القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي
المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١
[٤٩٤] وبآخر ، أنه نزل في قادة الأحزاب أبي سفيان والحكم وغيرهما : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) (١) فأخبر الله عزّ وجلّ أنهم لم يؤمنوا بقلوبهم وإن أظهروا الإسلام بألسنتهم ، وفيهم نزلت : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ ) (٢). ولم يسلم من قادة الأحزاب وأكابرهم غير أبي سفيان والحكم بن أبي العاص.
ولم يعتقدا ذلك لأن الله عزّ وجلّ قد أخبر أنهم لم يؤمنوا (٣).
[٤٩٥] وبآخر ، أن أبا سفيان قال بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما علمت أنه نبي حتى رأيته بعرفة في حجة الوداع ، وهو يخطب ، ورأيت ما حوله من الخلائق ، فقلت في نفسي : لو كان معي مثل نصف هؤلاء لقمت عليه.
فترك الخطبة ، وأقبل إليّ بوجهه ، وقال : إذا يكبك الله في النار على وجهك ، فعلمت حينئذ أنه نبي.
ومرة اخرى ، مرّ بي ومعي هند ، فقلت لها : يا هند بما ذا غلبني هذا الغلام من بني هاشم؟ وأنا أكبر منه سنا وأعظم شرفا في قومي وكنا في سفر.
فلما نزل يومه ذلك مضيت ، فسلّمت عليه. فقال : بالله والله غلبتك يا أبا سفيان.
وقلت في نفسي : متى لقيته هند فأخبرته ، والله ما سمع مني ذلك غيرها ولأضربنها ضربا وجيعا ، وسكت ، وتغافلت عن قوله.
__________________
(١) البقرة : ٦.
(٢) إبراهيم : ٢٨ و ٢٩.
(٣) وفي نسخة ـ أ ـ : لأن الله عزّ وجلّ قد اجزاهم لا يؤمنون.
فلما أردت أن أقوم ، قال : هيه (١) يا أبا سفيان ، أقلت في نفسك : إن هندا أخبرتني بما قلت ، وأردت أن تضربها (٢) ، ولا والله ما هي أخبرتني.
قال أبو سفيان : فعلمت أنه يوحى إليه من الله.
وكان أبو سفيان وابنه معاوية من المؤلفة قلوبهم ، وقد ذكرت فيما تقدم من هذا الكتاب ما أعطاهما رسول الله صلىاللهعليهوآله مع من أعطاه من المؤلفة قلوبهم من غنائم هوازن يوم حنين.
والمنسوبون الى العلم بالأخبار من العامة قد اجتمعوا على ذلك. وذكروا المؤلفة قلوبهم في غير موضع من مؤلفاتهم. فقالوا : المؤلفة قلوبهم الذين كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يعطيهم العطايا ليتألفهم ويتألف بهم غيرهم على الإسلام إذا كانوا وجوه قومهم ، وإذ قد جعل الله له أن يعطيهم سهما من الصدقات ، فقال جلّ من قائل عند ذكر أهل الصدقات والمؤلفة قلوبهم.
قالوا : فكانوا : أبا سفيان بن حرب ، ومعاوية بن أبي سفيان ابنه ، وحكيم بن حزام ، وسهيل بن عمرو ، وحويطب بن عبد العزى (٣) ، وصفوان بن أميّة (٤) ، والعلاء بن حارثة الثقفي ، وعيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن العوف البصري ، والعباس بن مرداس
__________________
(١) كلام حكاية الضحك.
(٢) وفي نسخة ـ ج ـ : وأردت ضربها.
(٣) حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود من بني عامر بن لؤي من المعمرين من أهل مكة ومات بالمدينة ٥٤ ه.
(٤) صفوان بن أميّة بن خلف بن وهب الجمحي القرشي المكي ، أبو وهب مات بمكة ٤١ ه
السلمي (١) ، وقيس بن محرمة ، وجبير بن مطعم (٢).
وما علمنا أحدا ممن ينسب الى العلم يقول : إن أحدا من هؤلاء يقاس بعلي عليهالسلام ولا بأحد من أهل السوابق في الاسلام من البدريين وغيرهم ، ولا إنه يصلح للخلافة فيكون يستحق ذلك ، أو يقاس بواحد من أهل السوابق في الإسلام ، فيكون لمعاوية أن ينافس عليا عليهالسلام في الإمامة ، أو الحسن عليهالسلام من بعده كما قد فعل ، ولا لمن تسبب بسببه أن يدّعيها ، أو ينافس فيها.
وقد ذكر ابن إسحاق صاحب المغازي في كتابه المؤلف في السير من كان قد حسن إسلامه من المؤلفة قلوبهم بعد أن تألفهم رسول الله صلىاللهعليهوآله بما تألفهم به.
فقال : وممن حسن إسلامه من المؤلفة قلوبهم من قريش من مسلمي الفتح : قيس بن محرمة ، وجبير بن مطعم ، والحارث بن هشام ، وحكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزى ، وسهيل بن عمرو.
فهؤلاء من الذين ذكر أنه حسن إسلامهم بعد ، ولم يذكر فيهم أبا سفيان ولا معاوية وهما من مسلمي الفتح الذين غلب عليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله يوم فتح مكة ، فأسلموا للغلبة عليهم.
ولما فتح رسول الله صلىاللهعليهوآله الطائف (٣) سأله أهلها أن يدع لهم اللات ـ وكانوا يعبدونها ـ لمدة ذكروها ، وقالوا : إنا نخشى في هدمها سفهاءنا! فأبى عليهم.
__________________
(١) أبو ميثم العباس بن مرداس بن أبي عامر السلمي من مضر مات ١٨ ه.
(٢) أبو عدي جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي من سادات قريش توفي بالمدينة ٥٩ ه.
(٣) مدينة في جنوب شرقي مكة على قمة جبل غزوان ومن أهم مصايف الحجاز.
وأرسل أبا سفيان لهدمها ومضى معه المغيرة بن شعبة (١) ، فتوقف أبو سفيان عن هدمها ، وأقام دونها ، وأرسل المغيرة ، وأبى أن يدخل الطائف.
وقال للمغيرة : امض أنت الى قومك ، فمضى فهدمها ولما رآها أبو سفيان تهدم جعل يقول : واها للاّت ، يتأسف على هدمها.
وقد ذكرت أنه خرج الى حنين مع رسول الله صلىاللهعليهوآله والأزلام معه ، وأنه أخرجها وضرب بها لما انهزم المسلمون ، وقال : هذه هزيمة لا ترجع دون البحر.
وقيل : إن عمر بن الخطاب نظر الى معاوية يوما ، فقال : هذا كسرى العرب (٢).
[٤٩٦] وبآخر ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنه قال : ما عادى معاوية عليا عليهالسلام إلا بغضه لرسول الله صلىاللهعليهوآله ، ولقد قاتله علي عليهالسلام وقاتل أباه ، وهو يقول : صدق الله ورسوله ، وهما يقولان كذب الله ورسوله ، لا والله ما يساوي بين أهل بدر والسابقين ، وبين الطلقاء والمنافقين (٣).
__________________
(١) أبو عبد الله المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود الثقفي ولاه معاوية الكوفة ومات فيها ٥٠ ه.
(٢) ونعم ما قال أبو عطاء السندي رحمهالله بهذا الصدد :
إن الخيار من البرية هاشم |
|
وبنو أميّة أفجر الأشرار |
وبنو أميّة عودهم من خروع |
|
ولهاشم في المجد عود نضار |
أما الدعاة الى الجنان فهاشم |
|
وبنو أمية من دعاة النار |
وبهاشم زكت البلاد وأعشبت |
|
وبنو أميّة كالسراب الجاري |
(٣) وقد ذكر الشيخ العاملي في اثبات الهداة ١ / ٤٤٢ ، وفي خطبة أمير المؤمنين عليهالسلام : فارتقبوا الفتنة الاموية والمملكة الكسروية.
وروى الزركلي في الإعلام ٨ / ١٧٣ : قول عمر في معاوية.
[٤٩٧] وقيل لمعاوية ـ لما تغلب على الأمر ـ لو سكنت المدينة فهي دار الهجرة وبها قبر رسول الله صلىاللهعليهوآله .
فقال : قد ضللت إذا ، وما أنا من المهتدين.
[٤٩٨] وذكر علي عليهالسلام معاوية فقال : معاوية طليق ابن طليق ، منافق ابن منافق ، وقد لعن رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا سفيان ومعاوية ويزيد.
[٤٩٩] وسمع رسول الله صلىاللهعليهوآله معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان ، وقال : اللهمّ اركسهما في الفتنة ركسا (١) ودعهما الى النار دعّا.
[٥٠٠] وسمع علي عليهالسلام رجلا يلعن أهل الشام ، فقال : ويحك لا تلعنهم ، ولكن العن معاوية وعمرو بن العاص وشيعتهما.
[٥٠١] وكان علي عليهالسلام يلعنهم في قنوته.
[٥٠٢] وجاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنه أشرف يوم أحد على عسكر المشركين ، فقال : اللهمّ العن القادة منهم والأتباع.
فأما الأتباع فإن الله يتوب على من يشاء منهم.
وأما القادة والرءوس فليس منهم مجيب (٢) ولا ناج. ومن القادة يومئذ أبو سفيان وابنه معاوية معه.
[٥٠٣] وعنه صلىاللهعليهوآله أنه قال : يكون معاوية في صندوق من النار مقفل عليه ، لا تحته إلا فرعون في أسفل درك من جهنم ، ولو لا قول فرعون : ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى ) (٣) لما كان تحت معاوية.
__________________
(١) أي ثبت وأقام.
(٢) هكذا في كتاب العوالم ص ٢٠٨ وفي الاصل : نجيب.
(٣) النازعات : ٢٤.
[٥٠٤] وقال صلىاللهعليهوآله : يخرج من ادخل النار من هذه الامة بعد ما شاء الله ، ويبقى فيها رجل تحت صخرة الف سنة ينادي يا حنان يا منان.
فكان يقال : هو معاوية بن أبي سفيان.
[٥٠٥] وعن صعصعة بن صوحان ، انه قال ـ في أيام يزيد ـ : ليت الأرض لفظت إلينا معاوية لننظر إليه كيف عذبه الله ، وينظر إلينا كيف عذبنا ابنه.
[٥٠٦] وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، انه بعث يوما الى معاوية ، فقالوا : هو يأكل ، فمكث ساعة.
ثم بعث إليه ، فقالوا : هو يأكل ، فمكث ساعة.
ثم بعث إليه ثالثة. فقالوا : هو يأكل. فقال : لا أشبع الله بطنه.
فلم يكن بعد ذلك يشبع ، ولو أكل ما عسى أن يأكل (١).
[٥٠٧] وعنه صلىاللهعليهوآله أنه قال : إذا رأيتم معاوية يخطب على المنبر ، فاقتلوه.
قال الحسن البصري : قد والله رأوه يخطب فما فعلوا [ ولا أفلحوا ] (٢).
[٥٠٨] وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه نظر يوما الى معاوية ، فقال : إن هذا سيطلب هذا الأمر بعدي ، فمن أدركه منكم يطلب ذلك ، فليبقر بطنه بالسيف.
__________________
(١) قال الشاعر يصف رجلا أكولا :
وصاحب لي بطنه كالهاوية |
|
كأن في أمعائه معاوية |
(٢) هذه الزيادة من كتاب وقعة صفين : ص ٢١٦.
[٥٠٩] وعنه صلىاللهعليهوآله أنه قال : إذا رأيتم عمرا مع معاوية ، فافرقوا بينهما ، فانهما لا يجتمعان لخير.
وأجرى معاوية ماء على موضع قبور الشهداء باحد ، فأمر بنبشهم ، فنبشوا واخرجوا من قبورهم رطابا يثنون ، وأصابت المسحاة رجل حمزة رضوان الله عليه ، فدميت ، وأزالهم معاوية من قبورهم ، وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أمر بدفنهم هناك في مواضع مصارعهم ، وحمل بعضهم الى المدينة.
فأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بردهم وبدفنهم في مصارعهم ، فغير ذلك معاوية ، ونقض أمر رسول الله [ فيهم ] (١).
[٥١٠] وعن أبي سعيد الخدري ، أنه سئل عن قتال معاوية لعلي عليهالسلام فقال : معاوية الفاسق نازع الحق أهله.
[٥١١] وبلغ سعد بن أبي وقاص كلام تكلم به معاوية ، فقال : من أين يدري الفاسق هذا.
[٥١٢] وذكر الحسن البصري معاوية ، فقال : جبار فاسق.
[٥١٣] وعن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه نظر الى معاوية يتبختر في برد حبرة وينظر الى عطفيه ، فلعنه.
وقال : أي يوم سوء لامتي منك ، وأي يوم سوء لذريتي من جرو يخرج من صلبك [ من ] يتخذ آيات الله هزوا ، ويستحل من حرمتي ما حرم الله تعالى.
[٥١٤] وعن أبي ذر رضوان الله عليه أنه قال : قد سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : ترد عليّ الحوض أمتي على خمس رايات ـ ثم ذكر حديثا طويلا ، قال فيه ـ :
__________________
(١) هكذا صححناه ، وفي الاصل : فيه.
ثم يرد فرعون أمتي في أتباعه ، فأخذ بيده (١) فإذا أخذ بها اسودّ وجهه و [ ر ] جفت قدماه وخفقت أحشاؤه ، ويفعل ذلك بأتباعه.
ثم قال : هو معاوية بن أبي سفيان.
فأقول : ما ذا أخلفتموني في الثقلين بعدي؟ فيقولون : كذبنا الأكبر ومزقناه وقاتلنا الأصغر وقتلناه.
فأقول : اسلكوا طريق أصحابكم. فينصرفون ظمأ مسودة وجوههم لأنه لا يطعمون منه قطرة.
ومن أجل هذا الحديث وغيره ممّا رواه أبو ذر رحمة الله عليه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله في بني أميّة حلّ به ما حلّ من النفي والتكذيب ، وقد شهد له رسول الله صلىاللهعليهوآله بالصدق. فقال عليه الصلاة والسّلام : ما أقلّت الغبراء ولا أظلّت الخضراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر (٢) فنفاه عثمان الى الربذة ، فمات بها طريدا وحيدا ، كما أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بذلك ، ورآه يمشي في غزوة تبوك في آخر الناس وحده. فقال : رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده.
[ من أعمال معاوية ] (٣)
وقيل : إن معاوية سمّ سعد بن أبي وقاص ، فمات ، لما كان يرويه عن
__________________
(١) وفي اليقين : وهي راية العجل فأقوم إليه فأخذ بيده.
(٢) رواه احمد بن حنبل في مسنده عن ابيه عن حسن بن موسى وسليمان بن حوب قالا : حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن بلال بن أبي درداء عن أبي درداء أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : ما اقلت الغبراء ... الحديث ( مسند احمد ٦ / ٤٤٢ ).
(٣) ولا يخفى أن أعماله الاجرامية كثيرة لم يذكر المؤلف إلا الندر القليل ، ومن أراد الاطلاع على اكثر ممّا ذكره فليراجع : النصائح الكافية ، وفصل الحاكم ، وتقوية الايمان ردّ تزكية ابن أبي سفيان للسيد محمّد بن عقيل العلوي ، وغيرها.
رسول الله صلىاللهعليهوآله فيه.
وقيل لمالك بن أنس : كان معاوية حليما ، فقال : وكيف يكون حليما من أرسل بسر بن أرطاة ما بينه وبين اليمن لا يسمع بأحد عنده خبر يخاف منه إلا قتله حتى إذا قتل الناس وحلم ، ما كان بحليم ولا مبارك.
وذكر الشعبي معاوية ، فقال : كان كالجمل الطب (١) إن سكت عنه أقدم ، وإن قدم عليه تأخر.
[ ضبط الغريب ]
والجمل الطب : هو الذي يتعاهد موضع خفه أين يطاء به.
فكأنه شبهه بذلك الجمل. إنه ينظر في امور الناس كما ينظر ذلك الجمل أن يضع خفيه ، فمن رأى أنه يقدم عليه تأخر عنه ، ومن رأى أنه يحجم عنه أقدم عليه.
وقيل لشريك بن عبد الله : أكان معاوية ـ كما يقال ـ حليما؟
فقال : لا وكيف يكون حليما من سفه الحق.
[٥١٥] وقال الحسن البصري : غزوت الدوب (٢) زمان معاوية ، وعلينا رجل من التابعين ـ ما رأيت رجلا أفضل منه ـ.
فانتهى إلينا ان معاوية قتل حجر بن عدي وأصحابه ، فصلّى بنا الظهر ، ثم خطب. فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي صلىاللهعليهوآله ، ثم قال : أما بعد ، فقد حدث في الإسلام حدث لم يكن مذ قبض رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك أن معاوية قتل حجر بن عدي
__________________
(١) ونسخة الاصل : كالجمل الطت : أي الماهر المعلم.
(٢) وفي نسخة ـ أ ـ : الدروب ونسخة ـ ج ـ : الدرب.
وأصحابه من المسلمين صبرا ، فإن يك عند الناس تغيير (١) وإلا فاني أسأل الله أن يقبضني إليه.
قال الحسن : فو الله ما صلّينا العصر من ذلك اليوم حتى مات رحمة الله عليه.
__________________
(١) وفي نسخة ـ ج ـ : تفسير.
[ مقتل حجر بن عدي ]
وكان حجر بن عدي من خيار الصحابة ، ولم يقتل في الإسلام مسلم صبرا قبله. قتله معاوية وأصحابه بعد أن حملوا إليه مصفدين في بستان (١).
فقيل : إن شجر ذلك البستان جفت من يوم ذلك وكان من أصحاب علي عليهالسلام.
[٥١٦] فقيل : إن معاوية دخل ـ بعد أن قتل حجرا وأصحابه ـ (٢) على عائشة.
__________________
(١) يقال له مرج العذراء ، قرية بقوطة دمشق ، من اقليم خولان.
(٢) قال ابن العماد في شذرات الذهب ١ / ١٣٠ : واصحابه هم :
١ ـ ولده همام.
٢ ـ شريك بن شداد الحضرمي.
٣ ـ محرز بن شهاب التميمي.
٤ ـ قبيصة بن ربيعة العبسي.
٥ ـ كدام بن حيان العنزي.
٦ ـ صيفي بن فسيل الشيباني.
وأجاد من قال :
جماعة بفنا عذراء قد دفنوا |
|
لهم من الله إجلال واكرام |
حجر وقبيصة صيفي شريكهم |
|
ومحرز ثم همام وكدام |
عليهم الف رضوان ومكرمة |
|
تترى تدوم عليهم كلما داموا |
ومثلها لعنات للذي سفكوا |
|
دماءهم وعذاب للذي استاموا |
فقالت له : تدخل عليّ بعد أن قتلت حجرا وأصحابه ، أما خفت أن أقعد لك رجلا من المسلمين يقتلك.
فقال لها معاوية : لا اخاف ذلك ، لأني في دار أمان ، لكن كيف أنا في حوائجك؟
قالت : صالح.
قال : فدعيني وإياهم حتى نلتقي عند الله.
قالت : وكيف أدعك وقد أحدثت مثل هذا الحدث ، وغيّرت حكم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، [ حيث ] قال صلىاللهعليهوآله : الولد للفراش ، فنفيت زيادا عمن ولد على فراشه ، ونسبته إلى أبيك ، ووليت يزيد برأي نفسك.
فقال : يا أم المؤمنين ، أما إذا أبيت ، فاني لو لم أقتل حجرا لقتل بيني وبينه خلق كثير ، واما زياد فإن أبي عهد إليّ فيه ، وأما يزيد فاني رأيته أحق الناس بهذا الأمر ، فوليته.
وكان عند عائشة المغيرة بن شعبة والمسور بن مخرمة (١) ، فقالت لهما : أما تسمعان عذر معاوية.
فأما المغيرة فرفق له في القول.
وأما المسور فغلظ عليه فيه ثم افترقوا. فوفد المسور بعد ذلك على معاوية في جماعة فحجبه دونهم فقضى حوائجهم وأخره ، ثم أدخله بعد ذلك إليه ، فقال له : أتذكر كلامك عند عائشة؟
قال : نعم والله ما أردت به إلا الله.
__________________
(١) وهو أبو عبد الرحمن المسور بن مخرمة بن نوفل بن أهيب القرشي وخاله عبد الرحمن بن عوف ولد ٢ هـ أدرك النبي وسمع منه.
كان مع ابن الزبير فأصابه حجر من حجارة المنجنيق في الحصار بمكة فقتل ٦٤ ه.
قال : دع هذا ، وهات حوائجك.
فأما اعتراف معاوية بقتل حجر وأصحابه فلشىء توهمه ـ قد يكون ، وقد لا يكون ـ فذلك القتل ظلما ، وقد تواعد الله تعالى عليه بالنار (١).
وأما اعتذاره في أن أباه عهد إليه في إلحاق زياد به ، فاتباعه أمر أبيه ومخالفته أمر رسول الله صلىاللهعليهوآله ممّا تواعد الله تعالى عليه الفتنة والعذاب الاليم (٢).
وأما قوله : إنه رأى يزيد أحق الناس بالإمامة فذلك من رأيه الفاسد ، وقد لعنه رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ كما ذكرت ـ ولعن أباه وابنه يزيد. ومن لعنه رسول الله صلىاللهعليهوآله فهو ملعون ، والملعون لا يكون إماما (٣).
__________________
(١) اشار الى الآية الكريمة : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً ) النساء : ٩٣.
(٢) روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : لا ترغبوا عن آبائكم فمن رغب عن أبيه فقد كفر. وروى أيضا عن سعد بن أبي وقاص قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه [ وآله ] يقول : من ادعى الى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة عليه حرام.
(٣) وخير ما نختم به هذا الجزء قصيدة للشاعر السوري محمّد مجذوب بعنوان : على قبر معاوية :
أين القصور أبا يزيد ولهوها |
|
والصافنات وزهوها والسؤدد |
أين الدهاء نحرت عزته على |
|
أعتاب دنيا سحرها لا ينفد |
أثرت فانيها على الحق الذي |
|
هو لو علمت على الزمان مخلد |
تلك البهارج قد مضت لسبيلها |
|
وبقيت وحدك عبرة تتجدد |
هذا ضريحك لو بصرت ببؤسه |
|
لأسال مد معك المصير الاسود |
كتل من الترب المهين بخربة |
|
سكر الذباب بها فراح يعربد |
خفيت معالمها على زوارها |
|
فكأنها في مجهل لا يقصد |
ومشى بها ركب البلى فجدارها |
|
عار يكاد من الضراعة يسجد |
فهذه نكت قد ذكرناها كما شرطنا مختصرة من مثالب معاوية وبني أميّة. وقد ذكرنا تمام القول في ذلك في كتاب المناقب والمثالب ، ومن أراد استقصاء ذلك نظر فيه ، وإن كنا أيضا قد اختصرناه. ففي واحدة ممّا ذكرنا من ذلك ما يوجب إسفاط من ذكرت فيه ولا يقاس بأهل الفضل الذين نطق القرآن بفضلهم وأبانهم الرسول به صلىاللهعليهوآله وهم على وصيه والائمة من ولده عليهمالسلام.
وقد ذكرنا ونذكر في هذا الكتاب من فضائله وفضائل الائمة من ولده عليهمالسلام ما لا يخفى فضلهم ، وفرق ما بينهم وبين من ادعى مقاماتهم ، مع ما ذكرنا ونذكره من ذلك على من وفق لفهمه ، وهدي لرشده إن شاء الله تعالى.
تمّ الجزء السادس من كتاب شرح الأخبار ، والحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين ، ويتلوه الجزء السابع منه ، تأليف سيّدنا القاضي الأجل النعمان بن محمّد رضوان الله عليه.
__________________
والقبة الشماء نكس طرفها |
|
فبكل جزء للفناء بها يد |
تهمي السحائب من خلال شقوقها |
|
والريح في جنباتها تتردد |
حتى المصلى مظلم فكأنه |
|
مذ كان لم يجتز به متعبد |
أأبا يزيد لتلك حكمة خالق |
|
تجلى على قلب الحكيم فيرشد |
أرأيت عاقبة الجموح ونزوة |
|
أودى بلبك غيها المتردد |
أغرتك بالدنيا فرحت تشنها |
|
حربا على الحق الصراح وتوقد |
أأبا يزيد وساء ذلك عترة |
|
ما ذا أقول وباب سمعك موصد |
قم وارمق النجف الشريف بنظرة |
|
يرتد طرفك وهو باك أرمد |
تلك العظام أعزّ ربك قدرها |
|
فتكاد لو لا خوف ربك تعبد |
أبدا تباكرها الوفود يحثها |
|
من كل صوب شوقها المتوقد |
نازعتها الدنيا ففزت بوردها |
|
ثم انطوى كالحلم ذاك المورد |
وسعت الى الاخرى فأصبح ذكرها |
|
في الخالدين وعطف ربك أخلد |
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[ من فضائل أمير المؤمنين ]
وممّا جاء من مناقب علي صلوات الله عليه وفضائله وسوابقه.
[٥١٧] الدغشي ، باسناده ، عن عبد الله بن رقيم الكناني ، قال : قدمت المدينة ، فلقيت سعد بن أبي وقاص ، فقال لي : من أين أقبلت؟
قلت : من العراق.
قال : كيف تركت عليا عليهالسلام؟
قلت : صالحا.
قال : فهل سمعته ذكرني بشيء؟
قلت : لا.
قال : إنه لرجل لا أزال أحبه بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلىاللهعليهوآله ، سمعته يقول لعلي عليهالسلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، غير إنه لا نبي بعدي.
وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله بسد الأبواب التي كانت تشرع الى مسجده ، وترك باب علي عليهالسلام.
فقال بعض أعمامه : يا رسول الله ، سددت بابي ، وتركت باب هذا الغلام ـ يعني عليا عليهالسلام ـ؟
فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ما أنا سددت أبوابكم
وتركت بابه ، ولكنّ الله فعل ذلك ، وأمرني به ، فامتثلت أمره.
وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر ببراة الى أهل مكة ، فلما سار بها بعث عليا عليهالسلام في أثره ، وأمره بأخذها منه ، ويؤدي عنه الى أهل مكة.
فقال أبو بكر : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، إلا أنه نزل عليّ ألا يبلغ عني إلا أنا أو رجل مني ، وعلي مني.
[٥١٨] وبآخر ، عن جميع بن عمير التميمي (١) ، قال : صلّيت في مسجد النبي صلىاللهعليهوآله فرأيت عبد الله بن عمر جالسا ، فأتيته ، فسلمت عليه ، وجلست إليه ، وقلت : حدثني عن علي عليهالسلام.
فقال : هذا منزل علي وهذا منزل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وإن شئت حدثتك عنه.
قلت : نعم حدثني عنه.
قال : آخى رسول الله صلىاللهعليهوآله بين أصحابه ، وترك عليا عليهالسلام : فقال له : يا رسول الله آخيت بين المهاجرين وتركتني ، فمن أخي؟
قال : أما ترضى يا علي أن تكون أخي؟
قال : بلى ، يا رسول الله.
قال : فأنت أخي في الدنيا والآخرة.
وقال رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ يوم خيبر ـ : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، فما منا أحد إلا رجا
__________________
(١) وفي تهذيب التهذيب ٢ / ١١١ : جميع بن عمير بن عفاف التيمي الكوفي.
أن يكون صاحبها. فلما أصبح ، قال : أين علي؟
قالوا : أرمد.
قال : ادعوه لي.
فدعي له ، فلما جاء تفل في عينه وأعطاه الراية ، وتقدم ، وسرنا معه فما تتامّ آخرنا حتى فتح الله به على أولنا.
قال : وبعث رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر ببراة ، فلما أتى ذا الحليفة (١) أرسل عليا عليهالسلام فأخذها منه. فقال أبو بكر لعلي عليهالسلام : أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، إلا أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي.
قال : فرجع أبو بكر الى رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : يا رسول الله ، أنزل فيّ شيء؟
قال : لا ، ولكن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل من أهل بيتي.
[٥١٩] وبآخر ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : لما أمرني رسول الله صلىاللهعليهوآله بأن ألحق أبا بكر ، فآخذ منه برأة ، وأمضي بها في أهل مكة ، فأقرأها عليهم ، وأودي عنه إليهم. قلت : يا رسول الله ، إني لست بالخطيب (٢) ، وأنا رجل حدث (٣) السن.
قال : لا بدّ من أن تذهب بها ، أو أذهب بها أنا.
قلت : أما إذا كان ذلك ، فأنا أذهب بها يا رسول الله.
__________________
(١) احدى المواقيت التي يحرم الحجاج منها.
(٢) وفي مسند أحمد ١ / ١٥٠ : ولا بالخطب.
(٣) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي نسخة الأصل : حديث السن.
قال : اذهب فسوف يثبت الله لسانك ويهدي قلبك (١).
[٥٢٠] وبآخر ، عن أبي حازم ، قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال :
أيها الناس سدوا أبوابكم عن المسجد ، فكان الناس توقفوا. ثم خرج الثانية ، فقال ذلك ، فتوقفوا.
قال ابن عباس : فخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله الثالثة ، فقال : أيها الناس سدوا أبوابكم غير باب علي قبل أن ينزل العذاب ، فسدوا أبوابهم غير باب علي.
فقال بعض الناس : إنما ترك باب علي لقرابته. وقال بعضهم : لو كان ذلك للقرابة لكان حمزة أقرب إليه منه ، هو عمه ، وأخوه من الرضاعة ، ولكن من أجل ابنته فاطمة.
فلما كثر خوضهم في ذلك ، خرج إليهم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال :
أيها الناس إنما أنا بشر ، والله ما أنا أصنع إلا بما أمرت به ، وما أعلم إلا بما علّمت ، وقد تعلمون أني نزلت قبا (٢) ، فاتخذت بها مسجدا ومسكنا ، وما أردت التحويل ، فخرجت بي النافة ، واستقبلتني الأنصار ، فقلت : دعوها فإنها مأمورة ، فبركت حيث بنيت المسجد ، وإن الله أوحى إلى موسى عليهالسلام أن اتخذ مسجدا طهرا تسكنه أنت وهارون وأبناء هارون ، وان الله قد أمرني أن أتخذ مسجدا طهرا أسكنه أنا وعلي وأبناء علي ، والله ما أنا سددت ، ولا أنا فتحت (٣).
__________________
(١) واضاف في الفضائل ص ٣٢٣ : ثم وضع يده على فمه.
(٢) محلة من محلات المدينة المنورة.
(٣) قال علي بن عبد الله السمهودي في كتابه خلاصة الوفا باخبار دار المصطفى ص ٢٥٢ بعد