القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي
المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١
هبيرة بن أبي وهب المخزومي ، فصلّى بالناس الغداة ، واحتمل علي عليهالسلام الى القصر. وادخل عليه عدو الله ابن ملجم.
فقال له علي عليهالسلام : أي عدو الله ألم احسن إليك؟
قال : نعم.
قال : فما حملك على ما صنعت؟
فأطرق.
فقال له علي عليهالسلام : لا أراك إلا مقتولا وصائرا الى النار ومن شر خلق الله (١).
[٧٩٤] وبآخر ، عن محمّد بن حنيف ، أنه قال : والله إني لاصلي في الليلة
__________________
(١) ولله درّ بكر بن حماد التاهرتي حيث قال :
قل لابن ملجم والأقدار غالبة |
|
هدمت ويلك للإسلام أركانا |
قتلت أفضل من يمشي على قدم |
|
وأول الناس إسلاما وإيمانا |
وأعلم الناس بالقرآن ثم بما |
|
سن الرسول لنا شرعا وتبيانا |
صهر النبي ومولاه وناصره |
|
أضحت مناقبه نورا وبرهانا |
وكان منه على رغم الحسود له |
|
مكان هارون من موسى بن عمرانا |
وكان في الحرب سيفا صارما ذكرا |
|
ليثا إذا لقي الأقران أقرانا |
ذكرت قاتله والدمع منحدر |
|
فقلت : سبحان ربّ العرش سبحانا |
إني لأحسبه ما كان من بشر |
|
يخشى المعاد ولكن كان شيطانا |
أشقى مراد إذا عدّت قبائلها |
|
وأخسر الناس عند الله ميزانا |
كعاقر الناقة الاولى التي جلبت |
|
على ثمود بأرض الحجر خسرانا |
قد كان يخبرهم أن سوف يخضبها |
|
قبل المنية أزمانا فأزمانا |
فلا عفا الله عنه ما تحمّله |
|
ولا سقى قبر عمران بن حطّانا |
لقوله في شقيّ ظل مختبلا |
|
ونال ما ناله ظلما وعدوانا |
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها |
|
إلاّ ليبلغ من ذي العرش رضوانا |
بل ضربة من شقي أوردته لظى |
|
مخلدا قد أتى الرحمن غضبانا |
التي ضرب فيها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام في المسجد في رجال كثير من أهل المصر ، كانوا يصلّون فيه لا يزالون الليل قياما وركعا وسجدا ، إذ خرج علي عليهالسلام كمثل ما كان يخرج لصلاة الغداة ، فجعل ينادي : أيها الناس ، الصلاة ، الصلاة.
حسب ما كان يفعل ، ليعلم المصلّون وقت صلاة الفجر قد دخل ، فما هو إلا أن قال ذلك حتى نظرت إذا بريق السيوف. وسمعت قائلا يقول : الحكم لله لا لك يا علي. وتحرك الناس ، وسمعت عليا عليهالسلام يقول : [ فزت وربّ الكعبة ]. لا يفوتكم الرجل.
فلم يكن همي إلا القصد إليه ، فرأيته قد غشاه الدم ، فلم ألبث أن اتي إليه بابن ملجم لعنه الله. وقد ادخل الى القصر ، ودخل معه من دخل من الناس ، فسمعته يقول :
النفس بالنفس ، إن هلكت فاقتلوه كما قتلني ، وإن بقيت رأيت فيه رأيي.
ودخلت فرأيت الحسن عليهالسلام ناحية ، وعدو الله مكتوفا بين يديه. وأم كلثوم بنت علي عليهالسلام تبكي ، فلما رأت ابن ملجم لعنه الله قالت : يا عدو الله إنه لا بأس على أبي ، والله يجزيك.
فقال لها عدو الله : فعلى من تبكين إذن؟ والله لقد اشتريته ـ يعني السيف الذي ضربه به ـ بألف ، وسممته بألف ، ولو كانت هذه الضربة بجميع أهل المصر ما بقي منهم أحد.
ودخل على علي عليهالسلام جندب بن عبد الله (١) رضياللهعنه ،
__________________
(١) واظنه جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي العلقي المعروف بجندب بن أم جندب المتوفى سنة ٦١ ه. ويقال له : جندب الخير ، وجندب العارف.
فقال : يا أمير المؤمنين ، فقدناك ـ ولا نفقدك إن شاء الله ـ فإلى من الأمر من بعدك؟
فدعا الحسن والحسين صلوات الله عليهما ، فقال :
اوصيكما بتقوى الله عزّ وجلّ ، ولا تأسيا على شيء من الدنيا زوي عنكما ، وعليكما بقول الحق ، ومواساة اليتيم ، وعون الضعيف ، ونصرة المظلوم ، وقمع الظالم ، اعملا بما في كتاب الله عزّ وجلّ ، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.
ثم نظر إلى محمّد بن الحنفية ، فقال له :
اوصيك بتقوى الله ، وتوقير أخويك لعظيم حقهما عليك ، وإيثار أمرهما.
ثم نظر إليهما ، فقال :
اوصيكما به ، فإنه أخوكما.
ثم قال للحسن عليهالسلام :
واوصيك يا بني بديا في ذات نفسك بتقوى الله ، واقام الصلاة لوقتها ، وإيتاء الزكاة عند محلها ، وحسن الوضوء فإنه لا صلاة إلا بطهور ، ولا تقبل الصلاة ممن منع الزكاة ، واوصيك بأن تغفر الذنب (١) ، وتكظم الغيظ ، وبصلة الرحم ، والحلم عن الجاهل ، والتفقه في الدين ، [ والتثبت في الأمر ] ، والتعاهد للقرآن ، وحسن الجوار ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر.
ثم قال : حفظكم الله أهل البيت وحفظ فيكم نبيكم وأستودعكم الله وأقرأ عليكم السّلام.
__________________
(١) وفي نسخة و: الذنوب.
[ وأخيرا ، ارتحل أبو الحسن ]
[٧٩٥] وبآخر ، عن الواقدي ، أنه قال : قتل أمير المؤمنين علي عليهالسلام ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان ، سنة أربعين ، وغسله الحسن والحسين عليهماالسلام وعبد الله بن جعفر (١) وكفن في ثلاثة أثواب ليس فيها قميص ، وصلّى عليه الحسن عليهالسلام ، وكبّر عليه سبع تكبيرات.
[ أحاديث في القاتل ]
[٧٩٦] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن جابر بن سمرة (٢) ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله لعلي عليهالسلام : يا علي ، من أشقى الأولين؟
قال : عاقر الناقة.
( أخذه من قوله الله عزّ وجلّ : (٣) ( إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها ) (٤).
قال : فمن أشقى الآخرين؟
قال : الله ورسوله أعلم.
قال : أشقى الآخرين قاتلك يا علي.
__________________
(١) وفي بحار الأنوار ٤٢ / ٢٥٤ اضاف : وكان عنده من بقايا حنوط رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فحنطوه بها.
(٢) هكذا صححناه وفي الاصل : جابر بن شمر ، وهو أبو خالد جابر بن سمرة بن عمرو بن جندب بن حجير السوائي توفي بالكوفة في ولاية بشر بن مروان عليها سنة ٧٤ وصلّى عليه عمرو بن حريث أيام المختار.
(٣) الشمس : ١٢.
(٤) ما بين القوسين زيادة من المؤلف لم تكن في الرواية.
[٧٩٧] يحيى بن سلام ، باسناده ، عن أبي الطفيل (١) ، قال : دعا علي عليهالسلام الناس الى البيعة ، فجاءه عبد الرحمن بن ملجم ، فرده ـ مرتين ـ. وبايعه في الثالثة. ثم قال له :
ما يحبس أشقاها ، والذي نفسي بيده لتخضبن هذه ـ وأومى الى لحيته ـ من هذا ـ وأومى الى رأسه ـ.
[٧٩٨] وبآخر ، عنه ، أن عليا عليهالسلام قسم مالا ، فجاءه ابن ملجم ، فأعطاه ، فقال :
اريد حياته (٢) ويريد قتلي |
|
عذيرك من خليلك من مراد |
[٧٩٩] عبد الله بن صالح ، باسناده ، عن زيد بن أسلم (٣) ، [ عن أبي سنان الدؤلي ] (٤) ، أنه قال : مرض علي عليهالسلام ، فدخلنا إليه نعوده.
فقال : اني ما أخشى الموت من مرض ، لأني سمعت الصادق المصدق ـ يعني رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ يقول لي : يا علي إنك ستضرب ضربة هاهنا ـ وأومى الى رأسه ـ يسيل دمها حتى تخضب لحيتك ، يكون صاحبها أشقى هذه الامة كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود.
[٨٠٠] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن ثعلبة بن يزيد ، قال : قال علي عليهالسلام : والذي نفسي بيده لتخضبن هذه ـ وأومى بيده الى لحيته ـ من هذا ـ وأومى بيده الى رأسه ـ.
__________________
(١) عامر بن وائلة بن عبد الله بن عمرو الليثي الكناني القرشي ولد يوم أحد ٣ هـ حمل راية علي عليهالسلام في بعض وقائعه ، توفي بمكة ١٠٠ هـ وهو آخر من مات من الصحابة.
(٢) وفي بعض المصادر : حباءه.
(٣) أبو عبد الله أو أبو اسامة زيد بن أسلم العدوي العمري فقيه مفسر من أهل المدينة توفي ١٣٦ ه.
(٤) من تاريخ دمشق ٣ / ٢٧٦ الحديث ١٣٦٣.
فلما اصيب وخضبت لحيته بالدم ، أخذها ، وقال : ألم أقل لكم إنها ستخضب.
[٨٠١] أبو غسان ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : إن هذه الامة ستغدر بك.
[ حبّك يا أمير المؤمنين ]
[٨٠٢] الدغشي ، باسناده ، باسناده ، أن الأصبغ بن نباتة (١) قال : لما ضرب علي عليهالسلام الضربة التي مات فيها ، كنا عنده ليلا ، فأغمي عليه ، فأفاق ، فنظر إلينا ، فقال : ما يجلسكم؟
فقلنا : حبك يا أمير المؤمنين.
فقال : أما والذي أنزل التوراة على موسى ، والإنجيل على عيسى ، والزبور على داود ، والفرقان على محمّد رسول الله صلىاللهعليهوآله لا يحبني عبد إلا رآني حيث يسرّه ، ولا يبغضني عبد إلا رآني حيث يكرهه. إن رسول الله صلىاللهعليهوآله أخبرني أني اضرب في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان في الليلة التي مات فيها موسى عليهالسلام ـ أو قال وصيّ موسى عليهالسلام ـ وأموت في ليلة احدى وعشرين يمضي من شهر رمضان ، في الليلة التي رفع فيها عيسى عليهالسلام.
قال الأصبغ : فمات والذي لا إله إلا هو فيها.
[٨٠٣] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن محمّد بن عبد الرحمن ، قال : قال عبد الملك بن مروان (٢) للزهري : أيّ واحد أنت؟ إن أعلمتني بعلامة
__________________
(١) وهو الاصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر بن مجاشع بن دارم التميمي الحنظلي المجاشعي.
(٢) وهو خامس خليفة اموي ولد بالمدينة سنة ٢٦ هـ ، وتوفي في دمشق سنة ٨٦ هـ ، تولّى مقاليد الحكم سنة ٦٥ ه.
اليوم الذي قتل فيه علي عليهالسلام.
فقال له الزهري : نعم ، اخبرك أنه لم يرفع ذلك اليوم حصاة ببيت المقدس إلا وجد تحتها دم عبيط.
فقال عبد الملك بن مروان : إني وإياك في هذا الحديث لغريبان (١).
يعني : إنه لم يروه غيرهما.
[ صورة اخرى للوصية ]
[٨٠٤] وبآخر ، محمّد بن حميد الاصباعي ، باسناده ، عن أبي جعفر محمّد بن علي عليهالسلام ، أنه قال : أوصى علي عليهالسلام إلى الحسن ، وكتب وصيته فكان فيها :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب :
أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمّدا عبده ورسوله ، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون ، صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين.
ثم إني اوصيك يا حسن ، وجميع [ أهل بيتي ] وولدي ومن بلغه كتابي هذا من المؤمنين بتقوى الله ربكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ) (٢) ، فاني سمعت
__________________
(١) وفي مناقب الخوارزمي ص ٢٨١ : فقال : اني واياك غريبان في هذا الحديث.
(٢) آل عمران : ١٠٣.
رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : صلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام ، وإن المبيرة حالقة الدين فساد ذات البين ولا قوة إلا بالله.
انظروا يا بنيّ في ذوي أرحامكم ، فصلوهم يهون الله عزّ وجلّ عليكم الحساب.
والله الله في الأيتام فلا يضيعن أحد منهم بحضرتكم (١).
والله الله في جيرانكم فإنهم وصية رسول الله صلىاللهعليهوآله ما زال يوصينا بهم حتى ظننا أنه سيورثهم.
والله الله في القرآن فلا يسبقكم بالعمل به غيركم.
والله الله في الصلاة فإنها عماد دينكم.
والله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم.
والله الله في صيام شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار لكم.
والله الله في بيت ربكم فلا يخلون منكم ما بقيتم فإنه إن ترك لم تناظروا.
والله الله في الجهاد في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم.
والله الله في ذمة أهل بيت نبيكم (٢) فلا يظلموا بين أظهركم.
والله الله في أصحاب نبيكم صلىاللهعليهوآله ، فإن رسول الله صلىاللهعليهوآله أوصى (٣) بهم.
والله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معايشكم.
__________________
(١) واضاف في بحار الانوار : فقد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنة ، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار.
(٢) وفي نسخة و: في ذرية نبيكم.
(٣) وفي نسخة و: باهى.
والله الله فيما ملكت أيمانكم ، فإنه آخر ما تكلم به نبيكم.
قال عليهالسلام : أوصيكم بالضعيف واليتيم ، والمرأة ، وما ملكت أيمانكم ، والصلاة الصلاة.
انظروا يا بنيّ ، لا تخافوا في الله لومة لائم يكفيكم الله من أرادكم (١) أو بغى عليكم ، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله ، ولا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيولي الله الأمر أشراركم ثم تدعون الله عزّ وجلّ فلا يستجاب لكم.
يا بنيّ ، عليكم بالتواصل والتباذل والتراحم ، وإياكم والتحاسد والتقاطع والتفرق والتباغض. وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، واتقوا الله إن الله شديد العقاب.
حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم وأستودعكم الله ، واقرئ عليكم السّلام ورحمة الله.
ثم لم ينطق بشيء إلا بلا إله إلا الله حتى قبض صلوات الله عليه أول ليلة من عشر شهر رمضان الأواخر (٢).
[ حرصه على مستقبل الامّة ]
[٨٠٥] سعيد بن سليمان ، باسناده ، عن الأصبغ بن نباتة ، قال : سمعت عليا عليهالسلام وهو يقول على المنبر :
__________________
(١) وفي بحار الانوار : من آذاكم.
(٢) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٢٥٠ : حتى قبض عليهالسلام في ثلاث ليال من العشر الأواخر ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة. وكان ضرب ليلة احدى وعشرين من شهر رمضان.
من هاهنا من بني عبد المطلب ، فليدن مني.
فجعلوا يتوثبون إليه.
قال لهم : اذكركم بالله أن تقتلوا بي إلا قاتلي ، ولا تضعوا غدا سيوفكم على عواتقكم ـ أو قال : على رقابكم ـ تخبطون بها الناس تقولون : قتلتم أمير المؤمنين.
قال : فما لبث بعد ذلك إلا جمعة حتى قتل صلوات الله عليه.
[٨٠٦] أحمد بن صالح البصري ، باسناده عن عبيدة ، قال : سمعت عليا عليهالسلام وهو على المنبر يقول :
اللهمّ إني سئمتهم وسأموني ، ومللتهم وملّوني فأرحني منهم وأرحهم مني ، فما يمنع أشقاها أن يخضبها بدم ـ ووضع يده على لحيته ـ من هذه ـ ووضع يده على رأسه ـ.
[ نعود الى الأحاديث ]
[٨٠٧] عبيد الله بن أمية ، قال : دخل جويرية (١) بن مسهر يوما على أمير المؤمنين علي عليهالسلام ، فأصابه نائما ، فناداه : أيها النائم استيقظ فو الذي نفسي بيده ، لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك ، وذلك بما سمعته من رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فانتبه علي عليهالسلام ، فقال له : اجلس يا جويرية حتى احدثك
__________________
(١) هكذا صححناه وفي الاصل : حويرث ، وهكذا في باقي النسخ.
وهو جويرية بن مسهر العبدي الكوفي ، صاحب أمير المؤمنين ، مرقده بخوزستان ـ فرماط ـ ، وسبب شهادته : أن معاوية تتبع أصحاب علي عليهالسلام تحت كل حجر ومدر ، وأمر عامله زياد بن سمية ـ ابن أبيه ـ الذي ولع في دماء المسلمين أن يقتل جويرية بن مسهر ، فأحضره زياد ، وقطع يديه ورجليه وصلبه على جذع ، فاستشهد رحمة الله عليه.
عن نفسك. وأنت والذي نفسي بيده لتحملن الى العتلّ الزنيم (١) ، فليقطعن يدك ورجلك ، ثم ليصلبنك بحذاء جذع كافر.
فأخذه عبيد الله بن زياد ، فقطع يده ورجله ، ثم صلبه الى جنب ابن معكبر. فكان جذع ابن معكبر أطول ، وكان جذع جويرية دونه.
[٨٠٨] علي بن كثير ، عن أبي صالح ، قال : سمعت عليا عليهالسلام ـ على المنبر ـ يقول :
أين شقيكم ، أما والله ليضربني في هذا ـ يعني رأسه ـ حتى يخضب هذه يعني لحيته ـ.
[٨٠٩] عبد الله بن محمّد بن عقيل ، عن علي بن أبي طالب عليهالسلام ، أنه قال : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا علي من أشقى ثمود؟
قلت : عاقر الناقة.
قال : فمن أشقى هذه الامة؟
قلت : الله ورسوله أعلم.
قال : قاتلك.
[٨١٠] أبو الجحاف ، باسناده ، وعن أبي عبد الرحمن السلمي ، قال : كان علي عليهالسلام قد أخلى أهل السواد الى الكوفة ، وكان لي ابن عم بالسواد. فقلت للحسن عليهالسلام : احب أن تعينني على أمير المؤمنين عليهالسلام ، بأن يؤجل لابن عمي حتى يفرغ من ضيعته. فوعدني أن أغدو إليه ، فغدوت لميعاده ، فوجدت أمير المؤمنين عليهالسلام قد ضرب الضربة التي ضرب ، ووجدت الحسن عليهالسلام في اناس. فسمعته يقول : كانت البارحة ليلة بدر ، وكان أمير المؤمنين عليهالسلام
__________________
(١) الزنيم : الدعي.
يوقظ أهله للصلاة ، حتى كان في وجه الصبح ، فخفق خفقة ، ثم انتبه ، فنادى : يا حسن.
قلت : لبيك.
قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله قد أقبل ، فشكوت إليه ما لقيت من امته من اللأواء (١) واللدد (٢) ، فقال لي : يا علي ادع الله عليهم. فقلت : اللهمّ أبدلني بهم من هو خير لي منهم ، وأبدلهم بي من هو شرّ لهم مني.
ثم خرج فكان من أمره ما كان.
[٨١١] إسماعيل البراز ، عن أم موسى (٣) ، وليدة كانت لعلي بن أبي طالب عليهالسلام ، قالت :
قال علي عليهالسلام يوما لابنته أم كلثوم ـ وكانت خير بناته : يا بنية ما أراني إلا أقل ما أصحبك.
قالت : ولم يا أبتاه؟
قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله في منامي يمسح الغبار عن وجهي ، ويقول : يا علي لا عليك قد قضيت ما عليك.
قالت : فما لبث إلا يسيرا حتى قتل صلوات الله عليه.
[٨١٢] فطر بن خليفة (٤) ، باسناده ، عن علي عليهالسلام ، أنه قال : أما والله إنه لعهد النبي صلىاللهعليهوآله أن الامة ستغدر بي.
__________________
(١) هكذا صححناه وفي الاصل : اللوذ. ومعناه : الشدة والخلاف.
(٢) الدد : شدة الخصومة.
(٣) وقيل إن اسمها فاختة وقيل حبيبة ، راجع اعيان الشيعة ٣ / ٤٨٨.
(٤) القرشي المخزومي المتوفى سنة ١٥٣.
[ صورة ثالثة للوصية ]
[٨١٣] بشر بن الوليد ، عن علي عليهالسلام انه قال : أوصى فكان في وصيته عليهالسلام :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أمر به وقضى في ماله علي بن أبي طالب ، إنه تصدق بينبع أبتغي بذلك رضوان الله عزّ وجلّ ليولجني الله به الجنة ، ويصرفني به عن النار ، ويصرف النار عني ، وهي في سبيل الله ، ووجهه ينفق في كل نفقة في سبيل الله في الحرب والسلم ، وذي الرحم والقريب والبعيد. لا تباع ، ولا توهب ، ولا تورث. كل مال لي بينبع غير أن رياحا ، وأبا نيزر ، وجبيرا إن حدث بي حدث فهم محررون بعد أن يعملوا في المال خمس حجج ، وفيه نفقتهم ورزقهم ورزق أهاليهم ؛ [ ثم هم أحرار ] (١) فذلك الذي أقضي فيما كان لي بينبع حيّ أنا أو ميت ، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى من مال أو رقيق حيّ أنا أو ميت ، ومع ذلك الاذنية وأهلها حيّ أنا أوميت ، ومع ذلك دعد (٢) وأهلها ، وأن زريقا له مثل ما كتبت لأبي نيزر ورياح وجبير. وإن ينبع (٣) ومالي بوادي القرى (٤) والاذنية ودعده (٥) ينفق في كل نفقة يبتغي بها وجه
__________________
(١) هكذا في مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا ـ مخطوط ـ.
(٢) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٤٠ : بديمة.
(٣) بالفتح ثم السكون وضم الموحدة وعين المهملة ، وهي على سبع مراحل من المدينة فيها ١٧٠ عينا ( عمدة الاخبار : ص ٤٣٩ ).
(٤) واد كبير من اعمال المدينة كثير القرى بين المدينة والشام.
(٥) هكذا في الاصل والصحيح : درعة.
الله وفي سبيل الله وفي وجهه يوم تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه لا يباع ذلك ولا يوهب ولا يورث حتى يرثه الله عزّ وجلّ ويتقبله بذلك قضيت ما بيني وبين الله ما قدمت حيّ أنا أو ميت.
هذا ما قضى علي بن أبي طالب في ماله وأوجبه ، يقوم على ذلك الحسن بن علي ما دام حيا ، فإن هلك فالحسين بن علي يليها ما دام حينا ، فإن هلك فالأول من ذوي السن والصلاح من ولده واحد بعد واحد ، يعدل فيها ، ويطعم بالمعروف ، ويصلحون فيها كإصلاحهم أموالهم ولا تباع من أولاد من بهذه القرى (١) الأربع من العبيد أحد ، وغلتها للمؤمنين أولهم وآخرهم ، فمن وليها من الناس فاذكره الاجتهاد والنصح والحفظ والأمانة.
وهذا كتاب علي بن أبي طالب بيده ، وهذه الصدقة في سبيل الله واجبة نبلة تصرف في كل نفقة في سبيل الله ووجهه ، وذوي الرحم ، والفقراء والمساكين ، وابن السبيل ، يقوم على ذلك أكبر ولد فاطمة عليهاالسلام من ذوي الأمانة والصلاح ، ويصلحها اصلاحه ماله يزرع ويغرس وينصح ويجتهد. لا يحل لأحد وليها أن يحكم فيها ، ولا أن يعمل بغير عهدي.
وكتب علي بن أبي طالب بيده ، لعشر خلون من جمادى الاولى سنة تسع وثلاثين.
وشهد عبيد الله بن أبي رافع (٢).
__________________
(١) وفي مقتل أمير المؤمنين لابن أبي الدنيا ـ مخطوط ـ : ولا يباع من أولاد نخل هذه القرى.
(٢) وفي نسخة و: عبد الله بن رافع.
وهياج بن [ أبي ] هياج (١).
قال عبيد الله : فكان بين كتابه هذا وبين قتله أربعة أشهر وثلاث عشرة ليلة (٢).
__________________
(١) وفي بحار الانوار ٤٢ / ٤٢ : شهد أبو سمر بن أبرهة ، وصعصعة بن صوحان ، ويزيد بن قيس ، وهياج بن أبي هياج.
(٢) ورثاه ولده الامام الحسن عليهالسلام :
خلّ العيون وما أرد |
|
ن من البكاء على علي |
لا تقبلن من الخلي |
|
فليس قلبك بالخلي |
لله أنت إذا الرجا |
|
ل تضعضعت وسط الندي |
فرجت غمته ولم |
|
تركن إلى فشل وعي |
وقال آخر :
لقد هدّ ركني أبو شبر |
|
فما ذاقت العين طيب الوسن |
ولا ذاقت العين طيب الكرى |
|
وألقيت دهري رهين الحزن |
وأقلقني طول تذكاره |
|
حرارة ثكل الرقوب الشثن |
قال صعصعة بن صوحان :
إلى من لي بأنسك يا أخيا |
|
ومن لي أن أبثّك ما لديّا |
طوتك خطوب دهر قد توالى |
|
لذاك خطوبه نشرا وطيّا |
فلو نشرت قواك لي المنايا |
|
شكوت إليك ما صنعت إليّا |
بكيتك يا علي لدرّ عيني |
|
فلم تغن البكاء عليك شيئا |
كفى حزنا بدفنك ثم إني |
|
نفضت تراب قبرك من يديّا |
وكانت في حياتك لي عظات |
|
وأنت اليوم أوعظ منك حيّا |
فيا أسفي عليك وطول شوقي |
|
إلى لو أن ذلك ردّ شيئا |
وقال آخر :
دعوتك يا علي فلم تجبني |
|
وردّت دعوتي بأسا عليّا |
بموتك ماتت اللذات عني |
|
وكانت حيّة إذ كنت حيّا |
فيا أسفا عليك وطول شوقي |
|
إليك لو أن ذلك ردّ ليّا |
وقال أبو الأسود الدؤلي ، وقيل : أم الهيثم بنت العريان النخعية :
__________________
ألا يا عين ويحك أسعدينا |
|
ألا تبكي أمير المؤمنينا |
أتبكي أمّ كلثوم عليه |
|
بعبرتها وقد رأت اليقينا |
ألا قل للخوارج حيث كانوا |
|
فلا قرّت عيون الشامتينا |
أفي شهر الصيام فجعتمونا |
|
بخير الناس طرّا أجمعينا |
قتلتم خير من ركب المطايا |
|
وذللها ومن ركب السفينا |
ومن لبس النعال ومن حفاها |
|
ومن قرأ المثاني والمئينا |
وكل مناقب الخيرات فيه |
|
وحبّ رسول ربّ العالمينا |
لقد علمت قريش حيث كانت |
|
بأنك خيرها حسبا ودينا |
إذا استقبلت وجه أبي حسين |
|
رأيت النور فوق الناظرينا |
وكنا قبل مقتله بخير |
|
نرى مولى رسول الله فينا |
يقيم الحق لا يرتاب فيه |
|
ويعدل في العدى والأقربينا |
وليس بكاتم علما لديه |
|
ولم يخلق من المتجبرينا |
كأن الناس إذ فقدوا عليا |
|
نعام حار في بلد سنينا |
فلا تشمت معاوية بن صخر |
|
فإن بقية الخلفاء فينا |
وقال السيد حيدر الحلي رحمهالله :
قم ناشد الاسلام عن مصابه |
|
اصيب بالنبي أم كتابه |
أم أن ركب الموت عنه قد سرى |
|
بالروح محمولا على ركابه |
بل قد قضى نفس النبي المرتضى |
|
وأدرج الليلة في أثوابه |
مضى على اهتضامه بغضّة |
|
غضّ بها الدهر مدى أحقابه |
عاش غريبا بينها وقد قضى |
|
بسيف أشقاها على اغترابه |
لقد أراقوا ليلة القدر دما |
|
دماؤها انصببن بانصبابه |
تنزل الروح فوا في روحه |
|
صاعدة شوقا الى ثوابه |
فضجّ والاملاك فيها ضجة |
|
منها اقشعرّ الكون في إهابه |
وانقلب السّلام للفجر بها |
|
للحشر إعوالا على مصابه |
لله نفس أحمد من قد غدا |
|
من نفس كل مؤمن أولى به |
غادره ابن ملجم ووجهه |
|
مخضب بالدم في محرابه |
وجه لوجه الله كم عفّره |
|
في مسجد كان أبا ترابه |
__________________
فأغبر وجه الدين لاصفراره |
|
وخضب الإيمان لاختضابه |
ويزعمون حيث طللوا دمه |
|
في صومهم قد زيد في ثوابه |
والصوم يدعو كل عام صارخا |
|
قد نضحوا دمي على ثيابه |
أطاعة قتلهم من لم يكن |
|
تقبل طاعات الورى إلا به |
قتلتم الصلاة في محرابها |
|
يا قاتليه وهو في محرابه |
وشقّ رأس العدل سيف جوركم |
|
مذ شقّ منه الرأس في ذبابه |
فليبك جبريل له ولينتحب |
|
في الملأ الأعلى على مصابه |
نعم بكى والغيث من بكائه |
|
ينحب والرعد من انتحابه |
منتدبا في صرخة وانما |
|
يستصرخ المهديّ في انتدابه |
يا أيها المحجوب عن شيعته |
|
وكاشف الغمّا على احتجابه |
كم تغمد السيف لقد تقطعت |
|
رقاب أهل الحق على ارتقابه |
فانهض لها فليس إلاك لها |
|
قد سئم الصابر جرع صبابه |
واطلب أباك المرتضى ممن غدا |
|
منقلبا عنه على أعقابه |
فهو كتاب الله ضاع بينهم |
|
فاسأل بأمر الله عن كتابه |
وقل ولكن بلسان مرهف |
|
واجعل دماء القوم في جوابه |
يا عصبة الالحاد أين من قضى |
|
محتسبا وكنت في احتسابه |
أين أمير المؤمنين أو ما |
|
عن قتله اكتفيت في اغتصابه |
لله كم جرعة غيظ ساغها |
|
بعد نبيّ الله من أصحابه |
وهي على العالم لو توزعت |
|
أشرقت العالم في شرابه |
فانع الى أحمد ثقل أحمد |
|
وقل له يا خير من يدعى به |
إن الألى على النفاق مردوا |
|
قد كشفوا بعدك عن نقابه |
وصيّروا سرح الهدى فريسة |
|
للغيّ بين الطلس في ذيابه |
وظلّ راعي إفكهم يحلب من |
|
ضرع لبون الجور في وطابه |
فالأمة اليوم غدت في مجهل |
|
ظلّت طريق الحق في شعابه |
لم يتشعب في قريش نسب |
|
إلا غدا في المحض من نيابه |
حتى أتيت فأتى في حسب |
|
قد دخل التنزيل في حسابه |
فيا لها غلطة دهر بعدها |
|
لا يحمد الدهر على صوابه |
__________________
مشى الى خلف بها فأصبحت |
|
ارؤسه تتبع من أذنابه |
وما كفاه أن أرانا ضلّة |
|
وهاده تعلو على هضابه |
حتى أرانا ذئبه مفترسا |
|
بين الشبول ليثه في غابه |
هذا أمير المؤمنين بعد ما |
|
ألجأهم للدين في ضرابه |
وقاد من عتاتهم مصاعبا |
|
ما أسمحت لو لا شبا قرضابه |
قد ألف الهيجاء حتى ليلها |
|
غرابه يأنس من عقابه |
يمشي إليها وهو في ذهابه |
|
أشدّ شوقا منه في ايابه |
كالشبل في وثبته والسيف في |
|
هيبته والصلّ في انسيابه |
أرداه من لو لحظته عينه |
|
في مأزق لفرّ من ارهابه |
ومرّ من بين الجموع هاربا |
|
يودّ أن يخرج من اهابه |
وهو لعمري لو يشاء لم ينل |
|
ما نال أشقى القوم في أرابه |
لكن غدا مسلما محتسبا |
|
والخير كل الخير في احتسابه |
صلّى عليه الله من مضطهد |
|
قد أغضبوا الرحمن في اغتصابه |
وقال السيد جعفر الحلي آل كمال الدين :
لبس الاسلام أبراد السواد |
|
يوم أردى المرتضى سيف المرادي |
ليلة ما أصبحت إلا وقد |
|
غلب الغيّ على أمر الرشاد |
والصلاح انخفضت أعلام |
|
وغدت ترفع أعلام الفساد |
إن تقوض خيم الدين فقد |
|
فقدت خير دعام وعماد |
ما رعى الغادر شهر الله في |
|
حجة الله على كل العباد |
وببيت الله قد جدّ له |
|
ساجدا ينشج من خوف المعاد |
يا ليال أنزل الله بها |
|
سور الذكر على أكرم هاد |
محيت فيك على رغم العدى |
|
آية في فضلها الذكر ينادي |
قتلوه وهو في محرابه |
|
طاوي الاحشاء عن ماء وزاد |
سل بعينيه الدجى هل جفتا |
|
من بكاء أو ذاقتا طعم الرقاد |
وسل الأنجم هل أبصرنه |
|
ليلة مضطجعا فوق الوساد |
وسل الصبح اهل صادفه |
|
ملّ من نوح مذيب للجماد |
سيّد مثلث الاخرى له |
|
فجفا النوم على لين المهاد |
فهل يدعي أحد أو يدعي له أن رسول الله صلىاللهعليهوآله اختصه من سره ، وأطلعه على علم ما يكون من بعده وعلى محاربة من حاربه ، وعلى أنه سيقتل من بعده ، ومن يقتله ، ومتى يكون ذلك ، وبشره بما له ولمن يقاتل معه من الثواب عند الله عزّ وجلّ. وهل يجوز أن يكون ذلك ويطلع عليه ، ويختصّ به رسول الله صلىاللهعليهوآله إلا من أقامه مقامه من بعده ، وأذن له بالجهاد في سبيل الله كما أذن الله عزّ وجلّ في ذلك له ، وكذلك إخباره اياه ، واطلاعه على ما يكون من بعده الى يوم القيامة ، وحكايته ذلك على المنبر على رءوس الأشهاد من الصحابة وغيرهم أنه ما من فئة تكون الى يوم القيامة إلا وهو يعلم ناعقها وقائدها وسائقها. وأنه يعلم ما بين اللوحين ـ يعني كتاب الله عزّ وجلّ ـ الذي أخبر سبحانه أن فيه بيان لكل شيء ، فأخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله كما حكي ذلك عنه في هذا الكتاب وهو خبر مشهور يرويه الخاصّ والعام.
إن في كتاب الله عزّ وجلّ نبأ من مضى وخبر ما يكون وما يأتي.
__________________
هو للمحراب والحرب اخ |
|
جاهد ما بين نفل وجهاد |
نفسه الحرة قد عرّضها |
|
للظبا البيض وللسمر الصعاد |
سامها بذلا فهابوا سومها |
|
فهي كالجوهر في سوق الكساد |
طالما أقدم لا في صنعة |
|
من لبوس يتقي بأس الأعادي |
فتحامتها وجوه تنجلي |
|
غبرة الهيجاء عنها بسواد |
سلبوها وهو في غرّته |
|
حيث لا حرب ولا قرع جلاد |
قسما لو نبهوه لرأوا |
|
دون أن يدنو له خرط القتاد |
عاقر الناقة مع شقوته |
|
ليس بالأشقى من الرجس المرادي |
فلقد عمم بالسيف فتى |
|
عمّ خلق الله طرا بالأيادي |
فبكته الانس والجنّ معا |
|
و طيور الجوّ مع وحش البوادي |
و بكاه الملأ الأعلى دما |
|
و غدا جبريل بالويل ينادي |
هدمت والله أركان الهدى |
|
حيث لا من منذر فينا وهادي |
واذا كان ذلك لا يوجد في ظاهره ، فهل يكون موجودا إلا في تأويله الذي أبان الله عزّ وجلّ يعلمه أولياءه؟ فقال سبحانه : ( وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) (١). وهو الذي عنى علي عليهالسلام بقوله :
سلوني ، فإنكم لن تجدوا من أعلم بما بين اللوحين مني. فلو كان ذلك إنما عنى بظاهره لكان في الامة كثير يعلم ذلك ولا يخطئ فيه حرفا ، ولم يكن عليه عليهالسلام ليقول في ذلك على رءوس الأشهاد ما يعلم أنه لا يصح من قوله ، وأن غيره يساويه فيه ، أو يقارنه ، أو يدعي علم شيء منه معه ، ولو كان ذلك لنافسوه فيه وادعوه معه.
ففي هذا أبين البيان على مقامه ، وأنه ولي أمر الامة بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله ووصيه على ذلك الذي أقامه له كما أقام من تقدم من النبيين أوصياؤهم من بعدهم وعمدوا إليهم في ذلك وأودعوهم سرهم وأخبروهم عما يكون من بعدهم مما أوحاه الله عزّ وجلّ إليهم ، وجعله من العلم والحكمة عندهم سنة الله عزّ وجلّ في عباده : ( الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (٢).
__________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) الفتح : ٢٣.