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والصحابة فكيف بهم معه؟! والظاهر انّ هذا أول مأتم أقيم على الحسين عليه‌السلام يشبه مآتمنا التي تقام عليه ، وكان الذاكر فيه للمصيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والمستمعون أصحابه.

٥٦

أخرج الترمذي (١) ـ كما في الصواعق وغيرها : ـ إنّ امّ سلمة رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( فيما يراه النائم ) باكياً ، وبرأسه ولحيته التراب فسألته ، فقال : قتل الحسين آنفاً.

قال في الصواعق : وكذلك رآه ابن عباس نصف النهار ، أشعث أغبر ، بيده قارورة ، فيها دم يلتقطه فسأله ، فقال : دم الحسين وأصحابه ، لم أزل أتتّعه منذ اليوم.

قال : فنظروا فوجدوه قد قتل في ذلك اليوم. (٢)

وأمّا صحاحنا فإنّها متواترة في بكائه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، على الحسين عليه‌السلام في مقامات عديدة ، يوم ولادته وقبلها (٣) ، ويوم السابع من مولده (٤) ، وبعده في بيت فاطمة (٥) ، وفي حجرته (٦) ، وعلى منبره (٧) ، وفي بعض أسفاره (٨) ، تارة يبكيه وحده يقبّله في نحره ، ويبكي ، ويقبّله في شفتيه

__________________

١ ـ سنن الترمذي ١٣ : ١٩٣.

٢ ـ الصواعق المحرقة : ١٩٣.

٣ ـ انظر : ذخائر العقبى : ١١٩ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ٨٧ ، الفصول المهمّة لابن الصبّاغ : ١٥٤ ، الخصائص الكبرى للسيوطي ٢ : ١٢٥.

٤ ـ انظر : المستدرك الصحيح ٣ : ١٧٦ ، دلائل النبوة ١ : ٢١٣ ، الصواعق المحرقة : ١١٥ ، الخصائص الكبرى ٢ : ١٢٥ ، الفصول المهمّة ١٥٤ ، كنز العمّال ٦ : ٢٢٣.

٥ ـ انظر : مقتل الخوارزمي ١ : ١٦٣ ، ذخائر العقبى ١٤٩ ، الصراط السوي للشيخاني المدني : ٩٣.

٦ ـ انظر : مجمع الزوائد ٩ : ١٩٠ ، الخصائص الكبرى ٢ : ١٢٤ ، الصراط السوي للشيخاني المدني : ٩١ ، جوهرة الكلام : ١١٨.

٧ ـ انظر : مسند احمد ٣ : ٢٤٢ ، و ٢٦٥ ، دلائل النبوة لأبي نعيم ٣ : ٢٠٢ ، طرح التثريب ١ : ٤١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٨٧ و ١٩٠.

٨ ـ انظر : مختصر التذكرة للقرطبي : ١١٩ ، الصواعق المحرقة : ١١٥ ، نظم الدرر : ٢١٧ ، ضوء الشمس ١ :

٥٧

ويبكي ، وإذا رآه فرحاً يبكي ، وإذا رآه حزناً يبكي ، بل صحّ انّه قد بكاه آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وموسى ، وعيسى ، وزكريا ، ويحيى ، والخضر ، وسليمان عليهم‌السلام ، وتفصيل ذلك كلّه موكول إلى مظانه من كتب الحديث.

وأمّا أئمّة العترة الطاهرة الذين هم كسفينة نوح (١) ، وباب حطّة (٢) ، وأمان أهل الأرض (٣) ، وأحد الثقلين (٤) اللذين لا يضلّ من تمسّك بهما ، ولا يهتدي

__________________

٩٧ ، المواهب للحافظ القسطلاني ٢ : ١٩٥ ، الخصائص الكبرى ٢ : ١٢٥ ، كنز العمّال ٦ : ٢٢١ ، جوهرة الكلام : ١١٧ ، شرح بهجة المحافل لعماد الدين العامري ٢ : ٢٣٦ ، مقتل الحسين للخوارزمي ١ : ١٦٢.

١ ـ مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٥٢ ، تلخيص المستدرك للذهبي : ٢٣٥ ، ينابيع المودّة : ٣٠ ، الصواعق المحرقة : ١٨٤ و ٢٣٤ ، اسعاف الراغبين : ١٠٩ ، فرائد السمطين ٢ : ٢٤٦ ح ٥١٩ ، كفاية الطالب : ٣٧٨ ، المعجم الصغير ٢ : ٢٢ ، حلية الأولياء ٤ : ٣٠٦ ، ذخائر العقبى : ٢٠.

٢ ـ صحيح مسلم ٢ : ٢٦١ ، مجمع الزوائد ٩ : ١٦٨ ، الصواعق المحرقة : ١٥٢ ، نظم الدرر : ٢٣٢ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، الاصابة ٢ : ١٥٢.

٣ ـ الصواعق المحرقة : ٩١ ، منتخب كنز العمّال ـ بهامش مسند أحمد ـ ٥ : ٩٣ ، ينابيع المودّة : ٢٩٨ ، جواهر البحار ١ : ٣٦١ ، ذخائر العقبى : ١٧ ، نظم الدرر : ١١٢ ، الجامع الصغير ٢ : ١٦١ ، الفتح الكبير ٣ : ٢٦٧ ، اسعاف الراغبين : ١٢٨ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٤٥١.

٤ ـ حديث الثقلين من الأحاديث المتواترة وقد أخرجه علماء السنّة في كتبهم من الصحاح والسنن منها : مسند أحمد بن حنبل ٣ : ١٤ و ١٧ وج ٤ : ٢٦ و ٥٩ وج ٥ : ١٨٢ و ١٨٩ ، صحيح مسلم ٤ : ١٨٧٤ ح ٣٧ ، سنن الترمذي ٢ : ٣٠٧ ، خصائص النسائي : ٣٠ ، ينابيع المودة : ب ٤ ص ٣٠ ، فرائد السمطين ٢ : ١٤٢ ح ٤٣٦ ـ ٤٤١ ، الصواعق المحرقة لابن حجر : ١٤٩ و ٢٢٨ ، مصابيح السنّة ٢ : ٢٧٨ ، نظم الدرر : ٢٣١ ، تفسير الخازن ١ : ٤٠ ، تفسير ابن كثير ٤ : ١١٣ ، مشكاة المصابيح ٣ : ٢٥٥ ، اسعاف الراغبين : ١٠٠ ، السيرة النبويّة لأحمد زيني دحلان المطبوع بهامش السيرة الحلبيّة ٣ : ٣٣٠ ، مناقب الإمام علي لابن المغازلي : ٢٣٦ ح ٢٨٤ ، الاتحاف بحبّ الأشراف : ٦ ، ذخائر العقبى : ١٦ ، كفاية الطالب : ٥٣ ، بحار الأنوار للمجلسي ٢٣ : ١٠٨ ح ١١ و ١٢ وص ١٣٤ ح ٧٢ ، وص ١٤٧ ح ١٠٩.

٥٨

إلى الله من صدّ عنهما فقد استمرت سيرتهم على الندوب والعويل ، وأمروا أوليائهم بإقامة مآتم الحزن ، جيلاً بعد جيل ، فعن الصادق عليه‌السلام ( فيما رواه ابن قولويه في الكامل ، وابن شهراشوب في المناقب وغيرهما ) انّ عليّ بن الحسين عليهما‌السلام ، بكى على أبيه مدّة حياته ، وما وضع بين يديه طعام الابكى ، ولا اُتي بشراب الابكى ، حتى قال له أحد مواليه : جعلت فداك ، يا ابن رسول الله إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، قال عليه‌السلام : « إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون » (١) [ إنّي لم اذكر مصرع بني فاطمة الاخنقتني العبرة ]. (٢)

وروى ابن قولويه ، وابن شهراشوب ايضاً ، وغيرهما أنّه لمّا كثر بكاؤه ، قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟

فقال له : ويحك ، إنّ يعقوب النبي عليه‌السلام كان له اثنا عشر ولداً ، فغيّب الله واحداً منهم ، فابيضّت عيناه من كثرة بكائه ، واحدودب ظهره من الغمّ ، وابنه حي في الدنيا ، وأنا نظرت إلى أبي وأخي وعمومتي وسبعة عشر من أهل بيتي مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني؟! (٣)

وعن الباقر عليه‌السلام قال : كان أبي ( علي بن الحسين صلوات الله عليه ) يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي عليه‌السلام دمعة حتى تسيل على خدّه ، بوّأه الله [ بها ] في الجنّة غرفاً يسكنها أحقاباً.

__________________

١ ـ سورة يوسف : ٨٦.

٢ ـ كامل الزيارات : ١٠٧ ح ١ ، المناقب لابن شهراشوب ٤ : ٦٠.

٣ ـ كامل الزيارات : ١٠٧ ح ١ ، المناقب لابن شهراشوب ٤ : ٦٢ ، بحار الأنوار ٤٥ : ٢٢٧.

٥٩

وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خده فينا ، لأذى مسّنا من عدوّنا في الدنيا بوّأه الله في الجنّة مبوأ صدق.

وأيّما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتى تسيل على خده ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار. (١)

وقال الرضا ( وهو الثامن من أئمة الهدى ، صلوات الله وسلامه عليهم ) :

إنّ المحرّم شهر كان أهل الجاهلية يحرّمون فيه القتال ، فاستحلّت فيه دماؤنا ، وهتكت فيه حرمتنا ، وسبيت فيه ذرارينا ونساؤنا ، واُضرمت فيه النار في مضاربنا ، وانتهب ما فيها من ثَقلنا (٢) ، ولم ترع لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حرمة في أمرنا.

انّ يوم الحسين أقرح جفوننا ، وأسبل دموعنا ، وأذلّ عزيزنا [ بأرض كرب وبلاء ، وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء ، ] فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يحطّ الذنوب العظام.

ثم قال عليه‌السلام : كان أبي إذا دخل شهر المحرّم لا يُرى ضاحكاً ، وكانت الكآبة تغلب عليه [ حتى تمضي عشرة أيّام منه ، ] فإذا كان يوم العاشر ان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، [ ويقول : هو اليوم الذي قُتل فيه الحسين عليه‌السلام ]. (٣)

__________________

١ ـ تفسير القمي ٢ : ٢٩١ ، كامل الزيارات : ١٠٠ ح ١ ، ثواب الأعمال : ١٠٨ ح ١.

٢ ـ الثقل : متاع السفر ، وكلّ شيء نفيس مصون.

٣ ـ أمالي الصدوق : ١١١ ح ٢ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٢٨٣ ح ١٧.

٦٠