شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أمّ سلمة ، اسمعي واحفظي واشهدي ، هذا علي سيط لحمه بلحمي ، ودمه بدمي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي. يا أمّ سلمة ، اسمعي واحفظي واشهدي ، هذا علي قاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

قال الشامي : من الناكثون والقاسطون والمارقون؟

قال ابن عباس : الناكثون الذين بايعوه بالمدينة ونكثوا بيعتهم ، وقاتلوه بالبصرة. والقاسطون معاوية وأصحابه. والمارقون أهل النهروان.

قال : ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لام سلمة : يا أمّ سلمة ، اسمعي واحفظي واشهدي ، هذا أخي في الدنيا ، وقريني في الآخرة.

يا أمّ سلمة ، اسمعي واحفظي واشهدي ، هذا عليّ عيبة علمي ، والباب الذي أوتي من قبله. والوصي على الأحياء من أهل بيتي ، وهو معي في السنام الأعلى صاحب لوائي ، ولذائد عن حوضي ، وصاحب شفاعتي.

يا أمّ سلمة ، اسمعي واحفظي واشهدي ، إن الله عزّ وجلّ دافع إليّ يوم القيامة لواءين : لواء الحمد ولواء الشفاعة ، ولواء الشفاعة بيدي ، ولواء الحمد بيد علي ، وهو واقف على حوضي ، لا يسقى من حوضي من شتمه ، أو شتم أهل بيته ، ولا من قتله ، ولا من قتل أهل بيته.

فقال له الشامي : حسبك يا بن عباس رحمك الله فرجت عني كربتي واحييتني وأحييت معي خلقا. فأحياك الله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة اشهد الله واشهدك ، ومن حضر ، أن عليا مولاي

٢٠١

ومولى كل مسلم.

ثم انصرف الى الشام. فأعلم الذين أرسلوه بما كان من ابن عباس. فرجع معه خلق من أهل الشام عن سبّ علي عليه‌السلام.

[٥٣٢] وكيع ، باسناده ، عن سلمان الفارسي قدّس الله روحه ، قال : صعد علي أمير المؤمنين المنبر ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، وصلّى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر شيئا أراد ذكره.

فقال له الناس : أخبرنا يا أمير المؤمنين عن نفسك؟

فقال : أما تعلمون أن الله عزّ وجلّ قال في كتابه : ( فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى ) (١).

قالوا : يا أمير المؤمنين ، إنا نحب أن تخبرنا عن نفسك.

قال : إنا أهل بيت لا يقاس بنا أحد.

قالوا : تخبرنا ، يا أمير المؤمنين ، عما خصّك الله به ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

قال : كنت إذا سألت أعطيت ، وإذا سكت ابتديت.

ثم نزل عن المنبر.

__________________

(١) النجم : ٣٢.

٢٠٢

[ حديث سدّ الأبواب ]

[٥٣٣] وبآخر ، عنه ، أنه قال : إن الله عزّ وجلّ أوحى الى موسى وأخيه ( أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً ) (١).

فبنى موسى مسجدا ، وكان فيه هو وأخوه هارون عليهما‌السلام ، وأهلوهما ، وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لما دخل المدينة (٢) ابتنى المسجد ، وابتنى أصحابه حوله ، وفتحوا أبوابهم الى المسجد.

وان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أرسل معاذ بن جبل (٣) الى العباس ، فقال له : سدّ بابك الذي يلي المسجد.

فقال : سمعا وطاعة.

ثم أرسل الى حمزة فكان حديدا ، فتكلم بشيء ، ثم قال : سمعا وطاعة.

وأرسل الى أبي بكر ، فقال سمعا وطاعة.

ثم أرسل الى عمر بذلك ، فقال : ولكن يترك لي كوة (٤) أنظر منها

__________________

(١) يونس : ٨٧.

(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الاصل : دخل المسجد.

(٣) أبو عبد الرحمن معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الانصاري الخزرجي ولد ٢٠ قبل الهجرة توفي عقيما بناحية الاردن ١٨ هـ ودفن بالقصير المعيني ( بالغور ).

(٤) وفي مناقب ابن المغازلي ص ٢٥٤ : إني ارغب الى الله في خوخة.

٢٠٣

الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خرج الى الصلاة ، وإذا انصرف.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : لا ولا ثقبة. فقال : سمعا وطاعة.

وأرسل الى عثمان ، والى كل من كان له باب الى المسجد ، أن يسدّوا أبوابهم غير علي صلوات الله عليه. فقالوا : سمعا وطاعة.

فقال علي عليه‌السلام لمعاذ : أمرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في شيء؟

قال : لا.

قال : فاسأله.

فأخبره معاذ بقول علي عليه‌السلام.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ارجع إليه ، فقل له : أقم (١) طاهرا مطهرا.

فلما ترك عليا عليه‌السلام وحده ، وجد قوم في أنفسهم وتكلموا فيه.

فقال العباس (٢) لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أخرجت عمك وبني عمك وأبا بكر وعمر وتركت عليا وحده.

فقال : يا عم والله ما أنا الذي خرجتهم ، ولا أنا الذي تركت عليا انما أنا مأمور ، ما أمرت به فعلته ، وانما امرت أن لا يجامع أحد في المسجد ، ولا يدخله جنبا إلا أنا وعلي عليه‌السلام. عليّ مني بمنزلة

__________________

(١) وفي مناقب ابن المغازلي : اسكن.

(٢) وفي مناقب ابن المغازلي : فقال حمزة.

٢٠٤

هارون من موسى ، يحلّ له ما حلّ لي ، ويحرم عليه ما حرم عليّ. فقال العباس : سمعا وطاعة.

فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : من تولاني تولى عليا ، ومن لم يقل بولاء علي فقد جحد ولايتي ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه والى الله من والاه ، وعادى الله من عاداه. علي يبرئ ذمتي ويؤدي عني أمانتي ، وعلي ضامن عداتي ، وخافر ذمتي ، وعيبة علمي ، ومحيي شريعتي ، والذي يقاتل عن سنتي ، وهو مني وأنا منه ، وهو معي على السنام الأعلى ، يكسى معي إذا كسيت ، ويدعى معي إذا دعيت ، ويفد معي إذا وفدت ، يحلى معي إذا حليت ، وهو إمام المؤمنين ، وقائد الغرّ المحجلين ، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين.

[ الرسول ومنزلة علي ]

[٥٣٤] ابن لهيعة (١) ، باسناده ، عن معاذ بن جبل ، قال :

لما فشى أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بمكة ، وأسلم من أسلم من المسلمين ، ووثب عليهم قومهم يعذبونهم ليفتنوهم عن دينهم ، وأذن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لهم في الهجرة ، فهاجر من خاف من قومه على نفسه وتفرقوا في البلدان ، وأقام مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من حماة قومه ، افتقد عليا عليه‌السلام ـ ذات يوم ـ فلم يعلم مكانه حتى أمسى ، فاشتدّ غمه به ، فرأت أثر الغم عليه خديجة رضوان الله عليها ، فقالت : يا رسول الله ما هذا الغم الذي أراه عليك؟

__________________

(١) وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة بن فرعان الحضرمي المصري قاضي مصر. ولد ٩٧ ه‍. توفي بالقاهرة ١٧٤ ه‍.

٢٠٥

قال : غاب علي منذ اليوم فما أدري ما صنع به ، وقد أعطاني الله عزّ وجلّ فيه ثلاثا في الدنيا وثلاثا في الآخرة لا أخاف معها عليه [ أن يموت ولا يقتل حتى يعطيني الله موعده إياي ] (١). إلا أني أخاف عليه واحدة.

قالت : يا رسول الله وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الدنيا؟ وما الثلاث الذي أعطاكها الله في الآخرة؟ وما الواحدة التي تخشاها عليه؟

قال : يا خديجة ، إن الله عزّ وجلّ أعطاني في علي لدنياي : إنه يقتل أربعة وثمانين (٢) مبارزا قبل أن يموت أو يقتل ، فإنه يواري عورتي عند موتي ، وإنه يقضي ديني وعداتي من بعدي. وأعطاني في علي لآخرتي إنه صاحب مفتاحي يوم أفتح أبواب الجنة ، وصاحب لوائي يوم القيامة ، وإنه صاحب حوضي. والتي أخافها عليه ضغائن له في قلوب قوم.

فخرجت خديجة في الليل تلتمس خبر علي عليه‌السلام ، فوافقته ، فأعلمته باغتمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بغيبته ، وألفته مقبلا إليه ، فسبقته تبشره ، فقام قائما ، فحمد الله تعالى رافعا يديه.

[٥٣٥] وبآخر ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قال لي جبرائيل عليه‌السلام : يا محمّد ، إن حفظة علي تفتخر على الملائكة.

قلت : بما ذا يا جبرائيل؟

__________________

(١) هذه الزيادة من بحار الأنوار ٤٠ / ٦٥ الحديث ٩٩.

(٢) وفي بحار الأنوار : أربعة وثلاثين.

٢٠٦

قال : تقول : إنها لم تكتب على عليّ خطيئة منذ صحبته.

[ آية الاعتصام ]

[٥٣٦] محمّد بن علي العنبري ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه كان جالسا في المسجد وحوله جماعة من أصحابه ، وفيهم علي إذ وقف عليه أعرابي ، فقال : يا رسول الله جئت إليك أسألك عن آية من كتاب الله تعالى سمعته يأمر فيها بما لم أدر ما هو.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : سل يا أعرابي.

قال : سمعت الله عزّ وجلّ يقول : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً ) (١) ، فما هذا الحبل الذي أمرنا أن نعتصم به؟

فأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيد الأعرابي ، فوضعها على كتف (٢) علي عليه‌السلام ، وقال : هذا حبل الله الذي آمركم بالاعتصام به.

فدار الأعرابي من خلف علي عليه‌السلام ، فاعتنقه ، وقال : اللهمّ إني أعتصم به.

فقال رسول الله : من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ، فلينظر الى هذا الأعرابي.

[٥٣٧] أحمد بن علي الروري (٣) ، باسناده ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إن عليا اوتي ما لم يؤته إلا نبي ، إن عليا لم يشرك بالله قط ، ولم يكذب كذبة قط ، ولم يشرب خمرا قط.

__________________

(١) آل عمران : ١٠٣.

(٢) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الأصل : فوضعها من خلف على كتف.

(٣) وفي نسخة ـ ب ـ : الدوري.

٢٠٧

[٥٣٨] سفيان ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه قال :

لما نزلت : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ) (١) سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عن قدر الصدقة؟

فقال : دينار.

قلت : إن أكثر الناس لا يجده.

قال : فما استطعت.

قال : فتصدقت وناجيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وأنزل الله عزّ وجلّ : ( أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ ) (٢). وخفف الله ذلك عن الامة ولم يفعله غيري.

[٥٣٩] أبو عبد الرحمن القصير (٣) المقري ، باسناده ، عن عبد الرحمن بن سداد بن الهادبة (٤) ، قال : وددت أني كنت قمت ، فذكرت مناقب علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيه يوما الى الليل ثم أقدم فتضرب عنقي.

[٥٤٠] وبآخر ، عن أبي رجا العطارديّ (٥) ، أنه سمع قوما من الخوارج يسبون عليا عليه‌السلام ، فقال : مهلا ويلكم أتسبون أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وابن عمه ، وأول من صدقه ، وآمن به ، والله لمقام علي صلوات الله عليه مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ساعة من نهار خير من أعماركم بأجمعها.

__________________

(١) المجادلة : ١٢.

(٢) المجادلة : ١٣.

(٣) هكذا في نسخة ـ ج ـ وفي الاصل : القصر.

(٤) وفي نسخة ـ ب ـ : شداد بن المهادية.

(٥) المصري واسمه عمران.

٢٠٨

[ حديث الراية ]

[٥٤١] أبو عوانة (١) ، باسناده ، عن عمرو بن ميمون (٢) ، قال : كنا عند عبد الله بن عباس ، فأتاه قوم (٣) ، فقالوا : إنا نحبّ أن نخلو معك.

فقام ، فجلس معهم ناحية ، ثم انصرف ، وهو ينفض ثوبه ، ويقول : اف لهؤلاء وقعوا في رجل قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عشر خلال ، كل خلة منها خير من الدنيا وما فيها ، وقعوا في علي أمير المؤمنين.

وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله لا يخزيه الله عزّ وجلّ ، فأعطاها عليا صلوات الله عليه.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لبني عبد المطلب ـ وقد جمعهم ـ : أبكم يتولاّني؟

يعرض ذلك عليهم رجلا رجلا ويأبون حتى انتهى إلى علي عليه‌السلام ـ وهو أحدثهم سنا ـ.

فقال : أنا أتولاك يا رسول الله.

قال : فأنت أخي ووليي في الدنيا والآخرة.

ووضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ثوبه عليه وعلى زوجته فاطمة عليها‌السلام وعلى ابنيه الحسن والحسين عليهما‌السلام وقال : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ

__________________

(١) وفي نسخة الأصل : أبو عوان.

(٢) أبو عبد الله ، ويقال : أبو يحيى عمرو بن ميمون الأودي المتوفى ٧٥ ه‍.

(٣) وفي مناقب الخوارزمي ص ٧٣ : إذ أتاه تسعة رهط.

٢٠٩

تَطْهِيراً ) (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه.

وبعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ببراءة مع أبي بكر إلى أهل مكة ، ثم أردفه بعلي عليه‌السلام ، فأخذها منه ، وقال : إنه لا يبلغ عني إلا رجل مني ، وعلي مني وأنا منه.

وخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى تبوك ، واستخلفه على المدينة وعلى أهله ، فبكى ، وقال : أخرج معك يا رسول الله.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنت وزيري وخليفتي في قومي كما كان هارون وزير موسى عليهما‌السلام وخليفته في قومه.

وكان أول من أسلم منا.

وسدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أبواب المسجد غير بابه [ فكان يدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق سواه ] (٢).

ونام على فراش رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليلة هاجر ليري المشركين الذين تواطأ واعلى قتله أنه لم يزل ، فواساه بنفسه وبذلها دونه.

وأخبر الله عزّ وجلّ في كتابه ، أنه قد رضي عنه وعن أهل الشجرة بقوله تعالى : ( لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ ) (٣) ، فكان علي عليه‌السلام أحدهم.

[ الرسول مع فاطمة ]

[٥٤٢] يحيى بن أبي بكير ، باسناده ، عن معدان بن سنان ، أنه قال :

__________________

(١) الأحزاب : ٣٣.

(٢) الفتح : ١٨.

(٣) هذه الزيادة من مناقب الخوارزمي.

٢١٠

مرضت فاطمة عليها‌السلام بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأتاها عليه‌السلام ليعودها ، فبكت وشكت إليه حالها. فقال : يا فاطمة أما ترضين أن زوجتك أقدم امتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما؟

قالت : بلى ، رضيت يا رسول الله.

[٥٤٣] الأعمش ، باسناده ، عن أبي أيوب الأنصاري (١) ، أنه قال : مرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فعادته فاطمة ابنته صلوات الله عليها ، فلمّا نظرت الى ما برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من العلة بكت ، فقال : مه يا بنية ، أما علمت أن الله عزّ وجلّ اطلع الى الأرض اطلاعة ليختار لك قرينا ، فاختار لك عليا ، وأوحى إليّ أن أنكحك إياه ، فأنكحتك أعلمهم علما ، وأقدمهم سلما ، وأعظمهم حلما.

ومناقب علي وفضائله أكثر من أن يحيط بها هذا الكتاب فضلا عن هذا الباب ، ولكنا ذكرنا فيه نكتا منها بحسب ما شرطناه في أول هذا الكتاب.

فكلما يجري ذكره فيه فمن مناقبه وفضائله ، وقد شرحنا كثيرا ممّا تقدم ذكره منها في الأبواب التي قبل هذا الباب من هذا الكتاب وتكرر بعض ذلك في هذا الباب ممّا دخل فيه من جملة الأحاديث ممّا قبله ، فأغنى شرح ذلك في المتقدم عن إعادته وذكر في هذا الفصل ، ولم نذكر في هذا الكتاب إلا ما روته العامة من فضائل علي صلوات الله عليه ومناقبه دون ما رواه كثير من الشيعة ممّا ينكره العوام ، تركته اختصارا ، ولئلا اعرض به إن ذكرته

__________________

(١) وهو خالد بن زيد الخزرجي صحابي نزل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في بيته في المدينة يوم الهجرة ، إلى أن تم بناء مسجد له. قاتل في اكثر الغزوات توفي بحصار القسطنطينية ودفن تحت اسوارها سنة ٥٢ هـ ، كان ملوك العثمانيين يتقلدون سيف الخلافة امام قبره حيث اقيم مسجد شهير.

٢١١

لظن المخالفين وإنكار الجاهلين وتكذيب المكذبين ، ولأن فيما رووه وأجمعوا عليه كفاية عما أنكروه واختلفوا فيه.

ولعل قائلا يقول إذا سمع بعض ما أثبتناه من هذا الكتاب من فضائل علي عليه‌السلام ومناقبه : إن لغيره مثل بعضها ، ويأتي بذلك ، وقلّ من يخلو من أن يكون فيه فضيلة ممن يذكر بخير.

ولكن لا يقاس من كثرت فضائله بمن قلّت فضائله أو نقصت عن فضائل من يقاس إليه ، كما يكون من يكون فيه أقل شيء من الفضائل أفضل ممن لا فضل له.

والفضائل التي تفاضل المؤمنون بها ممّا أجمعوا عليه ولم يختلفوا فيه ، ونطق الكتاب به وذكر الله عزّ وجلّ فيه فضل من كان من أهله وجوه :

٢١٢

[ أوجه التفاضل ]

[ ١ ـ الإيمان ]

أولها ما افترضه الله عزّ وجلّ أولا على عباده ذلك الإيمان به وبرسوله ، ونص على فضل السبق إليه ، فقال جلّ من قائل : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ ) (١) ، وقال تعالى : ( وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَلِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا ) (٢) ، وقال تعالى : ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ) (٣) ، فأجمعوا على أن السبق الى الإسلام من أفضل الفضائل التي تفاضل المؤمنون بها. وقد ذكرنا فيما تقدم أن عليا عليه‌السلام أول من آمن بالله وبرسوله من ذكور هذه الامة ، وذكرت ما ادخل في ذلك من ادخل من أهل العناد ، وما يبطل إدخاله ، ووجدناهم يذكرون السابقين الى الإسلام بفضيلة السبق على التقريب في الفضل ، ويسمّونهم ويعدّونهم فيقولون : إن السابقين من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى الإسلام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، وزيد بن حارثة ، وأبو بكر ، وعثمان ، وطلحة (٤) ، والزبير (٥) ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن

__________________

(١) الواقعة : ١٠.

(٢) الحشر : ١٠.

(٣) التوبة : ١٠٠.

(٤) وهو طلحة بن عبيد الله القرشي التميمي صحابي من أغنياء قريش ، قتل في وقعه الجمل وهو بجانب عائشة سنة ٣٦ ه‍.

(٥) الزبير بن العوام القرشي الاسدي ، ابن عمة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ صفية بنت

٢١٣

بن عوف (١) ، وعمر بعد أناس كثير ، وسلمان الفارسي (٢) ، وأبو ذر ، والمقداد (٣) ، وعمار ، وعبد الله بن مسعود (٤) ، وسعد بن زيد (٥) ، وخباب بن الأرت (٦) ، وصهيب (٧) ، وبلال (٨).

فلا أقلّ ـ إن تفاضل هؤلاء في درجة السبق وفضله ـ أن يكون علي عليه‌السلام أحدهم ، وإن كان قد سبقهم.

[ ٢ ـ القرابة ]

ثم ذكروا بعد السبق الى الإسلام في الفضل فضل القربى من الرسول

__________________

عبد المطلب ـ اعتنق الاسلام بأول صباه ، هاجر الى الحبشة ثم المدينة ، انتخبه عمر في الشورى ، انسحب من قتال علي في الجمل ، اغتاله ابن جرموز سنة ٣٦ ه‍.

(١) القرشي الزهري صحابي ، كان تاجرا واسع الثراء ، ثامن من أسلم في مكة ، هاجر الى الحبشة ثم الى المدينة توفي ٣٢ ه‍.

(٢) وان سلمان أسلم في المدينة بعد الهجرة وليس من جملة السابقين.

(٣) هو المقداد بن الاسود ، صحابي من الابطال نسب الى الاسود بن عبد يغوث ، وهو أحد السبعة الذين كانوا أول من اظهر الإسلام ، هاجر الى الحبشة ، قاتل في بدر وأحد لقب ( حب الله وحب رسول الله ) ، توفي بالمدينة ٣٣ ه‍.

(٤) عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب ، أبو عبد الرحمن الهذلي المتوفى ٣٣ ه‍.

(٥) القرشي العدوي من السابقين الأولين لدعوة الإسلام هو وامرأته فاطمة اخت عمر. هاجرا الى الحبشة ، قاتل مع الرسول ، واشترك في فتوح الشام توفي بالمدينة ٥١ ه‍.

(٦) أبو عبد الله خباب بن الارت بن جندلة بن سعد بن حزيمة التميمي الصحابي الجليل ، قال بحر العلوم في رجاله : أحد السابقين الأولين الذي عذبوا في الدين ، فصبروا على أذى المشركين. روي أن قريشا أوقدت له نارا وسحبوه عليها في اطفائها وأودك ظهره وكان أثر النار ظاهرا عليه في جسده توفي بالكوفة ٣٧ هـ وصلّى عليه أمير المؤمنين عن عمر يناهز ٧٣ سنة.

(٧) صهيب بن سنان صحابي أحد السابقين الى الإسلام ، كان تاجرا في مكة وربح مالا وفيرا؟؟؟ منعه مشركو قريش من الهجرة الى المدينة بماله فتركه وهاجر توفي بالمدينة ٣٨ ه‍.

(٨) بلال بن رياح الحبشي ، صحابي ، أول من أذن ، قاتل مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله توفي بدمشق ٢٠ ه‍.

٢١٤

صلى‌الله‌عليه‌وآله لقول الله عزّ وجلّ : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (١) ، وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقوله تعالى : ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٥) ، وقوله تعالى : ( وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ ) (٦) ، وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى ) (٧). وكان الذين يعدّون من ذوي قرابة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وحمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين صلوات الله عليهم ، والعباس بن عبد المطلب ، وبنوه : عبد الله ، وعبيد الله (٨) والفضل (٩) ، وعبيدة بن الحارث (١٠) ، وأخوه أبو سفيان ، ومن حلّ محلهم ممن

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) آل عمران : ٣٣.

(٣) النساء : ١.

(٤) الشعراء : ٢١٤.

(٥) آل عمران : ٦١.

(٦) الأنفال : ٧٥.

(٧) الأنفال : ٤١.

(٨) أبو محمّد عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي القرشي ولد ١ هـ كان أصغر من أخيه عبد الله بسنة ، رأى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يرو عنه شيئا واستعمله أمير المؤمنين عليه‌السلام على اليمن وكان جوادا ينحر كل يوم جزورا ، وهو أول من وضع الموائد في الطرق ، مات بالمدينة ٨٧ ه‍.

(٩) من شجعان الصحابة ووجوههم كان أسن ولد العباس ثبت يوم حنين ، وأردفه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وراءه في حجة الوداع فلقب « ردف رسول الله » توفي ١٣ ه‍.

(١٠) عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف ، أبو الحارث ، من ابطال قريش في الجاهلية والاسلام ، ولد بمكة ٦٢ قبل الهجرة وأسلم قبل دخول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دار الارقم ، وعقد له النبي ثاني لواء عقده بعد أن قدم المدينة ، وبعثه في ستين راكبا من المهاجرين ، فالتقى بالمشركين وعليهم

٢١٥

حرّم الله عزّ وجلّ عليهم الصدقة على لسان رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لقرابتهم من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كما حرّمها عليه ، لأنها طهارات الناس وغسالة ذنوبهم (١) وعوضهم منها الخمس إكراما لهم. وكان علي من أخصّهم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وألصقهم به ـ كما ذكرنا ـ وورثه دون جميعهم. وكان كما ذكرنا وصيه على الأحياء منهم ، ففضل أهل السبق الذين قدمنا ذكرهم بفضيلة القرابة ، إذ ليس لهم وبان بها عنهم ، وإن كان أيضا كما ذكرنا قد بان بالسبق فكان أفضلهم ، وليس أحد منهم يعد ويذكر معه في الفضل على ما بينا وقدمنا ، وهم أكابر الصحابة ، ومن تقدم عليه مستأثرا بحقه في الإمامة ، ومن ذكر معه من أهل الشورى وغيرهم.

[ ٣ ـ الأعلمية ]

ثم ذكروا أن الفضل بعد السبق والقرابة في العلم بكتاب الله عزّ وجلّ وأحكامه وحلاله وحرامه لقول الله سبحانه : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) وقوله تعالى : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (٣) وقوله تعالى : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (٤) وقوله تعالى : ( لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٥) وقوله تعالى : ( هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٦) وقوله تعالى : ( وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ ) (٧) وقوله تعالى : ( إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ

__________________

أبو سفيان بن حرب في موضع يقال له : ثنية المرة ، وكان هذا أول قتال جرى في الاسلام ثم شهد بدرا واستشهد فيها ٢ ه‍.

(١) وفي نسخة ـ ج ـ : دونهم.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) الأنبياء : ٧.

(٤) المجادلة : ١١.

(٥) النساء : ٨٣.

(٦) العنكبوت : ٤٩.

(٧) العنكبوت : ٤٣.

٢١٦

عِبادِهِ الْعُلَماءُ ) (١) ، وقد ذكرت فيما تقدم ما جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من الشهادة لعلي صلوات الله عليه بالعلم ، وسوف نذكر بعد هذا ما يؤيد ذلك [ ما ] شهد له به الصحابة. وقوله : سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنكم لن تجدوا من هو أعلم بما بين اللوحين مني. ولم يدّع مقامه في ذلك أحد غيره ، ولم يزالوا أيام حياته يسألونه ، ولم يسأل هو أحدا منهم. وقد عدوّا من الصحابة رجالا ذكروهم بالعلم ، فقالوا : المذكورون بالعلم من الصحابة : علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن مسعود ، وعثمان بن عفان ، وزيد بن ثابت (٢) ، وجابر بن عبد الله ، وأبو موسى الأشعري ، وعمر بن الخطاب ، ومعاذ بن جبل ، وسلمان الفارسي ، وحذيفة بن اليمان ، وكل هؤلاء معترف لعلي صلوات الله عليه بالعلم ، مقرّ له بالفضل فيه ، وهم وإن عدوّا في العلماء فإنهم لا يبلغون مكانه من العلم ولا يقاس أحد منهم به فيه ، فقد فضلهم وفاقهم علي عليه‌السلام بما حار من درجات الفضل بما ذكرناه ونذكره عنه صلوات الله عليه.

[ ٤ ـ الجهاد ]

ثم ذكروا فضل الجهاد في سبيل الله وأهله لقول الله عزّ وجلّ : ( لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. دَرَجاتٍ

__________________

(١) فاطر : ٢٨.

(٢) أبو خارجة زيد بن ثابت بن الضحاك الانصاري الخزرجي ، كاتب الوحي ، ولد في المدينة ١١ قبل الهجرة ونشأ بمكة وهاجر الى المدينة وهو ابن ١١ سنة توفي ٤٥ ه‍.

٢١٧

مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً ) (١) وقوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) (٢) الآية.

في آي كثير من القرآن ذكر الله عزّ وجلّ فيها فضل الجهاد وفضل أهله ، وقد ذكرت في هذا الكتاب جهاد علي صلوات الله عليه أيام حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وبعده ، وإنه لم يزل مجاهدا مذ أسلم حتى قبض صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وختم الله له عزّ وجلّ له بالشهادة ، وأن جهاده فوق جهاد كل ذي جهاد ، وقد علم ذلك ، وأجمع عليه الخاصّ والعام ، واعترف له به كما ذكرنا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ذكر بالجهاد والعناء فيه قوم من الصحابة ، فكان ممن ذكر منهم بذلك : علي ، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث ، والزبير بن العوام ، وطلحة ، وأبو دجانة الأنصاري ، ومحمّد بن سلمة (٣) ، وسعد بن أبي وقاص ، والبراء بن عازب (٤) ، وسعد بن معاذ ، وليس أحد من هؤلاء ولا من غيرهم يقاس بعلي عليه‌السلام في الجهاد والعناء فيه بل هو أفضلهم في ذلك ، وقد حاز دونهم من الفضائل ما تقدم القول به.

[ ٥ ـ التضحية ]

ثم ذكروا بعد الجهاد بالأنفس النفقة فيه ذكروا قول الله عزّ وجلّ : ( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (٥). وقوله تعالى : ( أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ ) (٦). وقوله تعالى : ( وَجاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ

__________________

(١) النساء : ٩٥ و ٩٦.

(٢) التوبة : ١١١.

(٣) هكذا في الأصل واظنه محمّد بن أبي سلمة ( الاصابة ٣ / ٣٧٥ ).

(٤) أبو عمارة الصحابي المتوفى ٧٢ ه‍.

(٥) البقرة : ١٩٥.

(٦) المنافقون : ١٠.

٢١٨

وَأَنْفُسِكُمْ ) (١). وقوله تعالى : ( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ ) (٢). وقوله تعالى : ( ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ ) (٣).

والجود ، جودان : جود بالنفس ، وجود بالمال. وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : من جبن عن الجهاد ، فليجهز بماله رجلا يجاهد في سبيل الله.

والمجاهد في سبيل الله وإن جهزه بماله غيره فله فضل الجهاد ، ولمن جهزه فضل النفقة في سبيل الله ولكليهما فضل ، والجود بالنفس أفضل في سبيل الله من الجود بالمال فيه.

وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : أجود الناس من جاد بنفسه في سبيل الله ، وأبخل الناس من يبخل بالسلام. ومن جمع الجود بنفسه وماله كان أفضل ممن انفرد بواحد منهما ، فقد علم الخاصّ والعام أن عليا عليه‌السلام كان أكثر الناس جهادا ، وأن جهاده كان بنفسه وماله وكان بعد ذلك لا يدع عند نفسه شيئا فضل نفقته في جهاده وقوته وقوت عياله إلا أنفقه في سبيل الله قليلا كان أو كثيرا (٤) ، وقد جاء عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه سئل عن أيّ النفقة أفضل في سبيل الله؟ فقال : جهد من مقل.

وقد ذكر المعروفون من الصحابة بالنفقة في سبيل الله ، فذكروا منهم عليا

__________________

(١) التوبة : ٤١.

(٢) البقرة : ٢٤٥.

(٣) محمّد : ٣٨.

(٤) روى أحمد بن حنبل في مسنده قوله : لقد رأيتني وإني لأربط الحجر على بطني من الجوع وأن صدقتي اليوم لتبلغ أربعة آلاف دينار ( وفي رواية أربعين الف دينار ).

٢١٩

صلوات الله عليه ، وفيه أنزل الله عزّ وجلّ كما تقدم القول بذلك : ( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً ) (١) الآية. قالوا ـ ومنهم أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ـ : ولعلي صلوات الله عليه في ذلك من الفضل ما نزل فيه من القرآن ، ومن ذلك ممّا نزل فيه قوله : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً ) (٢) الآية ، نزلت في علي عليه‌السلام كما ذكرنا فيما تقدم وغيرها ممّا ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب. وكان علي صلوات الله عليه أفضلهم في ذلك ممّا انفرد به من الفضائل التي تقدم ذكرها دونهم.

[ ٦ ـ الورع والأعمال الصالحة ]

ثم ذكروا فضل الورع بعد ذلك والأعمال الصالحة ، لقول الله عزّ وجلّ : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ. وَالَّذِينَ هُمْ ) (٣) ( عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ. أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ. الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) (٤). وقوله تعالى : ( رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ ) (٥).

__________________

(١) البقرة : ٢٧٤.

(٢) الانسان : ٨.

(٣) وهنا في الأصل : ( وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ وَالَّذِينَ هُمْ ... ) ونظرا لعدم وجودها في الآية حذفناها من المتن.

(٤) المؤمنون : ١ ـ ١١.

(٥) النور : ٣٧.

٢٢٠