المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي

المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة

المؤلف:

السيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي


المحقق: محمود البدري
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة المعارف الإسلاميّة
المطبعة: عترت
الطبعة: ١
ISBN: 964-6289-85-1
الصفحات: ٣٨٢

المطلب الأول

في البكاء

ولنا على ما اخترناه فيه ( مضافاً إلى السيرة القطعية ) فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله وتقريره ؛ أمّا الأول متواتر عنه في موارد عديدة :

منها : يوم اُحد ، إذ علم الناس كافة بكائه يومئذ على عمّه أسد الله واسد رسوله حتى قال ابن عبد البر في ترجمة حمزة (١) من استيعابه لمّا رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حمزة قتيلاً بكى ، فلمّا رأى ما مثّل به شهق. (٢)

وذكر الواقدي ( كما في أوائل الجزء الخامس عشر من نهج البلاغة (٣) للعلامة المعتزلي ) ، انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان يومئذ إذا بكت صفيّة يبكي ، وإذا نشجت ينشج (٤) قال : وجعلت فاطمة تبكي ، فلمّا [ بكت ] بكى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٥)

__________________

١ ـ حمزة بن عبد المطلب بن هاشم أبو عمارة ، سيد الشهداء ، استشهد سنة ٣ هـ ، عم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أحد صناديد قريش وسادتهم في الجاهلية والاسلام ، هاجر مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إلى المدينة ، حضر وقعة بدر وغيرها ، استشهد يوم اُحد ودفن في المدينة.

انظر : تاريخ الاسلام ١ : ٩٩ ، صفوة الصفوة ١ : ١٤٤ ، الأعلام ٢ : ٢٧٨.

٢ ـ الاستيعاب ١ : ٣٢٥.

٣ ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٣٨٧.

٤ ـ نشج الباكي ينشج نشيجاً : غُص بالبكاء في حلقه من غير انتحاب. القاموس المحيط ١ : ٢١٩.

٥ ـ قال رحمه‌الله : قد اشتمل هذا الحديث على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وتقريره ، فهو حجّة من

٢١

ومنها : يوم نعى زيداً وذا الجناحين وابن رواحة ، فيما أخرجه البخاري في الصفحة الثالثة من أبواب الجنائز من صحيحه (١).

وذكر ابن عبد البر في ترجمة زيد من استيعابه (٢) انّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بكى على جعفر (٣) وزيد وقال : أخواي ومؤنّساي ومحدّثاي.

ومنها : يوم مات ولـده ابـراهيم ، إذ بكى عليه فقال له عبد الرحمن بن عوف ( كما في صفحة ١٤٨ من الجزء الأول من صحيح البخاري ) وأنـت يا رسـول الله! (٤)

__________________

جهتين ، على انّ بكاء سيدة النساء عليها‌السلامكاف كما لا يخفى.

أقول : لانّ فعل الزهراء عليها‌السلام يكفي للاستدلال باعتباره حجّة في مثل هذا المقام ، إذ انّها معصومة ، وهي من الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، وانظر ما كتبه رحمه‌الله حول الزهراء في رسالته القيّمة ( الكلمة الغرّاء في تفضيل الزهراء عليها‌السلام).

١ ـ صحيح البخاري ٢ : ٣٨٤ ، صحيح مسلم ٥ : ٣١٧ ، وانظر : مسند أحمد ٢ : ٤٠.

٢ ـ الاستيعاب ٢ : ٦٥.

٣ ـ جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام ، يكنّى أبا عبد الله ، صحابي هاشمي من شجعانهم ، أوّل قتيل من الطالبيين في الاسلام ، ويكنّى أبا المساكين أيضاً ، وجعفر هو الثالث من ولد أبيه بعد طالب وعقيل ، وبعد جعفر علي عليه‌السلام ، وامّهم فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف ، استشهد سنة ٨ هـ ، حضر وقعة مؤتة ، فنزل عن فرسه وقاتل ، ثم حمل الراية وتقدّم صفوف المسلمين ، فقطعت يمناه ، فحمل الراية باليسرى ، فقطعت ايضا ، فاحتضن الراية إلى صدره وصبر حتى وقع شهيداً وفي جمسه نحو تسعين طعنة ورمية.

انظر : الإصابة ١ : ٢٣٧ ، البداية والنهاية ٤ : ٢٥٥ ، تهذيب التهذيب ٢ : ٩٨ ، أسد الغابة ١ : ٢٨٦ ، الطبقات الكبرى ٤ : ٢٢ ، حلية الأولياء ١ : ١١٤.

٤ ـ قال القسطلاني : أي اتبع الدمعة الاولى بدمعه اخرى أو اتّبع الكلمة الاولى المجملة وهو قوله : « انّها رحمة » بكلمة اخرى مفصّلة ، فقال : انّ العين تدمع ... الخ. انظر : ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ٢ : ٣٩٨.

٢٢

قال : يا ابن عوف ، انّها رحمة (١) ثم اتبعها ـ يعني عبرته ـ باخرى ، فقال : انّ العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول (٢) الاما يرضي ربّنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون. (٣)

ومنها : يوم ماتت إحدى بناته صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ جلس على قبرها ( كما في صفحة ١٤٦ من الجزء الأول من صحيح البخاري ) وعيناه تدمعان. (٤)

ومنها : يوم مات صبي لإحدى بناته ، إذ فاضت عيناه يومئذ ( كما في الصحيحين وغيرهما ) فقال له سعد : ما هذا ، يا رسول الله؟

__________________

١ ـ قال رحمه‌الله : لا يخفى ما في تسميتها رحمة من الدلالة على حسن البكاء في مثل المقام.

أقول : قوله صلى الله عليه وآله : انّها رحمة ؛ أي والرحمة نعم الفعل ، ونعمت الصفة ، وليس سخطاً لقضاء الله حتى تكون مذمومة ، وما كان ينبغي أن يقال لرسول الله صلى الله عليه وآله ذلك ، وهو القدوة في أقواله وأفعاله وسكوته ومقاله ، والله تعالى يقول : « وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » [ سورة الحشر : ٧ ].

٢ ـ قال رحمه‌الله : أراد بهذا انّ الملامة والاثم في المقام انّما يكونان بالقول الذي يسخط الرب عزّ وعلا ، كالاعتراض عليه والسخط لقضائه لا بمجرّد دمع العين وحزن القلب.

٣ ـ صحيح البخاري ٢ : ١٠٥.

وروي بأسانيد وألفاظ متفاوتة ، انظر : التعازي للمدائني : ١٤ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٦ ح ١٥٨٩ ، الكامل للمبرّد ٣ : ٢٦٣ ، العقد الفريد ٣ : ٢٣٤ ، دعائم الاسلام ١ : ٢٢٨ ح ٧٩٢ ، تحف العقول : ٣٧ ، بحار الانوار ٨٢ : ٩١ و ١٠٠ و ١٠١.

٤ ـ قال القسطلاني ( ارشاد الساري ٢ : ٤٢٥ ) : هي امّ كلثوم زوج عثمان.

وأخرج النسائي في سننه ( ١ : ٢٦٢ ) عن ابن عباس قال : لمّا حضرت بنت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صغيرة فأخذها فضمّها الى صدره ثم وضع يده عليها ، فقضت وهي بين يديه ، فبكت امّ أيمن فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، يا اُمّ أيمن ، أتبكين ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندك؟

فقالت : ما لي لا أبكي ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكي.

فقال : انّي لست أبكي ، ولكنّها رحمة.

٢٣

قال : هذه رحمة جعلها الله في قلوب [ من يشاء من ] عباده ، وإنّما يرحم الله من عباده الرحماء (١).(٢)

ومنها : ما أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين ، عن ابن عمر قال : اشتكى سعد فعاده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع جماعة من أصحابه فوجده في غشية فبكي.

[ قال : ] فلمّا رأى القوم بكاءه بكوا ... الحديث (٣). (٤)

والأخبار في ذلك لا تحضى ولا تستقصى (٥).

__________________

١ ـ قال رحمه‌الله : دلالة قوله : « وانّما يرحم الله من عباده الرحماء » على استحباب البكاء في غاية الوضوح كما لا يخفى.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ : ١٠٠ ، صحيح مسلم ٢ : ٦٣٥ ح ٩٢٣ ، سنن أبي داود ٣ : ١٩٣ ح ٣١٢٥ ، سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٦ ح ١٥٨٨ ، سنن النسائي ٤ : ٢٢ ، دعائم الاسلام ١ : ٢٢٨ ح ٧٩٤ ، مجمع الزوائد ٣ : ١٨ ، بحار الأنوار ٨٢ : ٩١.

٣ ـ قال رحمه‌الله : لا يخفى اشتماله على كل من فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تقريره ، فهو حجّة من جهتين.

أقول : ولكن عندما نقرأ بقية الحديث نجده حجّة من ثلاث جهات ؛ فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وقوله وتقريره.

٤ ـ أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال : اشتكى سعد بن عبادة شكوى له ، فأتاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص وعبد الله بن مسعود ، فلمّا دخل عليه فوجده في غاشية من أهله فقال : قد قضى؟ فقالوا : لا يا رسول الله ، فبكى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رأى القوم بكاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكوا ، فقال : ألا تسمعون انّ الله لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب ، ولكن يعذّب بهذا ـ وأشار إلى لسانه ـ أو يرحم. ( منه رحمه‌الله ).

٥ ـ انظر : سنن ابن ماجة ١ : ٥٠٦ ح ١٥٨٩ ، الكامل للمبرّد ٣ : ٢٦٣ ، العقد الفريد ٣ : ٢٣٤ ، التعازي للمدائني : ١٤.

٢٤

وأمّا قوله وتقريره فمستفيضان مواردهما كثيرة فمنها ما ذكره ابن عبد البر في ترجمة جعفر من استيعابه (١) قال :

لما جاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نعي جعفر (٢) أتى امرأته أسماء بنت عميس فعزّاها.

[ قال : ] ودخلت فاطمة وهي تبكي وتقول : واعماه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : على مثل جعفر فلتبك (٣) البواكي.

ومنها : ما ذكره ابن جرير (٤) وابن الأثير (٥) وصاحب العقد الفريد (٦) وجميع أهل السير (٧) ، وأخرجه الإمام أحمد بن حنبل من حديث ابن عمر في صفحة

__________________

١ ـ الاستيعاب ١ : ٣١٢.

٢ ـ قال رحمه‌الله : هذا الحديث مشتمل على تقريره صلى‌الله‌عليه‌وآله على البكاء وأمره به على انّ مجرّد صدوره من سيّدة النساء عليها‌السلامحجّة كما لا يخفى.

٣ ـ قال رحمه‌الله : هذا أمر منه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالبكاء ندباً على أمثال جعفر من رجال الاُمّة وحسبك به حجّة على الاستحباب.

٤ ـ تاريخ الطبري ٣ : ٢٧.

٥ ـ الكامل في التاريخ : ٢ : ١٣٢.

٦ ـ العقد الفريد ٢ : ٨٦.

٧ ـ قال علي بن برهان الدين الحلبي في السيرة الحلبيّة ١ : ٤٦٢ : وسمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نساء الأنصار يبكين على أزواجهنّ وأبنائهنّ وإخوانهنّ فقال : حمزة لا بواكي له ، وبكى صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ولعلّه لم يكن له بالمدينة زوجة ولا بنت ـ فأمر سعد بن معاذ نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة بين المغرب والعشاء ، وكذلك اُسيد بن خضير أمر نساءه ونساء قومه أن يذهبن إلى بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يبكين حمزة ـ إلى أن قال ـ : فلمّا رجع صلى‌الله‌عليه‌وآله من المسجد من صلاة المغرب سمع البكاء فقال : ما هذا؟ فقال : نساء الأنصار يبكين حمزة ، فقال : رضي الله عنكنّ وعن أولادكنّ ، وأمر أن ترد النساء إلى منازلهنّ ـ إلى أن قال ـ : وفي

٢٥

(٤٠) من الجزء الثاني من مسنده قال :

[ لمّا ] رجع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله [ من اُحد فجعلت نساء الأنصار يبكين على مَن قُتِل من أزواجهن فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ] ولكن حمزة لا بواكي له.

[ قال : ] ثمّ نام فاستنبه وهن يبكين.

[ قال : ] فهنّ اليوم إذا بكين يبد أن (١) بحمزة. (٢)

__________________

رواية : فلمّا ذهب ثلث الليل نادى بلال : الصلاة يا رسول الله ، فقام من نومه ، وخرج وهنّ على باب المسجد يبكين حمزة فقال لهن : ارجعن رحمكنّ الله ، لقد واسيتن معي ، رحم الله الأنصار ، فإن المواساة فيهم كما عملت قديماً ـ إلى أن قال ـ : وصارت الواحدة من نساء الأنصار بعد لا تبكي على ميّتها الابدأت بالبكاء على حمزة ثمّ بكت على ميّتها.

وأخرج كذلك عن ابن مسعود : ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله باكياً أشدّ من بكائه على حمزة ، وضعه في القبلة ، ثم وقف على جنازته وانتحب حتى نشق ـ أي شهق حتى بلغ الغشى ـ يقول : يا عمّ رسول الله ، وأسد الله ، وأسد رسول الله ، يا حمزة ، يا فاعل الخيرات ، يا حمزة ، يا كاشف الكربات ، يا ذابّ ، يا مانع عن وجه رسول الله.

( انظر : السيرة الحلبية ١ : ٤٦١ ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٣ : ٣٨٧ ).

أقول : هذا حال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عندما رأى حمزة شهيداً ، فكيف به صلوات الله عليه لو نظر إلى ما صنع بولده الحسين وأهل بيته عليهم‌السلام لكان ذلك المنظر أوجع لقلبه من منظر حمزة ويكون حاله كما قال القائل :

لو أنّ رسـول الله يبعـث نظـرة

لردّت إلى انسان عين مؤرّق

وهان عليـه يـوم حمـزة عمّـه

بيوم حسين وهو أعظم ما لقي

ونال شجـى من زينب لم ينله من

صفيّة إذ جاءت بدمع مرقرق

فكم بين من للخدر عادت مصـونة

ومن سيّروها في السبايا بحلّق

١ ـ كذا في الأصل ، والظاهر هو الصحيح ، وفي المصدر : يندبن.

٢ ـ مسند أحمد بن حنبل ٣ : ٢٦١.

٢٦

وفي ترجمة حمزة من الاستيعاب ، نقلاً عن الواقدي قال : لم تبك امرأة من الأنصار على ميّت بعد قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكن حمزة لا بواكي له » إلى اليوم الابدأت (١) بالبكاء على حمزة [ ثمّ بكت ميّتها ]. (٢)

وحسبك تلك السيرة في رجحان البكاء على من هو كحمزة وان بعُد العهد بموته.

ولا تنس ما في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكن حمزة لا بواكي له » من البعث على البكاء والملامة لهن على تركه ، وحسبك به وبقوله : « على مثل جعفر فلتبك البواكي » دليلاً على الاستصحاب.

وأخرج الإمام أحمد من حديث ابن عبّاس في صفحة (٣٣٥) من الجزء الأول من مسنده من جملة حديث ذكر فيه موت رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبكاء النساء عليها ، قال : فجعل عمر يضربهنّ بسوطه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : دعهن يبكين.

ثم قال : مهما يكن من القلب والعين فمن الله والرحمة [ ـ إلى أن قال ـ : ] ، وقعد على شفير القبر وفاطمة إلى جنبه تبكي ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يمسح عين فاطمة بثوبه رحمة لها. (٣)

وأخرج أحمد أيضاً من حديث أبي هريرة جاء فيه : انّه مرّ على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة معها بواك ، فنهرهنّ عمر ، فقال له رسول الله صلى الله

__________________

١ ـ كذا في المصدر ، وفي الأصل : لا بدأن ، وهو تصحيف.

٢ ـ الاستيعاب ١ : ٢٧٥.

٣ ـ مسند أحمد ١ : ٣٣٥ ، مشكاة المصابيح ١ : ٥٤٨ ح ١٧٤٨ ، مجمع الزوائد ٣ : ١٧ ، كنز العمّال ١٥ : ٦٢١ ح ٤٢٤٧٦.

٢٧

عليه وآله : دعهنّ ، فإنّ النفس مصابة ، والعين دامعة ، [ والعهد قريب ]. (١)

إلى غير ذلك ممّا لا يسعنا استيفاؤه.

وقد بكى يعقوب ، إذ غيّب الله ولده : « وقال يا أسفا على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم » (٢) ، حتى قيل ـ كما في تفسير هذه الآية من « الكشاف » ـ : ما جفّت عيناه من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاماً ، وما على وجه الأرض أكرم على الله منه.

وعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ كما في تفسير هذه الآية من « الكشاف » أيضاً ـ : أنّه سئل جبرئيل عليه‌السلام : ما بلغ من وجد يعقوب على يوسف؟

قال : وجد سبعين ثكلى.

قال : فما كان له من الأجر؟

قال : أجر مائة شهيد (٣) ، وما ساء ظنّه بالله ساعة قطّ (٤).

__________________

١ ـ مسند أحمد ٢ : ٣٣٣ ، وانظر : سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٦٣.

أقول : قوله : « والعهد قريب » لا يدل ّعلى عدم الجواز مع بعد العهد ، فإنّه بمنزلة التعليل لصعوبة الصبر مع قرب العهد ؛ أي لو كان العهد بعيداً لهان عليهنّ ترك البكاء ، وان كان جائزاً أيضاً ، فلا يدل ّعلى اختصاص الجواز بقرب العهد ، مع انّ مثل مصيبة الحسين عليه‌السلام وما اشتملت عليه من الفظاعة التي لم يسبق لها مثيل كلّما بعُد عهدها فهو قريب ، وكما قال القائل :

وفجائع الأيّام تبقى مدّة

وتزول وهي إلى القيامة باقية

٢ ـ سورة يوسف : ٨٤.

٣ ـ قال رحمه‌الله : هذا كالصريح في استحباب البكاء ، إذ ليس المستحب الا ما يترتب الثواب على فعله كما هو واضح.

٤ ـ الكشاف ٢ : ٤٥٠ ، تفسير الطبري ١٣ : ٣٢ ، غرائب القرآن ـ بهامش تفسير الطبري ـ ١٣ : ٤٢ ، تفسير

٢٨

قلت : أيّ عاقل يرغب عن مذهبنا في البكاء بعد ثبوته عن الأنبياء « ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلا من سفه نفسه » (١).

وأمّا ما جاء في الصحيحين (٢) : من انّ الميّت يعذّب لبكاء أهله عليه.

وفي رواية : ببعض بكاء أهله عليه.

وفي رواية : ببكاء الحيّ.

وفي رواية : يعذب في قبره بما نيح عليه.

وفي رواية : من يبك عليه يعذّب. فانّه خطأ من الراوي بحكم العقل والنقل.

قال الفاضل النووي : هذه الروايات كلّها من رواية عمر بن الخطّاب وابنه عبد الله. (٣)

قال : وأنكرت عائشة (٤) عليهما ونسبتهما إلى النسيان والاشتباه ، واحتجّت

__________________

الرازي ٥ : ٢٣٨.

١ ـ سورة البقرة : ١٣٠.

٢ ـ صحيح البخاري ١ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ١ : ٣٥٩ و ٤ : ٢٥٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٧٣ ، سنن النسائي ١ : ٢١٣.

٣ ـ صحيح مسلم ٥ : ٣١٨.

٤ ـ هي زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله واُمّ المؤمنين ، تزوّجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في السنة الثانية أو الثالثة للهجرة وتوفّي عنها وهي ابنة ثماني عشرة سنة على أشهر الأقوال.

ولقب ام المؤمنين هذا لا يختصّ بعائشة ، فهو يطلق على كلّ امرأة تزوّجها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فيُقال امّ المؤمنين خديجة ، وامّ المؤمنين حفصة ... الخ.

وقد لعبت عائشة دوراً كبيراً في التاريخ الاسلامي ، فهي أوّل امرأة تقود جيشاً كبيراً لمحاربة خليفة المسلمين ، انّها عصت أمر الله وأمر رسوله لها بالذات وخرجت فقادت حرب

٢٩

بقوله تعالى : « ولا تزر وازرة وزر اُخرى » (١) ... الخ. (٢)

قلت : وأنكر هذه الروايات أيضا عبد الله بن عبّاس (٣) واحتجّ على خطأ

__________________

الجمل المشؤومة التي انتهكت فيها المحارم ، وقتلت الأبرياء وخانت العهد في الكتاب الذي كتبته مع عثمان بن حنيف وعندما جاؤوها بالرجال مكتّفين أمرت بضرب أعناقهم صبراً ، وكأنّها لم تسمع قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : « سباب المؤمن فوس وقتاله كفر ».

وقد سجّل لها التاريخ كُرهاً وبغضاً للإمام علي لم يعرف له مثيل وصل بها إلى حدّ أنّها لا تطيق ذكر اسمه ولا تطيق رؤيته ، وعندما تسمع بأنّ الناس قد بايعوه بالخلافة بعد قتل عثمان تقول : وددت لو أنّ السماء انطبقت على الأرض قبل أن يليها ابن أبي طالب ، وتعمل كلّ جهودها للإطاحة به ، وتقود ضدّه عسكراً جرّراراً لمحاربته ، وعندما ياتيها خبر موته تسجد شكراً لله! ( انظر : صحيح البخاري ١ : ١٦٢ وج ٣ : ١٣٥ وج ٥ : ١٤٠ ).

١ ـ سورة الأنعام : ١٦٤ ، سورة الاسراء : ١٥ ، سورة فاطر : ١٨ ، سورة الزمر : ٧.

٢ ـ أخرج النسائي ومسلم ومالك في الموطأ : انّ عائشة لمّا بلغها رواية ابن عمر : انّ الميّت ليعذّب ببكاء أهله ونحوه ، قالت : مرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبر فقال : إنّ صاحب القبر ليعذّب ، وانّ أهله يبكون عليه ، وقرأت : « ولا تزر » الآية. أو قالت : انّه لم يكذب ، ولكن نسي أو أخطأ ، انّما مرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على يهودية يبكى عليها فقال : انّهم ليبكون عليها وانّها لتعذّب في قبرها. أو قالت : انّه سمع شيئاً فلم يحفظ ، انّما مرّت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جنازة يهودي وهم يبكون عليه فقال : أنتم تبكون عليه ، وانّه ليعذّب. أو قالت : وهل انّما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انّه ليعذّب بخطيئته وبذنبه ، وانّ أهله ليبكون عليه الآن. أو قالت ـ لمّا ذكر لها حديث من يبكي عليه يعذّب ـ : انّما كان اولئك اليهود. أو لمّا بلغها قول عمر وابنه قالت : انكم لتحدّثون عن غير كاذبين ولا مكذّبين ، ولكن السمع يخطئ.

انظر : سنن النسائي ١ : ٢١٣ ، صحيح مسلم ٤ : ٢٥٧ ، الموطأ ١ : ١٠٧ ، والتردد في هذه الأقوال من الراوي.

٣ ـ عبد الله بن العبّاس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ، أبو العباس ، حبر الاُمّة ، صحابي جليل ، ولد بمكة ونشأ في بدء عصر النبوّة ، لازم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وروى عنه ، وشهد مع علي عليه‌السلام الجمل وصفّين ، كفّ بصره في آخر عمره ، فسكن الطائف وتوفي

٣٠

راويها ، والتفصيل في الصحيحين وشروحهما ، وما زالت عائشة وعمر في هذه المسألة على طرفي نقيض حتى أخرج الطبري (١) في حوادث سنة ١٣ من تاريخه بالإسناد إلى سعيد بن المسيب قال : لمّا توفّي أبو بكر أقامت عليه عائشة النوح ، فأقبل عمر بن الخطاب حتى قام ببابها فنهاهن عن البكاء على أبي بكر ، فأبين أن ينتهين ، فقال عمر لهشام بن الوليد : ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة. فقالت عائشة لهشام حين سمعت ذلك من عمر : انّي أحرج عليك بيتي. فقال عمر لهشام : ادخل فقد أذنت لك ، فدخل هشام وأخرج امّ فروة اُخت أبي بكر إلى عمر فعلاها بالدرّة ، فضربها ضربات ، فتفرّق النوح حين سمعوا ذلك.

قلت : كأنّه لم يعلم تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله نساء الأنصار على البكاء على موتاهنّ ، ولم يبلغه قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « لكن حمزة لا بواكي له » ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « على مثل جعفر فلتبك البواكي » ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما يرحم الله من عباده الرحماء ».

ولعله نسي نهي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله اياه عن ضرب البواكي يوم ماتت رقية بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، نسي نهيه إيّاه عن انتهارهن في مقام آخر مرّ عليك آنفاً. (٢)

ثمّ إذا كان البكاء على الميّت حراماً ، فلماذا أباح لنساء بني مخزوم أن

__________________

بها سنة ٦٨ هـ.

انظر : الإصابة ترجمة رقم ( ٤٧٧٢ ) ، صفة الصفوة ١ : ٣١٤ ، حلية الأولياء ١ : ٣١٤ ، نسب قريش : ٢٦ ، الأعلام ٤ : ٩٥.

١ ـ تاريخ الاُمم والملوك ٢ : ٤٩ ( وفاة أبو بكر ).

٢ ـ انظر مسند أحمد بن حنبل ١ : ٣٣٥ و ٢ : ٣٣٣ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٤٧ ، العقد الفريد ٢ : ٤٧.

٣١

يبكين على خالد بن الوليد (١) حتى ذكر محمد بن سلام ـ كما في ترجمة خالد من الاستيعاب (٢) ـ انّه لم تبق امرأة من بني المغيرة الاوضعت لمّتها ـ أي حلق رأسها ـ على قبر خالد ، وهذا حرام بلا ارتياب ، والله أعلم. (٣)

__________________

١ ـ بل انّ عمر بكى وحزن على أخيه زيد ورثاه ، ففي الإصابة ( ١ : ٥٦٥ و ٦٤٣٢ ) في ترجمة زيد بن الخطاب : انّه لمّا قُتل باليمامة حزن عليه عمر حزناً شديداً.

وفي الاستيعاب ( ١ : ٥٤٣ ) بسنده عن ابن جابر قال : قال لي عمر بن الخطاب : ما هبّت الصبا الاوأنا أجد منها ريح زيد.

وقد بكى عمر أيضاً على النعمان بن مقرن حين قتل في فتح نهاوند واضعاً يده على رأسه علامة على شدّة الحزن وعظيم المصاب. ففي الاستيعاب ( ٣ : ٥٤٧ ) في ترجمة النعمان : ولمّا جاء نعيه عمر بن الخطاب ، خرج فنعاه إلى الناس على المنبر ، ووضع يده على رأسه يبكي!

٢ ـ الاستيعاب ـ بهامش الاصابة ـ ٣ : ٣٩٧. وانظر : صحيح البخاري ١ : ١٦٧ ( باب ما يكره من النياحة ) ، النهاية لابن الأثير ٥ : ١٠٩ ، العقد الفريد ٢ : ٧٦.

٣ ـ فقد روى البخاري في صحيحه ( ١ : ١٥٥ ، كتاب الجنائر ) : إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برئ من الحالقة ، وكذا روى النسائي في سننه ( ١ : ٢١٧ ).

٣٢

المطلب الثاني

في رثاء الميّت بالقريض

ويظهر من القسطلاني في شرح [ صحيح ] البخاري (١) انّ الجماعة يفصّلون القول فيه ، فيحرمون ما اشتمل منه على مدح الميّت وذكر محاسنه ، الباعث على تحريك الحزن وتهييج اللوعة ، ويبيحون ما عدا ذلك ، والحقّ اباحته مطلقاً ، إذ لا دليل هنا يعدل بنا عن مقتضى الأصل ، والنواهي التي يزعمونها انّما يستفاد منها الكراهة في موارد مخصوصة على انّها غير صحيح بلا ارتياب.

وقد رثى آدم عليه‌السلام ولده هابيل ، واستمرت على ذلك ذرّيّته إلى يومنا هذا بلا نكير. (٢)

وأقرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أصحابه عليه مع اكثارهم من تهييج الحزن به ، وتفنّنهم بمدائح الموتى فيه ، وتلك مراثيهم منتشرة في كتب الأخبار ،

__________________

١ ـ ارشاد الساري ٣ : ٢٩٨ ( باب رثاء النبي سعد بن خولى ).

٢ ـ قال الطبي في تاريخه ( ١ : ٣٧ ) ما لفظه :

وذكر انّ قابيل لمّا قتل أخاه هابيل بكاه آدم فقال فيما حدّثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة ، عن غياث بن إبراهيم ، عن أبي إسحاق الهمداني قال : قال علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه : لمّا قتل ابن آدم أخاه بكاه آدم فقال :

تغيّرت البلاد ومَن عليها

فلون الأرض مغبّر قبيح

تغيّر كل ذي طعم ولون

وقلّ بشاشة الوجه المليح

٣٣

فراجع الاستيعاب إن أردت بعضها أحوال سيد الشهداء حمزة (١) ، وعثمان بن مظعون (٢) ، وسعد بن معاذ (٣) ، وشمّاس بن عثمان بن الشريد (٤) ، والوليد بن الوليد

__________________

١ ـ الاستيعاب ١ : ٣٢٥.

٢ ـ جاء في الاستيعاب ( ٣ : ٨٩ ) أنّه لمّا مات عثمان بن مظعون رثته امرأته فقالت :

يا عيـن جودي بدمع غير ممنون

على رزية عثمـان بن مظعـون

على امرئ كان في رضوان خالقه

طوبى له من فقيد الشخص مدفون

طاب البقيـع له سكنى وغرقـده

واشرقت أرضـه من بعـد تفتين

وأورث القلب حزناً لا انقطاع له

حتى الممات وما ترقـى له شوني

وقد أخرج ابن ماجة في سننه ( ١ : ٣٢٩ ، باب ما جاء في تقبيل الميّت ) ، عن عائشة قالت : قبّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عثمان بن مظعون وهو ميّت ، فكأني انظر إلى دموعه تسيل على خدّيه.

وقال محمد بن عبد الهادي المعروف بالسندي في الحاشية : قوله : على خدّيه ؛ أي خدّي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو خدّي عثمان ، ويؤيّد الثاني ما جاء : حتى سالت دموع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على وجه عثمان ، والله تعالى أعلم.

٣ ـ أورد ابن هشام في سيرته ( ٤ : ٢٩٦ ) ، عن ابن إسحاق قال : قال حسّان بن ثابت يبكي سعد بن معاذ :

لقد سجمت من دمع عيني عبرة

وحُقّ لعينـي أن تفيـض على سعد

قتيل ثوى في معرك فجعت به

عيون ذواري الدمـع دائمـة الوجد

على ملّة الـرحمن وارث جنّةٍ

مع الشهداء وفـدها أكـرم الوفـد

فإن تك قد ودّعتـنـا وتركتنا

وأمسيت في غبـراء مظلمـة اللحد

فأنت الذي يا سعد أبتّ بمشهد

كريم وأثـواب المكارم والحـمـد

بحكمك في حيّي قريظة بالذي

قضى الله فيهم ما قضيت على عمد

٤ ـ قالت نُعم تبكي زوجها شمّاس بن عثمان الذي اُصيب يوم اُحد :

يا عين جودي بفيض غير إبساس

علـى كريـم من الفتيـان لبـّاس

صعب البديهـة ميمـون نقيبتـه

حمـّال ألـويـة رَكّـاب أفـراس

أقول لمّا أتى الناعـي له جـزعاً

أودى الجواد وأودى المُطعم الكاسي

وقلت لمّا خلـت منه مجـالسـه

لا يُبعـد الله عنّـا قـرب شمـّاس

٣٤

ابن المغيرة (١) ، وأبي خراش الهذلي (٢) ، وأياس بن البكير الليثي (٣) ، وعاتكة بنت

__________________

فأجابها أخوها أبو الحكم بن سعيد بن يربوع فقال :

اقني حيـاءك في ستر وفي كرم

فإنّما كان شمّـاس مـن النـاس

لا تقتلي النفـس إذ حانـت منيته

في طاعة الله يوم الروع والباس

قد كان حمزة ليث الله فاصطبري

فذاق يومئذٍ من كـأس شمّـاس

انظر : سيرة ابن هشام ١٦٨ : ٣ ، الاصابة ٩٧ : ٢.

١ ـ قالت امّ سلمة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تبكي الوليد بن الوليد بن المغيرة :

ايا عين فابكـي الوليـ

ـد بن الوليـد بـن المغيرة

قد كان غيثاً في السنيـ

ـن ورحمة فينـا وميـرة

ضخم الدسيعـة ماجداً

يسمو إلى طلـب الوتيـرة

مثل الوليد بـن الوليـ

ـد أبي الوليد كفى العشيرة

انظر : الاستيعاب ٣ : ٦٣٠.

٢ ـ هو خويلد بن مرّة أبو خرّاش الهذلي ، كان في الجاهلية من فتّاك العرب ثم أسلم ، وكان يعدو على قدميه فيسبق الخيل ، قال وهو يرثي أخاه أو ابن عمّه زهيراً الذي قتله جميل بن معمّر الجمحي أسيراً يوم حنين ؛ وقيل : قاله في أخيه عروة بن مرّة :

فجع أضيافـي جميـل بـن معمّر

بذي مفخر تـأوي إليـه الأرامل

طويل نجاد السيـف ليـس بحيدر

إذا اهتزّ واسترخت عليه الحمائل

إلى بيته يأوي الغـريـب إذا شتا

ومهتلك بالـي الـدريسين عائل

تـكـاد يـداه تـسلّـمـا رداءه

من الجود لما استقبلته الشمـائل

فأقسم لو لاقيته غيـر مـوثـّق

لآبك بالجزع الضيـاع النواهل

وانّـك لـو واجهتـه ولقيـتـه

فنازلته وكنـت ممّـن ينـازل

لكنت جميل أسوأ الناس صرعة

ولكن أقـران الظهور مقـاتـل

فليس كعهد الـدار يـا اُمّ مالك

ولكن أحاطـت بالرقاب السلاسل

وعاد الفتى كالكهـل ليس بقائل

سوى الحق شيئاً فاستراح العواذل

انظر : الاستيعاب ٤ : ١٨٤.

٣ ـ قال أياس بن البكير يرثي زيد بن الخطاب :

ألا يا ليت اُمّي لم تلدني

ولم أك في الغزاة لدى البقيع

٣٥

زيد بن عمرو بن نفيل (١) ، وغيرهم (٢).

ولاحظ من الاصابة أحوال ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب (٣) ، وأبي

__________________

ولم أر مصرع ابن الخير زيد

وهدّتـه هنالك من صريع

هو الرزء الذي عظمت وجلّت

مصيبته على الحي الجميع

انظر : الاستيعاب ١ : ١٠٢.

١ ـ وهي التي تزوجت بعدّة أزواج فقتلوا ؛ فقيل عنها : من أحبّ الشهادة فليتزوج عاتكة؟

قالت وهي ترثي زوجها عبد الله بن أبي بكر المقتول في وقعة الطائف :

رزئت بخير الناس بعـد نبيـّهـم

وبعـد أبـي بكـر وما كان قصرا

فآليـت لا تنفـكّ عينـي حـزينة

علـيـك ولا ينفـكّ جلـدي أغبرا

فلله عيناً من رأى مثـلـه فـتـى

أكرّ واحمـى في الهيـاج واصبرا

إذا شرعت فيه الاسـنة خاضهـا

إلى الموت حتى يترك الرمح احمرا

انظر : الاستيعاب ٤ : ٣٦٥.

٢ ـ كمراثي الخنساء لأخويها صخر ومعاوية ، ورثاء متمّم بن نويرة وغيره أخاه مالكاً الذي قتله خالد بن الوليد ، والمراثي التي قيلت في الإمام الحسين عليه‌السلام من يوم شهادته عليه‌السلام إلى اليوم.

٣ ـ الاصابة ١ : ٢٣٧.

قال حسّان بن ثابت الأنصاري يرثي جعفر بن أبي طالب وأصحاب مؤتة :

فلا يُبعـدن الله قتـلـى تتـابعوا

بمؤتة منهم ذو الجنـاحيـن جعفر

فطاعـن حتـى مـال غير موسّد

بمعـتـركٍ فيـه قـنـا متكسـّر

فصار مع المستشـهـدين ثـوابه

جنان وملتـفّ الحـدائق أخضـر

وكنّا نرى في جعفـر مـن محمد

وفاء وأمراً حازمـاً حيـن يـأمر

فما زال في الإسلام من آل هاشم

دعائـم عـزّ ولا تـزول ومفخر

بهاليل منهم جعفـر وابـن اُمـّه

علـي ومنـهـم أحمـد المتخيـر

وحمزة والعبـّاس منهـم ومنهم

عقيل وماء العود من حيث يُعصر

بهم تُفرج اللأواء في كلّ مأزق

عماسٍ إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أوليـاء الله أنـزل حـكمه

عليهم وفيهـم ذا الكـتاب المطهّر

٣٦

زُبَيد الطائي (١) ، وأبي سنان بن حريث المخزومي (٢) ، والأشهب بن رميلـة الدارمي (٣) ، وزينب بنت العوام (٤) ، وعبد الله بن عبد المدان الحارثي (٥) ، وجماعة

__________________

انظر : السيرة النبوية لابن هشام ٤ : ٣٨٤ ـ ٣٨٥.

١ ـ في الأصل : أبو زيد الطائي ، وهو تصحيف ، وما أثبتناه هو الصحيح.

وهو حرملة بن منذر ، ويقال : المنذر بن حرملة بن معد بن يكرب بن حنظلة الطائي ، قال يرثي الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام لما مات :

إنّ الكرام علـى ما كان من خُلق

رهط امرئ جامع للدين مختار

حبّ بصير بأصناف الرجال ولم

يعدل بخيـر رسول الله أخيار

انظر : الاصابة ترجم رقم « ٩٩٧١ ».

٢ ـ قال أبو سنان بن حريث المخزومي وهو يرثي شمّاس بن عثمان وهو زوج ابنته :

اقني حيائك فـي ستـر وفي خفر

فإنّما كـان عثمـان من الناس

لا تقتلي النفس إذ حانـت منيّـته

في طاعة الله يوم الروع والباس

قد كان حمزة ليث الله فاصطبري

قد ذاق ما ذاق عثمان بن شمّاس

انظر : الاصابة ٢ : ٩٧.

٣ ـ قال الأشهب بن رميلة الدارمي يرثي أخاه رباب بن رميلة :

أعيني قلت عبرة من أخيكما

بأن تسهرا الليل التمـام وتجزعا

وباكية تبكـي ربـاباً وقائل

جزى الله خيراً ما أعـفّ وأمنعا

فلو كان قلبي من حديد أذابه

ولو كان من صمّ الصفا لتصدّعا

انظر : الاصابة ١ : ٤٩٤.

٤ ـ هي زينب بن العوام بن خُويلد بن أسد القرشية الأسدية ، اُخت الزبير بن العوام ، شاعرة صحابية ، أسلمت قديماً وبقيت وعاشت إلى أن قُتل ابنها عبد الله بن حكيم يوم الجمل ، فرثته وذكرت حاله. انظر : الإصابة ترجمة رقم « ١١٢٤٩ » ، أعلام النساء : ١٠١.

٥ ـ قال ابن حجر في الاصابة ( ٣ : ١٥٦ ) : كان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب صاهر عبد الله بن عبد المدان ـ وهو من الصحابة ـ على ابنته ، فلمّا أمّره عليّ عليه‌السلام على اليمن ، وسار بسر بن أرطأة إليها من قبل معاوية خرج عنها عبيد الله واستخلف عليها صهره هذا ، فقتله بسر وابنه مالكاً وولدي عبيد الله ابني اُخت مالك ، فقال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يرثي عبد الله بن المدان وابنه مالكاً وكانا صديقين له :

٣٧

آخرين لا تحضرني أسماؤهم ، ودونك كتاب الدرة في التعازي والمراثي ، وهو في أول الجزء الثاني من العقد الفريد (١) تجد فيه مراثي الصحابة ومن بعدهم شيئاً كثيراً ، وليس شيء ممّا أشرنا إليه الا وقد اشتمل على ما يهيج الحزن ويجيد اللوعة بمدح الميّت وذكر محاسنه.

ولمّا توفّي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تنافست فضلاء الصحابة في رثائه ، فرثته سيدة نساء العالمين عليها‌السلامبأبيات تهيج الأحزان ، ذكر القسطلاني في ارشاد الساري (٢) بيتين منها وهما قولها عليها‌السلام:

ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ

أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا (٣)

صُبّت عليَّ مصائب لو أنّها

صُبّت على الأيّام صرن لياليا

ورثته أيضا بأبيات تثير لواعج الأشجان ذكر ابن عبد ربّه المالكي بيتين منها في العقد الفريد وهما :

إنّا فقدناك فَقـدَ الأرض وابلها

وغاب مُذ غِبت عنّا الوحي والكتب

فليت قبلك كان الموت صادفنا

لما نُعيـت وحالـت دونك الكُثب (٤)

__________________

ولولا أن تعنّفنـي قريش

بكيت على بني عبد المدان

فإنّهم أشدّ النـاس فجعـاً

وكلّهم لبيـت المجـد باني

لهم أبوان قد علمت يمان

على آبائهـم متقـدّمـان

١ ـ العقد الفريد ٢ : ٢٧.

٢ ـ صحيح البخاري ٢ : ٣٦٣ و ٣٩٠.

٣ ـ الغوالي : جمع غالية ، وهي الطيب.

٤ ـ العقد الفريد ٣ : ١٩٤.

وقال ابن الاثير في النهاية ( ٣ : ١٥٦ ) : انّ فاطمة قالت بعد موت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

٣٨

ورثته عمّته صفية بنت عبد المطلب (١) بقصيدة يائية ، ذكر ابن عبد البر في أحوال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من استيعابه جملة منها. (٢)

ورثاه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب (٣) بقصيدة لامية ذكر بعضها

__________________

قد كان بعـدك أنباء وهنبثة

لو كان شاهدها لم تكثر الخطب

إنّا فقدناك فقد الأرض وابلها

فاختلّ قومك فاشهدهم ولا تغب

وقالت أيضا ترثيه صلى‌الله‌عليه‌وآله كما أورده أحمد بن زيني دحلان في سيرته ( ٣ : ٣٩٢ ) :

إغبرّ آفاق السمـاء وكُوّرت

شمس النهار واظلم العصران

والأرض من بعد النبي كئيبة

أسفاً عليه كثيـرة الـرجفان

فليبكه شرق البـلاد وغربها

وليبكه مُضرّ وكـلّ يمـان

١ ـ انظر ترجمتها في : اُسد الغابة ٧ : ١٧٣ ، الطبقات الكبرى ٢ : ٣٣٠.

٢ ـ قالت صفيّة ترثي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

ألا يا رسـول الله كنـت رجاءنا

وكنت بنـا برّاً ولم تـك جافيا

وكنت رحيماً هـادياً ومعـلمـاً

ليبك عليك اليـوم من كان باكيا

لعمـرك ما أبكـي النبـيّ لفقده

ولكن لما أخشى من الهرج آتـيا

كأنّ على قلبـي لذكـر محمـد

وماخفت من بعـد النبي المكاويا

أفاطم صلـى الله رب محـمـد

على جدث أمسـى بيثـرب ثاويا

فداً لـرسـول الله اُمـّي وخالتي

وعمّي وآبائـي ونفسـي وماليا

صدقـت وبلغت الرسالة صادقاً

ومتّ صليب العود أبلـج صافيا

فلـو انّ ربّ الناس أبقـى نبيّنا

سعدنا ولكن أمـره كـان ماضيا

عليـك من الله السـلام تحيـة

وأخلدت جنّات من العـدن راضيا

أرى حسنـاً يتّـمـته وتركته

يبكي ويدعـو جـدّه اليـوم نائيا

انظر : الاستيعاب ـ بهامش الاصابة ـ ٤ : ٣١٢.

٣ ـ أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، أسلم يوم الفتح وحسن اسلامه ، فيقال انّه ما رفع رأسه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله حياء منه بعد الذي وقف من رسول الله قبل اسلامه ، وشهد أبو سفيان حنيناً وأبلى فيها بلاء حسناً ، وكان ممن ثبت ولم يفر يومئذ

٣٩

صاحبا الاستيعاب والاصابة في ترجمة أبي سفيان المذكور. (١)

ورثاه أبو ذؤيب الهذلي (٢) ـ كما يعلم من ترجمته في الاستيعاب والاصابة ـ بقصيدة حائية. (٣)

ورثاه أبو الهيثم (٤) بن التيهان بقصيدة داليّة أشار إليها ابن حجر في ترجمة

__________________

انظر ترجمته في الاستيعاب ٤ : ٨٤ ـ ٨٥ ، الاصابة ٤ : ٩٠.

١ ـ قال أبو سفيان بن الحارث يرثي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

أرّقت فبـات ليـلـي لا يزول

وليل أخي المصيبة فيه طول

فاسعـدنـي البكـاء وذاك فيما

اُصيب المسلمـون بـه قليل

لقد عظمت مصيبتـنـا وجلت

عشيّة قيل : قد قبض الرسول

وأضحت ارضنـا ممّا عراها

تكاد بنـا جـوانبهـا تميـل

فقدنا الـوحـي والتنـزيل فينا

يروح به ويغـدو جـبـرئيل

وذاك أحـقّ ما سـالـت عليه

نفوس النـاس أو كادت تسيل

نبـيّ كان يجلو الشـكّ عنّـا

بما يـوحـى إليه ومـا يقول

ويهـدينا فلا نخشى ضـلالاً

علينـا والرسـول لنـا دليـل

أفاطـم إن جزعت فذاك عذر

وإن لم تجـزعي ذاك السبيـل

فقبـر أبيـك سيّـد كـلّ قبر

وفيه سيّـد النـاس الرسـول

انظر : الاستيعاب ٤ : ١٣٤.

٢ ـ انظر ترجمته في الاستيعاب ٤ : ٩٧.

٣ ـ قال أبو ذؤيب الهذلي يرثي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله :

كسفت لمصرعه النجوم وبدرها

وتزعزعت آطام بطن الأبطح

وتزعزعـت أجبال يثرب كلّها

ونخيلها لحلـول خطب مفدح

انظر : الاستيعاب ٤ : ٩٨.

٤ ـ هو مالك بن التيهان أبو الهثيم الأنصاري : من السابقين ، وكان أحد الستّة الذين لقوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأوّل ما لقيه الأنصار ، والأول من بايعه ليلة العقبة ، شهد صفين واستشهد فيها.

وقيل : هو عبيد بن التيهان ؛ وقيل : عتيك بن التيهان الأنصاري ، شهد بدر واُحد ، وقيل : قتل في اُحد قتله عكرمة بن أبي جهل ، وقيل : بل قتل بصفين مع علي عليه‌السلام.

٤٠