شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

النص على إمامة علي صلوات الله عليه من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو مع ذلك يؤكد قوله فيه ، بأنه عن الله عزّ وجلّ يقوله ، وبأمره يأمرهم بما أمرهم به من طاعته وولايته ومودته. فرحم الله امرأ سمع ذلك فوعاه ، واعتقده وعمل به ، ولم يمرّ صفحا عليه كما مرّ على كثير ممن سمعه. ( وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ ) كما قال عزّ وجلّ ( إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ) ويضلّ كما أخبر سبحانه الظالمين ، هذا ما أسرّه (١) وعهده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى علي عليه‌السلام.

[٥٩١] أبو نعيم الفضل بن دكين (٢) ، باسناده ، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه أنه كان جالسا وحوله جماعة يحدّثهم ، إذ مرّ بهم علي صلوات الله عليه.

فقال سلمان لمن حوله : ألا تقومون إليه ـ يعني عليا صلوات الله عليه ـ فتأخذون بحجزته [ تسألونه ] فو الله ما يحدّثكم بسرّ نبيكم [ أحد ] غيره. [ وإنه لعالم الأرض وربانيها وإليه تسكن ، ولو فقدتموه لفقدتم العلم وأنكرتم الناس ] (٣).

[٥٩٢] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن جابر بن عبد الله ، أنه قال : ناجى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا صلوات الله عليه بحجرته ـ وهو محاصر للطائف ـ فأطال النجوى ، والناس ينظرون إليهما ، فتقدم أبو بكر وعمر ، فقالا : يا رسول الله ، لقد طالت منذ اليوم مناجاتك لعلي عليه‌السلام.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أنا انتجيته ، ولكن الله

__________________

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : أمره.

(٢) هو ابن دكين ، الفضل بن دكين ( واسمه عمرو ) بن حماد التيمي ، ولد ١٣٠ هـ ، وتوفي ٢١٩ ه‍.

(٣) ما بين المعقوفات من أمالي الصدوق : ص ٣٢٧.

٢٨١

انتجاه.

[٥٩٣] أبو غسان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : لما أنزل الله عزّ وجلّ : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) (١) كان عندي دينار فصرفته بعشرة دراهم ، وكنت إذا أردت أن أناجي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله تصدقت بدرهم حتى فنيت ، ولم يفعل ذلك أحد من المسلمين ، فأنزل الله عزّ وجلّ : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) الآية (٢) ، فلم يعمل بآية النجوى أحد غيري.

[٥٩٤] أبو غسان ، باسناده ، عن أمّ سلمة ـ زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ أنها قالت : كان علي عليه‌السلام أقرب الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عهدا. عدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم قبض في بيت عائشة ، فجعل يقول : أجاء علي؟ مرارا.

قالت فاطمة صلوات الله عليها : كان بعثه لحاجة.

ثم جاء فظننا أن له إليه حاجة. فخرجنا من البيت وقعدنا من وراء الباب.

قالت : فكنت من أدناهن من الباب ، فأكبّ عليه علي عليه‌السلام ، فلم يزل يسارّه ويناجيه. ثم قبض من يومه ذلك ، وكان أقرب الناس به عهدا.

[٥٩٥] إسماعيل بن أبان ، باسناده ، عن علي بن الحسين صلوات الله عليه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في مرضه الذي قبض فيه ـ

__________________

(١) المجادلة : ١٢.

(٢) المجادلة : ١٣.

٢٨٢

ادعوا إليّ أخي.

فقالت عائشة : ادعوا أبا بكر ، فلعله أن يعهد إليه عهدا. فجاء أبو بكر ، فلما رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سكت ، ولم يقل شيئا.

ثم قال : ادعوا إليّ أخي ، فأرسلت حفصة (١) الى أبيها عمر ، فلما جاء ، لم يقل له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله شيئا.

ثم قال : ادعوا إليّ أخي ، فأرسلت فاطمة الى علي عليه‌السلام.

فجاء ، فلما رآه قال : ادن مني ، فدنا منه. فقال : اجلسني. فأجلسه.

ثم قال : احتضني ، فاحتضنه. فقال : اسندني الى صدرك ، فأسنده.

قال علي صلوات الله عليه : فما زال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يسارّني ويحدّثني ، وإني لأجد برد شفتيه ولسانه في أذني ، حتى قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : وكان آخر ما عهده إليّ أن قال : الصلاة الصلاة ، وما ملكت أيمانكم.

قال علي عليه‌السلام : وهي آخر وصايا الأنبياء صلوات الله عليهم.

[٥٩٦] يحيى بن حبيب ، باسناده ، عن عبد الله بن عمر ، قال : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فدعا عليا صلوات الله عليه وأدناه ،

__________________

(١) حفصة بنت عمر بن الخطاب زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولدت بمكة ، وتزوجها خنيس بن حذافة السهمي فكانت عنده ، وأسلما ، وهاجرت معه الى المدينة ومات عنها ، فتزوجها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ماتت في المدينة ٤٥ ه‍.

٢٨٣

فسارّه طويلا ، ثم قام علي عليه‌السلام ، فمضى. فلما ولّى قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا الحسن.

قال : لبيك يا رسول الله.

قال : لا تسقه إليّ إلا كما تساق الشاة الى حالبها.

فلم ندر من أراد ، وتسامع الناس ، فاجتمع الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جماعة من المهاجرين والأنصار ، فلم يبرح حتى أقبل عليه علي عليه‌السلام بالحكم بن أبي العاص (١) ، وقد أخذ باذنه ولهازمه يجره حتى أقعده بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلعنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثلاثا.

ثم قال : إن هذا سيخرج من صلبه فتنا تبلغ السماء.

فقالوا : يا رسول الله ، هو أذل وأهون من أن يكون ذلك منه!

فقال : بلى ويحكم يومئذ من شيعته.

ثم أمر به ، فسير به الى الدهلك.

[ أنس ومناقب علي ]

[٥٩٧] محمّد بن منصور ، باسناده ، عن محمّد بن بشير ، قال : قدم عليّ رجل من أهل الكوفة ، فقال : إني اريد أن أسأل أنس بن مالك ، فانطلق بنا إليه.

قال : فانطلقت به الى أنس ، وكان أنس قد أصابته وضح ، وذهب بصره ، وكان لا يخرج إلا وعليه برقع ، فخرج إلينا كذلك.

__________________

(١) الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي الاموي أسلم يوم الفتح وسكن المدينة فكان يفشي سر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فنفاه إلى الطائف وأمر باعادته عثمان زمن خلافته فمات فيها وقد عمي بصره وهو عم عثمان ووالد مروان رأس الدولة المروانية توفي ٣٢ ه‍.

٢٨٤

فقلت له : إن هذا امرؤ من أهل الكوفة أحبّ لقاءك ، والنظر إليك.

قال أنس : نعم الناس أهل الكوفة ، إلا أنهم هلكوا في الرجل ـ يعني عليا عليه‌السلام ـ.

فقال لي الرجل بيني وبينه : قم بنا ننصرف.

قلت : لم؟

قال : إنما جئت أسأله عن علي عليه‌السلام ، وقد بدا منه ما بدا ، فما عسى أن يقول بعد هذا؟

قلت : سله عما شئت ، فإنه لن يكذبك.

قال : فسأله عن علي عليه‌السلام.

قال له أنس : عمّ تسأل من أمره؟

قال : تخبرني عن منزلته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : أما إذا أبيت يا كوفي ، فإني اخبرك! [ كانت ] له ثلاث خصال من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لئن تكون لي واحدة منهن أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس ، كان أول من آمن بالله وبرسوله ، وكان صاحب سرّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلانيته ، وكان وصيه من بعده.

[٥٩٨] الأجلح (١) ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أن عليا عليه‌السلام خطب الناس عند خروجه لحرب أهل الجمل ، فقال : أيها الناس ما هذه المقالة السيئة ، بلغتني عنكم ، والله ليقتلن طلحة والزبير ،

__________________

(١) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الاصل : الاصلح ، وهو أجلح بن عبد الله بن حجية ، ويقال اسمه يحيى والاجلح لقبه ، توفي سنة ١٤٥ ه‍.

٢٨٥

وليفتحن البصرة ، وليأتينكم مادة من الكوفة ستة آلاف وخمسمائة وستون.

قال عبد الله بن عباس : فقلت في نفسي : ومن أين يعلم هذا؟ ولكن الحرب خدعة ، وكان أول شيء من ذلك أن قدمت علينا مادة أهل الكوفة ، فخرجت ، فلقيتهم ، فسألتهم عن عدتهم.

فقالوا : ستة آلاف وخمسمائة وستون مثل ما ذكر.

ثم قتل طلحة والزبير ، وفتحت البصرة ، فعلمت أن ذلك ممّا أسرّه إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

[٥٩٩] وقد جاء عنه عليه‌السلام أنه علّمه الف كلمة كل كلمة تفتح الف كلمة.

[٦٠٠] سعيد بن حنظلة ، عن علقمة ، قال : سمعت عليا صلوات الله عليه ، يقول :

ما عن فئة تبلغ ثلاثمائة الى يوم القيامة إلا وقد علمت ناعقها وقائدها وسائقها.

[٦٠١] ابو مريم الأنصاري ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام أنه خطب الناس ، فقال :

أيها الناس أنا فقأت عين الفتن بيدي ، ولم يكن [ أحد ] يجترئ عليها غيري ، ولو لم أكن فيكم ما قوتل أصحاب الجمل ، وأهل النهروان ، وايم الله لو لا أن تتكلوا فتدعوا العمل لأخبرتكم بما قضى الله على لسان نبيه عليه‌السلام لمن قاتلهم منكم مبصرا لضلالهم ، عارفا للهدى الذي نحن عليه.

ثم قال : سلوني قبل أن تفقدوني ، فاني ميت بل مقتول (١) ،

__________________

(١) وفي الغارات ١ / ٧ : اني ميت أو مقتول ، بل قتلا.

٢٨٦

ما ينتظر أشقاها أن يخضبها بدم من فوقها ـ وأومى (١) بيده الى لحيته ـ فو الذي نفسي بيده لا تسألوني عن شيء فيما بينكم وبين الساعة ، ولا عن فئة تضل مائة وتهدي مائة إلا نبأتكم بناعقها وقائدها وسائقها.

فقام رجل ، فقال : يا أمير المؤمنين حدثنا عن البلايا.

فقال : إنكم في زمان ذلك ، فإذا سأل سائل فليفعل ، وإذا سئل مسئول فليثبت إلا أن من ورائكم امورا لو فقدتموني لأطرق كثير من السائلين ، وفشل كثير من المسئولين. وذلك إذا اتصلت حربكم ، وشمرت عن ساق ، وكانت الدنيا ثقلا عليكم حتى يفتح الله لبقية الأبرار ، فانظروا قوما كانوا أصحاب رايات يوم بدر فلا تسبقوهم فتعرككم البلية.

ثم قام رجل آخر ، فقال : حدثنا عن الفتن يا أمير المؤمنين.

فقال : إن الفتن إذا أقبلت اشتبهت ، وإذا أدبرت أسفرت ، يشتبهن مقبلات ، ويعرفن مدبرات ، وإنما الفتن تحوم كالرياح يصبن بلدا ، ويخطئن اخرى.

ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أميّة ، فإنها فتنة عمياء مظلمة عمّت فتنتها ، وخصّت بليتها ، فأصاب البلاء من أبصر فيها ، وأخطى من عمي عنها ، يظهر أهل باطلها على أهل حقها حتى يملأ الأرض عدوانا وظلما.

ألا إن أول من يضع منها جبروتها ويكسر ذريتها وينزع أوتادها الله ربّ العالمين ، وايم الله لتجدن بني أميّة أرباب سوء لكم من

__________________

(١) وفي الاصل : وأهوى.

٢٨٧

بعدي كالناقة الضروس تعضّ بفيها ، وتخبط بيديها ، وتضرب برجليها ، وتمنع درّها ، ولا يزالون بكم حتى لا يتركون منكم إلا نافعا لهم أو غير ضار ، ولا يزال بلاؤهم بكم حتى يكون انتصاركم منهم كانتصار العبد من مولاه.

ألا إن قبلتكم واحدة ، وحجكم واحد ، وعمرتكم واحدة ، والقلوب مختلفة ، هكذا ـ وشبك بين أصابعه ، وأدخل بعضها في بعض ـ.

فقام رجل ، فقال : وما هذا يا أمير المؤمنين؟

وخالف بين أصابعه ، فقال : يقتل هذا هذا ، وهذا هذا فتنة ، وقطيعة جاهلية ، ليس فيها إمام هدى وعلم بر ، ونحن أهل البيت فينا نجاة ، ولسنا فيها.

فقام رجل آخر ، فقال : فما نصنع في ذلك الزمان يا أمير المؤمنين؟

فقال : تنظرون أهل بيت نبيكم ، فإن لبدوا فالبدوا (١) وإن استصرخوكم فانصروهم تنصروا وتؤجروا ، ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية.

ثم قام رجل آخر ، فقال : ثم ما يكون بعد يا أمير المؤمنين؟

فقال : يفرج الله الفتن برجل من أهل البيت كتفريج الأديم يسومهم خسفا ويسقيهم بكأس مصبرة ، ولا يعطيهم إلا السيف. يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر ، فيجعلهم ملعونين أينما ثقفوا ، اخذوا وقتلوا تقتيلا.

[٦٠٢] جعفر بن سليمان ، باسناده ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال : أسرّ

__________________

(١) البلد : السكون والسكوت.

٢٨٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى علي صلوات الله عليه ما يلقاه بعده.

فبكى علي عليه‌السلام ، وقال : يا رسول الله أسألك بقرابتي منك لما سألت الله عزّ وجلّ أن يقبضني في حياتك.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي ، تسألني أن أسأل الله أجلا مؤجلا.

فقال علي صلوات الله عليه : فعلى ما ذا أقاتلهم يا رسول الله؟

قال : على إحداثهم في الدين.

[٦٠٣] يونس بن أبي يعقوب ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال : كان فيما عهد إليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أن اقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

فالناكثون أصحاب الجمل ، والقاسطون أهل الشام ، والمارقون الخوارج.

[٦٠٤] عبد الله بن صالح الجهني ، باسناده ، عن سعيد بن أبي سالم ، عن أبيه ، أنه قال : كنا مع علي عليه‌السلام بالكوفة (١) ، فقال ـ يوما من الأيام ـ ونحن عنده :

إني (٢) سبط من الأسباط ، اقاتل على حق ليقوم ، ولن يقوم ، والأمر لهم ، فإذا كثروا فتنافسوا بعث الله عزّ وجلّ عليهم أقواما من هذا المشرق ، فقتلهم بددا ، وأحصاهم بهم عددا. والله لا يملكون سنة إلا ملكنا سنتين ولا يملكون سنتين إلا ملكنا أربعا ، وما من فئة تخرج

__________________

(١) مدينة في العراق على الجانب الغربي عن نهر الفرات أسسها سعد بن أبي وقاص بعد معركة القادسية قريب الحيرة ، اتخذها أمير المؤمنين عليه‌السلام عاصمة له ، واستشهد فيها ، جعلها العباسيون عاصمة لهم ، ثم انتقلوا الى بغداد ، كانت مع البصرة مركزا للثقافة العربية.

(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : أنا.

٢٨٩

إلى يوم القيامة إلا ولو شئت لسميت لكم سائقها وناعقها.

قال : فقلت لأصحابي : فما المقام ، وقد أخبركم أن الأمر لهم؟

قالوا : لا شيء.

واستأذناه الى مصر. فأذن لمن شاء ، وأقام معه قوم منا.

[٦٠٥] الدغشي ، باسناده عن الأصبغ بن نباتة (١) ، قال : لما انهزم أهل البصرة قام فتى الى علي صلوات الله عليه ، فقال : ما بال ما في الأخبية لا تقسم؟

فقال علي عليه‌السلام : لا حاجة لي في فتوى المتعلمين.

قال : ثم قام إليه فتى آخر. فقال مثل ذلك. فردّ عليه مثل ما ردّ أولا.

فقال له الفتى : أما والله ما عدلت.

فقال له علي عليه‌السلام : إن كنت كاذبا فبلغ الله بك سلطان فتى ثقيف.

ثم قال علي عليه‌السلام : اللهمّ إني قد مللتهم وملوني ، فأبدلني بهم ما هو خير منهم ، وأبدلهم بي ما هو شرّ لهم.

قال الأصبغ بن نباتة : فبلغ ذلك الفتى سلطان الحجاج ، فقتله.

[٦٠٦] وبآخر عن رجل من أهل البصرة قال : قال علي عليه‌السلام ـ على المنبر ـ :

__________________

(١) الأصبغ بن نباتة بن الحارث بن عمرو بن فاتك بن عامر التميمي الحنظلي المجاشعي كان من خواص أمير المؤمنين وشهد معه صفين ، وكان على شرطة الخميس ، وكان شاعرا ، تقدم بالراية في صفين قائلا :

إن الرجاء بالقنوط يدمغ

حتى متى ترجو البقايا أصبغ

أما ترى أحداث دهر تنبغ

فادبغ هواك والأديم يدبغ

والرفق فما قد تريد أبلغ

اليوم شغل وغدا لا تفرغ

وقاتل حتى حرك معاوية من مقامه.

٢٩٠

يا أهل البصرة ، إن كنت قد أديت لكم الأمانة ونصحت لكم بالغيب ، واتهمتموني ، وكذبتموني ، فسلط الله عليكم فتى ثقيف.

فقام رجل ، فقال له : يا أمير المؤمنين ، وما فتى ثقيف؟

قال : رجل لا يدع لله حرمة إلا انتهكها ، به داء يعتري الملوك ، لو لم تكن إلا النار لدخلها (١).

[ على اعتاب الشهادة ]

[٦٠٧] يحيى بن السلم ، باسناده ، عن أبي الطفيل (٢) ، قال :

دعا علي عليه‌السلام الناس الى البيعة ، فجاءه فيمن جاء عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله ، فرده مرتين أو ثلاثا ، ثم بايعه ، فلما أخذ عليه قال : ما يحبس أشقاها ، والذي نفسي بيده لتخضبن هذه ـ وأومى الى لحيته ـ من هذا ـ وأومى الى رأسه ـ. ثم قال شعرا :

اشدد حيازيمك للموت

إذا حلّ بواديكا

ولا تجزع عن الموت

فإن الموت يأتيكا

[٦٠٨] أبو نعيم ، باسناده ، عن عثمان بن المغيرة ، قال : لما دخل شهر رمضان الذي اصيب فيه علي صلوات الله عليه ، كان يفطر فيه ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين عليه‌السلام [ وابن عباس ] (٣) ولا يزيد على ثلاث لقم ، فيقولان له في ذلك.

فيقول : يا بني إنما هنّ ليال قلائل ، يأتي أمر الله تعالى ، وأنا خميص البطن أحبّ إليّ.

__________________

(١) اشارة الى الحجاج بن يوسف الثقفي.

(٢) وهو عامر بن وائلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي توفي بمكة ١١٠ ه‍.

(٣) ما بين المعقوفتين من تاريخ دمشق ٣ / ٢٩٤.

٢٩١

[٦٠٩] عبد الله بن صالح البصري ، باسناده ، عن يحيى بن سعد ، قال :

قال علي عليه‌السلام يوما ـ وعنده رجل من مراد ، من أهل مصر ـ لكأني أنظر الى أشقى مراد يخضب هذه ـ وأومى بيده الى لحيته ـ من هذا ـ وأومى الى رأسه ـ.

فقال الرجل المرادي الذي كان عنده : يا أمير المؤمنين ، لا تؤكد ذلك في مراد.

قال : والله ما كذبت ولا كذبت عدّد عليّ قبائلكم.

فجعل يعدّد عليه حتى ذكر سدوسا أو دؤلا (١) ، فقال عليه‌السلام :

اشدد حيازيمك للموت

فإن الموت يأتيكا

تجزع من الموت

إذا حلّ بواديكا

[٦١٠] وبآخر ، عن أبي سنان (٢) الدؤلي ، أنه عاد عليا عليه‌السلام من مرض أصابه وقد وجد خفة منه. فقال : يا أمير المؤمنين ، أصبحت بارئا بحمد الله ، ولقد كنا خشينا عليك من علتك هذه.

قال : لكني ما خشيت منها على نفسي لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لي فيما عهده إليّ : ستضرب ضربة هاهنا ـ وأومى الى رأسه ـ تسيل دمها حتى تخضب لحيتك ، يكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمودا.

[٦١١] إسماعيل بن أبان (٣) ، باسناده ، عن ثعلبة بن زيد الجملي ، قال :

__________________

(١) سدوسا : أي قبيلة من بكرها. دؤلا : أي قبيلة من كنانة.

(٢) هكذا صححناه وفي الأصل : عن أبي سفيان.

(٣) أبو اسحاق إسماعيل بن أبان الوراق الأزدي المتوفى ٢١٦ ه‍.

٢٩٢

قال علي عليه‌السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لتخضبن هذه من هذا.

فلما اصيب جعل يأخذ لحيته فيتلقى بها الدم ويقول : انظروا هل صدقتكم.

[٦١٢] وبآخر ، عن أبي يحيى ، قال : قال علي عليه‌السلام : لتخضبن هذه من هذا.

فقلنا : والله لا يفعل ذلك أحد إلا أبدنا عشيرته.

فقال : مه ، إن هذا لهو العدوان المبين ، إنما هي النفس بالنفس. [ ولكن اصنعوا به ما صنع بقاتل النبي. قتل ، ثم احرق بالنار ]. (١)

[٦١٣] أبو غسان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ، لتغدرن بي الامة عهدا عهده إليّ النبي الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فهذه أخبار مشهورة عن علي صلوات الله عليه قد رواها الخاص والعام وغيرها ممّا هو مأثور عنه عليه‌السلام كثير ، تركت ذكره اختصارا ، إذ كان شرطي في هذا الكتاب أن لا أذكر من مثل ذلك إلا ما كان مشهورا عند العامة دون ما انفردت به الخاصة ، والذي آثره به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن أمر الله جلّ ذكره واختصه به من العلم والحكمة ، وأودعه إياه ، وأسره إليه من تأويل الكتاب وغوامض العلم ومكنون الحكمة ، أجلّ وأكثر وأعظم من أن يحويه هذا الكتاب ، أو أن يكون ما يكون منه مطلقا إلا في صدور ذوي الألباب لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أقامه وصيا من بعده وإماما لامته ، أفضى إليه بسرّه وبما أطلعه الله عليه ممّا أمره أن يفضي

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من تاريخ دمشق ٣ / ٢٩٣.

٢٩٣

به إليه من علم غيبه ، وبأن ينقل من ذلك في الائمة من ولده ما جعل له أن ينقله فيهم ، ومن ذلك قوله الله جلّ من قائل : ( عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ) (١) فقد ارتضى جلّ ذكره محمّدا صلى‌الله‌عليه‌وآله من رسله وأطلعه على ما شاء أن يطلعه عليه من علم غيبه ، الذي غيّبه عن جميع خلقه دون الرسل ، وأطلق الرسل من ذلك أن يعلموا أوصياءهم ما أطلقه لهم من ذلك ، وأطلق للأوصياء أن يودعوا الائمة ، وينقلوا إليهم ، وينقل بعضهم الى بعض من ذلك ما أطلقه سبحانه بالوحي الى رسله ليبلغوا ذلك عنه الى من أذن لهم في الإبلاغ إليهم ، ولم يفض ذلك العلم على الرسل وحدهم ، ومن ذلك قوله جلّ من قائل : ( وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ ) (٢) ، يعني محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله . ( وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ، وَما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ ) ـ والضنين : الشحيح ـ ، فلم يشح صلى‌الله‌عليه‌وآله بما علّمه الله من علم غيبه على وصيه بما جعل له منه ، ولا ضمن الوصي من ذلك بما جعل للأئمة من بعده عنده ، بل أعطى ذلك من يليه حسب ما جعل له منه ممّا ينتقل فيهم واحدا بعد واحد ، ورمز الوصي عليه‌السلام من ذلك وأبدى للامة ما ينبغي أن يبديه ويرمز به لهم ليكون ذلك شاهدا على وصيه ، وكذلك بيدي كل إمام ويرمز بقدر ما ينبغي أن يرمز ويبدي ممّا صار إليه ليكون ذلك شاهدا لإمامته كما ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للامة ما شهد لنبوته ، وسنذكر في هذا الكتاب بعض ما ينبغي أن نذكره فيه ممّا انتهى إلينا عن ائمتنا عليهم‌السلام من ذلك إن شاء الله. والذي ذكرته في هذا

__________________

(١) الجن : ٢٦ ـ ٢٨.

(٢) النجم : ٢.

٢٩٤

الكتاب من سرّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله الى علي عليه‌السلام وإخباره إياه بما يكون وذلك من علم غيب الله الذي أظهره عليه دليل وشاهد لمقامه الذي أقامه فيه ، إذ لم يكن غيره يدعي ذلك معه ، ولا يدعيه أحد له.

والحديث المأثور عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الذي يرويه عنه الخاص والعام ، أنه ذكر القرآن ، فقال : فيه نبأ من مضى من قبلكم وخبر من يأتي من بعدكم وحكم ما بينكم. هل يدعي أحد من الناس أو يدعي له أنه يعلم من القرآن خبر ما كان وما يأتي ، والحكم بين الناس غير من أودعه الله علم تأويله ، وهم ائمة دينه الّذين أودعهم ذلك ، ولسنا نقول إنهم يعلمون الغيب كله ، ولكنا نقول من ذلك ما قاله الله عزّ وجلّ من القول الذي حكينا من كتابه ، إنهم إنما يعلمون ما علّمهم الله ورسوله ممّا غيبه عن غيرهم وجعله شاهدا لإمامتهم من شيء قد خصوا به دون غيرهم ، كمثل ما حكيناه في هذا الكتاب عن علي عليه‌السلام ممّا قد رواه عنه الخاص والعام ولا يدفعه أحد من أهل العلم.

فأما حشو الناس وجهالهم وعوامهم ، فإنهم إذا سمعوا مثل هذا عن أولياء الله أنكروه وتعاظموه وكذبوا به ، وإذا جاءهم مثله عن أصحاب المخاريق ممن يدعي الكهانة والقضايا بالنجامة (١) وأمثالهم من المتخرصين (٢) من شرار الناس ، قبلوه منهم وصدقوهم فيه. وقد جاء النهي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن تصديقهم والوعيد الشديد لمن قبل عنهم وصدقهم ، وجاءت الأخبار عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله بالإخبار عما يكون ممّا كان كثير منه وينتظر ممّا يكون ما لم يكن بعد كثير ، روى ذلك عنه الخاص والعام ، وكان ذلك ممّا يشهد لنبوته ، ولذلك أودع ما أودعه من

__________________

(١) أي علم النجوم.

(٢) الخرص : الكذب والافتراء.

٢٩٥

ذلك الائمة من أهل بيته ، ليكون شاهدا لإمامتهم من مثل ما ذكرنا عن علي عليه‌السلام ونذكر بعد عن الائمة من ذريته إن شاء الله ، وبينا أن ذلك ممّا أبان به النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله مقام علي صلوات الله عليه الذي أقام له دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام بما دعا له به قد ذكرنا فيما تقدم من أبواب هذا الكتاب كثيرا من دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لعلي عليه‌السلام ممّا جاء في الأخبار التي جرى ذلك فيها ، ونذكر فيما بعد هذا الباب في مثل ذلك إن شاء الله.

٢٩٦

[ دعاء النبي لعلي ]

[٦١٤] وممّا جاء في ذلك ما رواه الدغشي ، باسناده ، عن أبي الطفيل ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كان دعا لعلي عليه‌السلام أن لا يجد حرا ولا بردا.

قال : فكان ربما خرج علينا في الشتاء في رداء وإزار وفي الصيف في جبة.

[٦١٥] محمّد بن حنبل ، باسناده ، عن المنهال بن عمرو (١) ، قال : راح الناس الى المسجد في يوم صائف في الأزر والأردية ، وراح علي عليه‌السلام في ثياب كثاف. ثم كان الشتاء فراح الناس في الأقبية والسراويلات وراح علي عليه‌السلام في ثوبي كتان ، ثم دعا بماء فشرب ، وجعلت أنظر إليه وهو على المنبر يتصابّ عرقا. ثم نزل يصلّي.

قال : قلت لعبد الرحمن بن أبي ليلى : أرأيت من أمير المؤمنين الذي رأيت؟ قال : وما هو؟ فأخبرته.

قال : فطنت له ، قال : فدخل إليه ابن أبي ليلى ، فسأله عن ذلك.

فقال : أو ما بلغك ما كان من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في ذلك؟

__________________

(١) وهو المنهال بن عمرو الاسدي مولاهم الكوفي.

٢٩٧

قال عبد الرحمن : وما هو يا أمير المؤمنين؟

قال : دعاني يوم خيبر ، وأنا أرمد فجئت اقاد بين رجلين فتفل في راحته ثم ألصقها بعيني.

ثم قال : اللهمّ أذهب عنه الحرّ والبرد والرمد ، فو الله ما وجدت بعدها حرا ولا بردا ولا رمدا حتى الساعة ولا أجده حتى أموت.

[٦١٦] وكيع (١) ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : لما مات أبو طالب ، أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت : يا رسول الله إن عمك الضال قد مات (٢).

فقال لي : فواره ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني.

قال : فواريته ، فأمرني فاغتسلت ثم دعا لي بدعوات. ما أحب أن لي بهن ما على الأرض من شيء.

[٦١٧] علي بن عبد الحميد ، باسناده ، عن أبي جعفر محمّد بن علي صلوات الله عليه ، قال : شكا علي الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه يفلت القرآن من قبله.

فقال له : يا علي ألا اعلمك كلمات يثبتن القرآن في قلبك؟ قل :

اللهمّ ارحمني بترك معاصيك أبدا ما أبقيتني ، وارحمني من تكلف ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ، والزم قلبي حفظ

__________________

(١) أبو سفيان ، وكيع بن الجراح بن مليح الرواسي ، ولد بالكوفة ١٢٩ هـ وتوفي راجعا من الحج بفيد ١٩٧ ه‍.

(٢) وهذه الرواية بما فيها من الاضطراب تعارضها روايات اخرى ، منها ما رواه وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن ابراهيم ، عن أبيه ، عن أبي ذر الغفاري قال : والله الذي لا إله إلا هو ما مات أبو طالب حتى أسلم. وأما هذه الرواية التي ذكرها المؤلف فقد رواها المفيد بصورة صحيحة راجع تخريج الاحاديث. الكلام حول إيمان أبي طالب فسوف يأتي في ج ١٣ من هذا الكتاب إن شاء الله.

٢٩٨

كتابك كما علّمتني ، واجعلني أتلوه على النحو الذي يرضيك عني ، اللهمّ نوّر بكتابك بصري ، وفرّج به قلبي ، واستعمل به جسدي ، ووفقني لذلك إنه لا يوفقني إلا أنت ، لا حول ولا قوة إلا بالله.

قال : فقلت ذلك ، فما تفلت مني بعد ذلك شيء منه.

[٦١٨] أحمد بن شعيب النسائي ، باسناده ، عن عمرو بن ميمون (١) ، أنه قال : إني لجالس عند عبد الله بن عباس ، إذ أتاه تسعة رهط ، فقالوا له : إما أن تقوم معنا ، وإما أن يخلونا هؤلاء الّذين معك ، فإنا أردنا أن نسألك عن شيء فيما بيننا وبينك.

قال : بل أنا أقوم معكم [ قال : وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى ] (٢) قال لنا : تحدثوا.

وقام فخلا معهم ، فلا أدري ما قالوا ، إلا أنه جاء وهو ينفض ثوبه ، ويقول : افّ وتفّ يقعون في رجل له عشر خصال (٣) ما منها خصلة إلا وهي خير من الدنيا بما فيها. وقعوا في رجل قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله لا يخزيه الله أبدا ، فاستشرف لذلك من استشرف. فقال : أين علي؟ فوجد يطحن ، وما كان أحدهم ليطحن ، فدعي ، وهو أرمد ، ولا يكاد أن يبصر ، فنفث في عينيه ، ودعا له ، ثم أخذ الراية فهزها ثلاثا ، ثم دفعها إليه.

فجاء بصفية بنت حي ( فأخذها منه ) (٤).

__________________

(١) ابو عبد الله أو أبو يحيى عمرو بن ميمون الاودي المتوفى ٧٥ ه‍.

(٢) ما بين المعقوفتين موجود في خصائص أمير المؤمنين ص ٦٢.

(٣) وفي خصائص النسائي : اف وتف وقعوا في رجل له بضع عشر.

(٤) ما بين القوسين زيادة من نسخة ـ ب ـ.

٢٩٩

وبعث أبا بكر بسورة التوبة ، وبعث عليا خلفه فأخذها منه ، وقال : لا يذهب بها إلا رجل مني ، وعلي مني وأنا منه.

ودعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عليا والحسن والحسين وفاطمة عليهم‌السلام ومدّ عليهم ثوبا ، وقال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة.

وألبسه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبه في الليلة التي أمره جبرائيل بالخروج فيها الى الغار. [ وشرى على نفسه ] (١) ونام على فراشه فجعل المشركون يرمونه ، وهم يحسبون أنه نبي الله عليه‌السلام ، فجاء أبو بكر إليه ، فقال : أين رسول الله؟ فقال : ذهب نحو بئر ميمونه (٢) ، فاتبعه ، فدخل معه الغار ، والمشركون يرمون عليا صلوات الله عليه حتى أصبح.

وخرج الناس في غزوة تبوك ، فقال علي صلوات الله عليه : أخرج معك يا رسول الله؟ فقال : لا. فبكى! فقال : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنك لست بنبي.

ثم قال : أنت خليفتي على كل مؤمن من بعدي.

وسدّ أبواب المسجد غير باب علي عليه‌السلام. وكان يدخل المسجد وهو جنب ، وهو طريقه ليس له طريق غيره.

وقال : من كنت وليه فعلي وليه.

قال ابن عباس : وأخبرنا الله سبحانه في القرآن أنه قد رضي عن

__________________

(١) خصائص النسائي : ص ٦٣.

(٢) بئر ميمونة : منسوبة الى ميمون بن خالد بن عامر الحضرمي حفرها بأعلى مكة في الجاهلية وعندها قبر أبي جعفر المنصور. ( معجم البلدان ١ / ٤٣٦ ).

٣٠٠