شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

عليك ، وسقي الماء وحب علي بن أبي طالب عليه‌السلام.

[٧٣٨] [ وبآخر ] عن عبد الله بن أبان ، باسناده ، عن أنس بن مالك ، قال :

سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

النظر الى علي بن أبي طالب عبادة.

[٧٣٩] سفيان الثوري ، باسناده ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه قال : نادى مناد من السماء يوم احد :

لا فتى إلا علي ، ولا سيف إلا ذو الفقار (١).

[٧٤٠] إسماعيل بن محمّد الكوفي ، باسناده ، عن جابر بن عبد الله الانصاري (٢) ، أنه قال : لما قدم علي عليه‌السلام الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بفتح خيبر ، قال :

[ يا علي ] لو لا أن تقول فيك طائفة من امتي ما قالت النصارى في عيسى لقلت اليوم فيك مقالا لا تمرّ بملإ من الناس إلا أخذوا من تراب رجليك ، وفضل طهورك يستشفعون به. ولكن حسبك أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وإنك لتبرئ ذمتي وتقاتل على سنّتي ، وإنك في الآخرة غدا معي أقرب الناس مني ، وإنك على الحوض خليفتي ، وإنك أول من يرد على الحوض لأنّك أول من [ آمن ] بي ، وإنك أول من يكسى معي ، وإنك أول من يدخل الجنة من امتي.

__________________

(١) قال الطبري في بشارة المصطفى ص ٢٨١ باسناده عن محمّد بن إسحاق : قال : وسمع في يوم احد وقد هاجت ريح عاصف كلام هاتف يهتف وهو يقول :

لا سيف إلا ذو الفقار

ولا فتى إلا علي

واذا ندبتم هالكا

فابكوا الوفي أخا الوفي

(٢) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الخزرجي السلمي الانصاري توفي ٧٨ ه‍.

٣٨١

وإن شيعتك على منابر من نور مبيضة وجوههم [ حولي ] ، اشفع لهم حتى يكونوا في الجنة جيراني. وإن حربك حربي وسلمك سلمي ، وإن سريرة صدرك كسريرة صدري ، وإن ولدك ولدي ، وإنك تنجز عداتي ، وإن الحق على لسانك وفي قلبك وبين [ يديك ونصب ] (١) عينيك ، وإن الإيمان يخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ، وانه لن يرد عليّ الحوض مبغض لك ، ولن يغيب عنه محب لك حتى يرده معك.

قال : فخرّ علي عليه‌السلام ساجدا ، وقال : الحمد لله الذي أنعم عليّ بالإسلام وعلّمني القرآن ، وحببني الى خير البرية خاتم النبيين وسيد المرسلين إحسانا منه إليّ وفضلا عليّ.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لولاك يا علي ما عرف المؤمن من بعدي.

[٧٤١] أبو جعفر الاصبهاني ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام : أن رجلا قال له : عظني يا أمير المؤمنين.

فقال له عليه‌السلام : اترك لما تبقي ما تشتهي أبدا ، كفى بمن عفّ عما يشتهي كرما.

[٧٤٢] عبد الكريم الهشيم (٢) ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، قال : لما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يعرض نفسه على قبائل العرب ، إذا حضرت الموسم خرج لذلك ، وأمرني ، فخرجت معه ، وخرج معه أبو بكر ، وكان رجلا نسابة ، فدفعنا إلى قوم ، فوقف أبو بكر عليهم ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من مناقب ابن المغازلي ص ٢٣٨.

(٢) وفي نسخة ـ هـ : عبد الكريم بن هشيم.

٣٨٢

فسلّم ، فردوا السّلام.

فقال : ممن القوم؟

قالوا : من ربيعة.

قال : من هامتها أو من لهازمها (١)؟

قالوا : من هامتها (٢) العظمى.

قال : وأيّ هامتها العظمى أنتم؟

قالوا : ذهل الأكبر.

قال : أمنكم عوف الذي كان يقال : لا حر بوادي عوف؟

قالوا : لا.

قال : أفمنكم بسطام بن قيس (٣) ذو اللوى ومنتهى الأحياء؟

قالوا : لا.

قال : أفمنكم حساس بن مرة حامي الذمار (٤) ومانع البحار؟

قالوا : لا.

قال : أفمنكم الحوفدان قاتل الملوك وسالبها أنفسها؟

قالوا : لا.

قال : أفمنكم المزدلف (٥) صاحب العمامة الفردة؟

__________________

(١) اللهازم : لقب بني تيم الله بن ثعلبة.

(٢) الهامة : سيد القوم ورئيسهم.

(٣) أبو الصهباء شاعر من أشهر فرسان العرب في الجاهلية ، كان سيد شيبان ضرب المثل بفروسيته. وهو بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني ، قتله عاصم بن خليفة الضبي يوم الشقيقة ١٠ قبل الهجرة.

(٤) الذمار : بالكسر ما يلزمك حفظه وحمايته.

(٥) وأظنه عمرو بن أبي ربيعة.

٣٨٣

قالوا : لا.

قال : أفمنكم أخوال الملوك من كندة؟

قالوا : لا.

قال : أفأنتم أصهار الملوك من لخم؟

قالوا : لا.

قال : أفلستم ذهل الأكبر وأنتم ذهل الأصغر.

فقام إليه غلام من شيبان ، كان بقل وجهه ، يقال له : دغفل.

فقال : إن على سائلنا أن نسأله ، والعباء لا نعرفه أو تحمله. يا هذا إنك قد سألتنا فلم نكتمك ونحن سائلوك فلا تكتمنا. ممن الرجل؟

قال : من قريش.

قال : بخ بخ ، أهل الشرف والرئاسة. فمن أيّ قريش أنت؟

قال : من تيم بن مرة (١).

قال : أمكنت والله الزامي من صفا الشغرة (٢). أمنكم قصي بن كلاب بن مرة الذي جمع القبائل من فهر ، وكان يدعى مجمعا؟ (٣).

قال : لا.

قال : أفمنكم هاشم الذي هشم (٤) الثريد وأطعم الحجيج؟

__________________

(١) وهو تيم بن مرة بن كعب بن لؤي من قريش جد جاهلي من نسله أبو بكر وطلحة.

(٢) وفي نسخة : الصفرة.

(٣) وهو قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي سيد قريش وأول من كان له ملك بني كنانة ، مات أبوه وهو طفل فتزوجت أمه برجل من بني عذرة فانتقل بها الى أطراف الشام فشب في حجره وسمي قصيا ، واسمه زيد أو يزيد. هدم الكعبة وجدد بنيانها أسكن قومه مكة ، فلقبوه مجمعا لانه جمعهم من الشعاب والاودية ، اتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها الى مسجد الكعبة ، مات بمكة ودفن بالحجون.

(٤) وهو هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة.

٣٨٤

قالوا : لا.

قال : أفمنكم شيبة الحمد مطعم طير السماء الذي كان وجهه قمر يضيء ليلة الظلام الداجي؟

قال : لا.

قال : أفمن المفيضين بالناس أنت؟

قال : لا.

قال : أفمن أهل الندوة أنت؟

قال : لا.

قال : أفمن أهل الرفادة؟

قال : لا.

قال : أفمن أهل الحجابة؟

قال : لا.

قال : أفمن أهل السقاية أنت؟

قال : لا. فاجتذب أبو بكر زمام ناقته ، فرجع الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

فقال دغفل : أما والله لو وقفت لأخبرتك إنك زمعان قريش (١) أو ما أنا دغفل.

قال علي عليه‌السلام : فلما سمع ذلك رسول الله تبسم. وقلت أنا لأبي بكر : لقد وقعت من الأعرابي على باقعة (٢).

قال : أجل يا أبا الحسن لكل طامة موكل والبلاء موكل بالمنطق.

__________________

(١) الزمع : جمع زمعة وهي الزائدة من وراء الظلف أي مؤخر قريش.

(٢) باقعة : أي معيبة.

٣٨٥

ثم دفعنا الى مجلس آخر عليه السكينة والوقار. فتقدم أبو بكر ، فسلّم ، فردوا عليه‌السلام. فقال : ممن القوم؟

قالوا له : من شيبان بن ربيعة.

فالتفت أبو بكر الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له : بأبي وأمي أنت ليس بعد هؤلاء عزّ في قومهم. وكان في القوم مفروق بن عمرو (١) ، وهاني بن قبيصة (٢) ، والمثنى بن حارثة ، والنعمان بن شريك. وكان مفروق بن عمرو قد أربى عليهم جمالا ولسانا. وكانت له غديرتان (٣) تسقطان على تربيته ، وكان أدنى القوم من أبي بكر مجلسا.

فقال له أبو بكر : كم العدد فيكم؟

قال : إنا لنزيد على الف. ولن تغلب الف من قلة.

قال : فكيف المنعة فيكم؟

قال : علينا الجهد ولكل قوم جد.

قال : فكيف الحرب فيما بينكم وبين عدوكم؟

قال : إنا أشد ما يكون حين نغضب ، وأشد ما يكون غضبا حين [ التلقي ] ، وإنا لنؤثر جيادنا على أولادنا ، والسلاح على اللقاح ، والنصر من عند الله عزّ وجلّ بديل لنا وبديل علينا ، لعلك أخو قريش.

__________________

(١) وهو النعمان بن عمرو بن ( الاصم ) بن قيس بن مسعود الشيباني. واسم مفروق اشهر ، من سادات بني شيبان ، فارس شاعر جاهلي. قتله قعنب بن عصمة يوم الاياد ، ودفن بين الكوفة وفيد سميت بعده ثنية مفروق.

(٢) هاني بن قبيصة بن هاني بن مسعود الشيباني أحد الشجعان الفصحاء ، أسره وديعة اليربوعي يوم الغبطين ( وهو بين تميم وشيبان ظفرت فيه تميم وأسر هاني ).

(٣) الغديرة واحدة ضفائر الشعر.

٣٨٦

قال : إن كان قد بلغكم أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فهو هذا ـ وأشار إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ.

قال : قد بلغنا أنه يقول ذلك.

وأقبل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : ما تدعونا إليه يا أخا قريش؟

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : أدعوكم الى شهادة أن لا إله إلا الله وأني محمّد رسول الله تؤوني وتنصروني ، فإن قريشا قد ظاهرت على أمر الله عزّ وجلّ وكذبت رسوله واستغنت بالباطل عن الحق إلا من عصم الله عزّ وجلّ منها ووفقه لدينه والله غنّي حميد.

قال : والى ما تدعونا أيضا؟

فتلا عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ) الى قوله : ( ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ ) (١).

قال : والى ما تدعونا أيضا؟

فتلا عليهم : ( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) (٢).

قال مفروق بن عمرو : دعوت والله الى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. ولقد أفك قوم ظاهروا عليك وكذبوك ـ وكأنه أحب أن يشركه هاني بن قبيضة في الكلام ـ. قال : وهذا هاني بن قبيصة وهو شيخنا وصاحب ديننا.

فتكلم هاني بن قبيضة فقال : يا أخا قريش قد سمعنا مقالتك ،

__________________

(١) الأنعام : ١٥١.

(٢) النحل : ٩٠.

٣٨٧

وإنا لنرى أن ترك ديننا والانتقال الى دينك في مجلس نجلسه ، ولم ننظر فيه ـ في أمرك ولم نرتئي في عاقبة ما تدعو إليه لزلة في الرأي ، أو عجال في النظر ، والزلة تكون مع العجلة ، وأن من ورائنا قوما يكرهون أن نعقد عليهم عقدا ، ولكن نرجع وترجع وتنظر وننظر ـ وكأنه أحب أن يشركه في الكلام المثنى بن حارثة ـ. فقال : وهذا المثنى بن حارثة وهو شيخنا وكبيرنا وصاحب حربنا.

فتكلم المثنى بن حارثة (١) ، فقال : يا أخا قريش قد سمعت مقالتك ، فأما الجواب في تركنا ديننا واتباعنا إياك على دينك فهو جواب هاني ، وأما الجواب في أن نؤويك وننصرك ، فإنا نزلنا بين صيرين : اليمامة (٢) والسماوة (٣).

[ ضبط الغريب ]

قوله : بين صيرين. الصير ـ في كلام العرب ـ : الشق. وفي الحديث : من نظر في صير باب ـ أي في شق باب ـ ففقئت عينه فهي هدر.

والصير أيضا في كلامهم ، صير البقر : وهو موضع محدود كالحظيرة من أغصان الشجر والحجارة ونحوها ، فإذا كان ذلك للغنم ، قيل زريبة. وصير كل شيء مصيره.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما هذان الصيران؟

قال : مياه العرب وأنهار كسرى ، فأما ما كان يلي مياه العرب فذنب صاحبه مغفور ، وعذره مقبول. وأما ما كان يلي أنهار كسرى

__________________

(١) وهو المثنى بن حارثة بن سلمة الشيباني ، توفي ١٤ ه‍.

(٢) بلاد وسط الجزيرة العربية من مقاطعات نجد.

(٣) بلدة في وسط العراق محافظة المثنى.

٣٨٨

فذنب صاحبه غير مغفور ، وعذره غير مقبول. وإنما نزلنا هنالك على عهد أخذه علينا كسرى ألاّ نحدث حدثا ولا نؤوي محدثا ، ولسنا نأمن من أن يكون هذا الأمر الذي تدعو إليه مما تكره الملوك ، فان أحببت أن نؤويك وننصرك ممّا يلي مياه العرب آويناك ونصرناك.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أسأتم في الردّ إذا فصحتم بالصدق ، وليس يقوم بدين الله عزّ وجلّ إلا من حاطه من جميع جوانبه ، أريتم إن لم تلبثوا إلا يسيرا حتى يمنحكم الله عزّ وجلّ أموالهم ويورثكم ديارهم ، ويفرشكم نساءهم ، أتسبّحون الله تعالى وتقدّسونه؟

فقال النعمان بن شريك : اللهمّ لك ذلك.

فتلا عليهم : ( يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً ) (١).

ووثب صلى‌الله‌عليه‌وآله فأخذ بيدي ، وقال لي : يا علي ، أيّ أحلام في الجاهلية يرد الله عزّ وجلّ بها بأس بعضهم عن بعض ويتحاجزون بها في هذه الدنيا.

وكان من اولئك من أسلم ووفد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ونال بما وعدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من مملكة كسرى.

ونصر عليا عليه‌السلام في حروبه.

وفي هذا الحديث من فضل علي عليه‌السلام :

[ ١ ـ ] استصحاب رسول الله إياه على حداثة سنّه يومئذ يعرضه مع نفسه على العرب.

[ ٢ ـ ] وإقباله عليه يخبره عن أحوالهم.

__________________

(١) الاحزاب : ٤٦.

٣٨٩

[ ٣ ـ ] واعتماده عليه بحضرتهم ليريهم اختصاصه إياه.

[ ٤ ـ ] ومكانه منه على حداثة سنّه ، وقرب عهده.

وقد انتفع بذلك من لحقه منهم ونصره ، وكان مع حفظه للحديث وتركه لاعتراض ما اعترض غيره فيه ، وتقدمه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، والله جلّ من قائل يقول : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١).

__________________

(١) الحجرات : ١.

٣٩٠

[ ضرار ومعاوية ]

[٧٤٣] إسماعيل بن عبد الله ، عن محمّد بن يحيى ، باسناده ، عن محمّد بن غسان الكندي ، قال : قال معاوية بن أبي سفيان لضرار النهشلي (١) : يا ضرار ، صف لي علي بن أبي طالب؟

قال : أولا تعفيني عن ذلك؟

قال : أقسمت عليك لتفعلن.

قال [ ضرار ] : أما إذا أبيت ، فنعم.

كان والله شديد القوى ، بعيد المدى (٢) ، يتفجر العلم من جوانبه ، وتنطق الحكمة على لسانه ، يستوحش من الدنيا وزهدتها ، ويأنس بالليل ووحشته ، كان والله غزير الدمعة طويل الفكرة يقلّب كفيه ويخاطب نفسه (٣).

كان والله فينا كأحدنا يجيبنا إذا دعوناه ويقربنا إذا أتيناه ، ونحن مع قربه لا نبتديه لعظمته ، ولا نكلمه لهيبته. فإن ابتسم فعن مثل

__________________

(١) وهو ضرار بن ضمرة أعيان الشيعة ٧ / ٤٠٤.

(٢) وفي الحلية ١ / ٨٤ : يقول فصلا ويحكم عدلا.

(٣) واضاف في الرياض النضرة ٢ / ٢١٢ : يخاطب نفسه ، يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما جشب كان والله ...

٣٩١

اللؤلؤ المنظوم ، يقدّم أهل الدين ويفضل المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.

وأقسم بالله لقد رأيته في بعض أحواله ، وقد أرخى الليل سدوله ، وغارب نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتملل تململ السليم ، ويبكى بكاء الواله الحزين ، ويقول في بكائه :

يا دنيا أبي تعرضت أم إليّ تشوقت ، هيهات هيهات لا حان حينك قد بتتك ثلاثا لا رجعة فيك ، عيشتك حقير ، وعمرك قصير ، وخطرك يسير ، آه آه من بعد السفر ، وقلة الزاد ، ووحشة الطريق.

قال : فانهملت دموع معاوية على خده حتى كفكفها بكمه. واختنق القوم جميعا ـ ممن حضر ـ بالبكاء.

فقال معاوية : رحم الله أبا الحسن فلقد كان كذلك ، فكيف كان جزعك عليه ، باضرار؟

قال : جزع من ذبح ولدها (١) في حجرها فما تسكن حرارتها ولا ترقأ دمعتها.

قال معاوية : لكن أصحابي لو يسألوا عني بعد موتي ما أخبروا عني من هذا بشيء.

[ ابن عباس ومناقب علي ]

[٧٤٤] اسماعيل ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه بينما يطوف البيت الحرام ، إذ هو بشاب قد شال يديه حتى تبين بياض ابطيه ، وهو يقول : اللهمّ اني أبرأ إليك من علي بن أبي طالب ، وما أحدث في

__________________

(١) وفي ذخائر العقبى ص ١٠٠ : من ذبح واحدها.

٣٩٢

الاسلام.

فقال ابن عباس لبعض من حوله : لا يفتك الرجل.

فقبض عليه وأتي به إليه. فقال له عبد الله بن عباس : ممن الرجل؟

قال : من أهل الشام.

قال : ما اسمك؟

قال : ربيعة بن خارجة الخارجي.

قال : وأيّ شيء أحدث علي بن أبي طالب عليه‌السلام في الاسلام ، يا ربيعة؟

قال : قتله الموحدين يوم صفين ، ويوم النهروان ، ويوم الجمل ، ويوم النخيلة.

قال له : ويحك إنما قتل علي من خالف الملة ، وطعن في الاسلام ، وأمره بقتالهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهل أنت راد على الله ورسوله؟

ويحك يا ربيعة إن لعلي عليه‌السلام أربع سوابق لو قسمت الواحدة منها على جميع الخلق لو سعتهم (١).

__________________

(١) كما قال عليه‌السلام في قصيدته :

محمّد النبي أخي وصنوي

وحمزة سيّد الشهداء عمي

وجعفر الذي يضحي ويمسي

يطير مع الملائكة ابن أمي

وبنت محمّد سكني وعرسي

منوط لحمها بدمي ولحمي

وسبطا أحمد ولداي منها

فأيكم له سهم كسهمي

سبقتكم الى الاسلام طرا

على ما كان من فهمي وعلمي

فأوجب لي ولايته عليكم

رسول الله يوم غدير خم

فويل ثم ويل ثم ويل

لمن يلقى الإله غدا بظلمي

٣٩٣

قال : وما هن يا ابن عباس؟

قال : إنه أول من آمن بالله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وصلّى مع النبي القبلتين ، وهاجر الهجرتين ، وبايع البيعتين [ والثانية ] (١) : لم يعبد قط صنما ، ولا شرب خمرا.

إن الله أوحى الى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله أن زوّج عليا عليه‌السلام وفاطمة عليها‌السلام ، فاني قد زوّجتها منه ، فإن الله أمر شجرة في الجنة يقال لها : طوبى أن احملي ، فحملت ، ثم قال لها : اثمري ، فأثمرت ، ثم قال لها : انثري ، فنثرت درا كأمثال القلال (٢) ، فالتقطه حور العين فهنّ في الجنة يتفاخرن به الى يوم القيامة ، يقلن : هذا نثار فاطمة بنت محمّد عليها‌السلام.

وكان يسمع وقع جناح جبرائيل عليه‌السلام على سطحه إذا هبط بالوحي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله .

وكان صنم خزاعة مرفوعا فوق الكعبة. فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله :

انطلق بنا نلقي هذا الصنم عن البيت. فانطلقا ليلا. فقال له : يا أبا الحسن ارق على ظهري ـ وكان طول الكعبة أربعين ذراعا ـ فقال له : يا رسول الله بل ترق على ظهري فأنا أولى بذلك وأحق بحملك.

قال : يا علي إنك لن تقدر على ذلك ، ولو اجتمعت الامة على أن تحمل مني عضوا ما قدرت للإيمان الذي هو في قلبي.

وحمله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلما استوى عليه قال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : انتهيت يا علي؟

__________________

(١) هكذا في بحار الأنوار ٤٠ / ٦٠ الحديث ٩٤.

(٢) أي اللؤلؤ.

٣٩٤

قال : والذي بعثك بالحق لو هممت أن أمسّ السماء بيدي لمسستها.

واحتمل الصنم فجلد به الأرض ، فتقطع قطعا ، ثم تعلق علي عليه‌السلام بالميزاب ، وتنحى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إكراما وإجلالا له. ثم تخلى بنفسه الى الأرض ، فلما سقط ضحك.

فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ما يضحكك يا علي؟ أضحك الله سنك.

قال : ضحكت يا رسول الله تعجبا من أني رميت بنفسي من فوق البيت الى الأرض وما ألمت ، وما أصابني وجع.

فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف تألم يا أبا الحسن ، أو يصيبك وجع إنما رفعك محمّد ، وأنزلك جبرائيل.

٣٩٥

[ الرسول وفضائل علي ]

[٧٤٥] الحسن بن محبوب (١) ، باسناده ، عن علي عليه‌السلام ، أنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق عليك ، وويل لمن أبغضك وكذب عليك.

يا علي أنت العالم لهذه الامة من أحبك فاز ، ومن أبغضك هلك.

يا علي أنا المدينة وأنت الباب وهل تؤتى المدينة إلا من بابها.

يا علي أهل مودتك كل أوّاب حفيظ ، وكل ذي طمر (٢) لو أقسم على الله لبرّ قسمه. رضيت بالضعفاء أتباعا ورضوا بك إماما ، إخوانك كل طاو (٣) وزاك ومجتهد يحب فيك ويبغض فيك ، ويحقر عند الخلق (٤) عظيم المنزلة عند الله.

يا علي محبوك جيران الله في دار [ الفردوس ] (٥) لا يأسفون على ما خلفوا في الدنيا.

__________________

(١) أبو علي الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر بن وهب السراد البجلي ، توفي ٢٢٤ عن عمر يناهز ٧٥ عاما.

(٢) أي الذي لا يملك شيئا. ولا يخفى أن في الاصل : طمرين وقد صححناه.

(٣) الطاوي : الكاتم للحديث. والجائع.

(٤) وفي بحار الانوار ٣٩ / ٣٠٦ : محتقر عند الخلق.

(٥) وفي الاصل : القدس.

٣٩٦

[ يا علي أنا ولي لمن واليت وأنا عدو لمن عاديت ] (١).

يا علي من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني.

يا علي إخوانك يفرحون في ثلاث مواطن :

عند خروج أنفسهم وأنا وأنت شاهدهم.

وعند المساءلة في قبورهم.

وعند العرض على الصراط إذا سئل الخلق عن إيمانهم [ فلم يجيبوا ].

يا علي حربك حربي ، وسلمك سلمي ، من حاربك حاربني ، ومن سالمك سالمني ، ومن سالمني سالم الله.

يا علي بشر إخوانك ، إن الله قد رضي عنهم ، إذ أرضاك لهم قائدا ، ورضوا بك وليا.

يا علي أنت أمير المؤمنين وقائد الغرّ المحجلين.

يا علي شيعتك المنتجبون ولو لا أنت وشيعتك ما قام لله دين ، ولو لا من في الأرض منكم لما انزلت السماء قطرها.

يا علي أنت وشيعتك القائمون بالقسط ، وخيرة الله من خلقه.

يا علي أنت وشيعتك في ظل العرش تتحدثون الى أن يفرغ الله من الحساب.

يا علي أنت وشيعتك على الحوض تسقون من أحببتم وتمنعون من كرهتم ، وأنتم الآمنون يوم الفزع الأكبر في ظل العرش ، يفزع الناس ولا تفزعون. ويحزن الناس ولا تحزنون.

يا علي أنت وشيعتك في [ الموقف ] (٢) تطلبون ، وأنتم في الجنان

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من بحار الأنوار.

(٢) هكذا صححناه نقلا عن بحار الانوار وفي الاصل : في النار تطلبون.

٣٩٧

تتنعمون ، وفيكم نزلت : ( وَقالُوا ما لَنا لا نَرى رِجالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرارِ أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ ) (١).

يا علي إن الملائكة وخزان الجنة يشتاقون إليكم ، وإن حملة العرش ليحبونكم ، ويسألون الله عزّ وجلّ المغفرة والجنة لكم ، ويفرحون بمن قدم عليهم منكم كما يفرح أهل الغائب بقدوم غائبهم بعد طول الغيبة.

يا علي شيعتك يخافون الله في السر ، ويتقونه في العلانية.

يا علي شيعتك يتنافسون في الدرجات لأنهم يلقون الله عزّ وجلّ وما عليهم من ذنب.

يا علي إن أعمال شيعتك تعرض عليّ في كل [ يوم جمعة ] فافرح بصالح ما عملوه ، واستغفر لسيئاتهم.

يا علي ذكرك في التوراة ، وذكر شيعتك قبل أن يخلقوا بخير ، وكذلك ذكركم في الانجيل ، وأعطاك الله من علم الكتاب ، وإن أهل الإنجيل ليعظمون عليا وشيعته وما يعرفونهم وأنت وشيعتك مذكورون في كتبهم.

يا علي أعلم أصحابك أن ذكرهم في السماء أفضل وأعظم من ذكرهم في الأرض ليفرحوا ويزدادوا اجتهادا. وأن أرواح شيعتك لتصعد الى السماء في رقادهم وعند وفاتهم ، فتنظر الملائكة إليها كما تنظر الناس الى الهلال شوقا إليهم ولما يرون من منزلتهم عند الله.

يا علي قل لأصحابك العارفين بك يتناهون عن الأعمال السيئة ، فانه ما من يوم وليلة إلا ورحمة الله تغشاهم ، فليتجانبوا الدنس.

__________________

(١) ص : ٦٢ و ٦٣.

٣٩٨

يا علي اشتد غضب الله على من قلاك وقلاهم (١) وبراء منك ومنهم ، واستبدل بك وبهم ، ومال الى غيرك وتركك وشيعتك ، واختار الضلال ونصب الحرب لك ولشيعتك ، وأبغضنا أهل البيت ، وأبغض من تولانا ، وعظمت رحمة الله لمن أحبك ونصرك واختارك وبذل مهجته وماله فينا.

يا علي اقرأهم مني السّلام من لم أر منهم ومن لم يرني ومن رأيته ورآني ، وأعلمهم أنهم اخواني الذين أشتاق إليهم ، ومرهم أن يجتهدوا في العمل فإنا لا نخرجهم من هدى الى ضلالة ، وأخبرهم أن الله عنهم راض ، وأنه يباهي بهم ملائكته وينظر إليهم في كل جمعة برحمته ويأمر الملائكة أن يستغفروا لهم.

يا علي لا ترغب عن قوم بلغهم أني احبك ، فأحبوك لحبي إياك ، وأدانوا الله عزّ وجلّ بمودتك ، وأعطوك صفو المودة ، واختاروك على الآباء والامهات والأبناء والأخوات وسلكوا طريقك وصبروا على ما حملوا من المكاره فينا ، وأتوا الى نصرنا ، وبذل المهج فينا مع الأذى وسوء القول ما يستقبلون من مضاضة ذلك (٢) ، فكن بهم رحيما واقنع بهم فإن الله اختارهم بعلمه لنا من بين الخلق ، وجعلهم من طينتنا ، واستودعهم سرنا ، وألزم قلوبهم معرفة حقنا ، وجعلهم متمسكين بحبلنا لا يؤثرون علينا من خالفنا مع ما زووا من الدنيا عنهم وميلهم بالمكروه عليهم والتلف ، قد أيدهم الله بالتقوى ، وسلك بهم طريق الهدى.

فأعداؤك يا علي في غمرة الضلال متحيرون عموا عن المحجة [ وما جاء

__________________

(١) أي : أبغضهم.

(٢) وفي بحار الأنوار : ما يقاسونه من مضاضة ذلك.

٣٩٩

من عند الله ، وهم ] يصبحون ويمسون في سخطه. وشيعتك على منهاج الحق والاستقامة يصبحون ويمسون في رضاء الله عزّ وجلّ ، لا يستوحشون لكثرة من خالفهم [ ليسوا من الدنيا ، ولا الدنيا منهم ] (١) ، اولئك مصابيح الدجى ـ يقولها ثلاثا ـ.

__________________

(١) هكذا صححناه من بحار الانوار وفي الاصل : ليس من الريا ولا الريا منهم.

٤٠٠