شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار - ج ٢

المؤلف:

القاضي النعمان بن محمّد التميميّ المغربي


المحقق: السيد محمّد الحسيني الجلالي
الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٦١١

عمر وخرجوا حتى وقفوا على قبر الرجل المقتول.

فقال علي صلوات الله عليه لأوليائه : هذا قبر صاحبكم؟

قالوا : نعم.

قال : احفروا.

فحفروا حتى انتهوا الى اللحد.

فقال : أخرجوا ميتكم.

فنظروا الى جوف القبر واللحد ، فلم يجدوه ، فأخبروه بذلك.

فقال علي صلوات الله عليه : الله أكبر ، والله ما كذبت ولا كذبت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول :

من يعمل من امتي عمل قوم لوط ثم يموت على ذلك فما هو مؤجل الى أن يوضع في لحده ، فاذا وضع فيه لم يمكث أكثر من ثلاث حتى تقذفه الأرض الى جملة قوم لوط المهلكين فيحشر معهم.

[ طلاق الأمة ]

[٦٥٩] مصقلة بن عبد الله [ عن أبيه ] ، قال : جاء رجلان الى عمر بن الخطاب ، فسألاه عن طلاق العبد للأمة ، فمضى بهما الى حلقة فيها أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه.

فقال له : ما طلاق العبد للأمة؟

فأشار إليه بإصبعه المسجة والتي تليها.

فقال للرجلين : تطليقتين.

فقال له أحدهما : سبحان الله جئناك وأنت أمير المؤمنين ، نسألك ، فجئت الى رجل فسألته وأجبتنا ما أفتاك به.

قال عمر : ويلك أتدري من ذلك الرجل؟ هو علي بن أبي طالب

٣٢١

عليه‌السلام سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : لو أن السماوات والأرض وضعتا في كفة ميزان ووضع إيمان علي في كفة اخرى لرجح إيمان علي (١).

[ الحليب يحسم النزاع ]

[٦٦٠] قيس بن الربيع ، عن جابر الجعفي (٢) ، عن تميم بن حزام الأسدي ، قال : كان رجل له امرأتان ، وكانتا قد حملتا منه ، فولدتا في بيت واحد في ليلة مظلمة ابنا وابنة ، ومات الرجل ، فادعت كل واحدة منهما الابن ، فرفع ذلك الى عمر.

فقال : أين أبو الحسن ، مفرج الكرب؟

فدعا له به ، فقصّ عليه القصة ، فدعا بقارورتين فوزنها ثم أمر كل واحدة فحلبت في قارورة ، ووزن القارورتين ، فرجحت إحداهما على الاخرى.

فقال علي عليه‌السلام : لابن التي لبنها أرجح والابنة للتي لبنها أخف.

فقال له عمر : من أين قلت ذلك يا أبا الحسن؟

__________________

(١) قال العبدي :

إنا روينا في الحديث خبرا

يعرفه سائر من كان روى

إن ابن خطاب أتاه رجل

فقال : كم عدة تطليق الإما

فقال : يا حيدر كم تطليقة

للأمة اذكره فأومى المرتضى

بإصبعيه فثنى الوجه إلى

سائله قال : اثنتان وانثنى

قال له : تعرف هذا؟ قال : لا

قال له : هذا علي ذو العلا

(٢) أبو عبد الله جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي تابعي من فقهاء أهل الكوفة أثنى عليه بعض رجال الحديث توفي بالكوفة ١٢٨ ه‍.

٣٢٢

فقال : لأن الله عزّ وجلّ جعل للذكر مثل حظ الانثيين (١).

[ مع زوجته رجل ]

[٦٦١] سعيد بن المسيب ، قال : وجد رجل (٢) من أهل الشام رجلا مع امرأته ، فقتلهما ، وأن معاوية بن أبي سفيان أشكل عليه القضاء في ذلك ، فكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يسأل عن ذلك عليا عليه‌السلام ، فسأله.

فقال له : ما ذكرك هذا ، وهو شيء لم يكن ببلدي عزمت عليك لما أخبرتني ، فاخبره.

فقال : أنا أبو الحسن ، إن لم تقم أربعة شهداء ، فليعط برمته.

[٦٦٢] الاسود بن قيس ، عن زيد بن همام ، قال : سمعت عليا عليه‌السلام يقول ـ على المنبر ـ :

وددت أن الخصوم أنصفوني فإن أخطأت في قضية كانت في مالي.

[٦٦٣] قيس بن أبي حازم (٣) ، قال : جاء رجل الى علي صلوات الله عليه برجل معه.

فقال : إن هذا زوجني ابنته ، فأصبتها مجنونة.

وقال الآخر : ما علمت ذلك بها.

__________________

(١) واضاف في البحار ٤٠ / ٢٣٤ : وقد جعلت الاطباء ذلك أساسا في الاستدلال على الذكر والانثى.

(٢) وهو ابن أبي الجسرين راجع الوسائل ١٩ / ١٠٢ ، الباب ٦٩ الحديث ٢.

(٣) قيس بن عبد عوف بن الحارث الأحمسي البجلي تابعي أدرك الجاهلية ، ورحل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ليبايعه فقبض وهو في الطريق ، وسكن قيس الكوفة توفي ٨٤ ه‍.

٣٢٣

فقال علي عليه‌السلام للزوج : وما جنونها؟

قال : إذا قعدت معها مقعد الرجل من المرأة ذهب عقلها.

فقال له علي صلوات الله عليه : وهل كنت لها أهلا ، هذه الربوخ.

[ بيضة من دجاجة ميتة ]

[٦٦٤] عمار الدهني ، عن أبي الصهباء ، قال : قام ابن الكواء الى علي صلوات الله عليه ـ وهو على المنبر ـ ، فقال : إني وطأت على دجاجة ميتة ، فخرجت منها بيضة ، أفآكلها؟

قال علي عليه‌السلام : لا.

قال : فإن استحضنتها ، فخرج منها فروج ، آكله؟

قال : نعم.

قال : وكيف؟

قال : لأنه حي خرج من ميت ، وتلك ميتة خرجت من ميتة.

[٦٦٥] مطرف ، قال : طلّق رفاعة (١) امرأة ، فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير ، ثم طلقها ، فأراد رفاعة أن يراجعها.

فأتت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فذكرت ذلك له ، وقالت : إن عبد الرحمن لم يصل الي ، وإنما كنت معه مثل هدبة الصوف.

فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لا حتى تتزوجين زوجا يذوق عسيلتك وتذوقين عسيلته (٢).

__________________

(١) واظنه رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان الانصاري أبو معاذ شهد بدرا وصحب عليا فشهد معه الجمل وصفين توفي ٤١ ه‍.

(٢) ولا يخفى أن المراد من هذا الطلاق : الطلاق الثالث المحتاج الى المحلل بهذه الكيفية المذكورة

٣٢٤

وأتى علي صلوات الله عليه في مثل ذلك ، فقال : لا تحل للزوج الأول الذي طلقها إلا أن تتزوج زوجا يهزها به ناحية.

[ يا أبا الغوث ]

[٦٦٦] وعن عمه ، قال : لطمني رجل وأنا في السوق ، فقلت : وا غوثاه.

فإذا علي عليه‌السلام ورائي. فقال صلوات الله عليه : أتاك الغوث ، فالطمه كما لطمك ، فلطمته.

ثم أمر به فضرب تسع درر ، وقال : هذا حق السلطان لتعديلك ، وجرأتك.

[٦٦٧] جابر بن عبد الله [ بن يحيى ] ، قال : جاء رجل الى علي بن أبي طالب عليه‌السلام. فقال : يا أمير المؤمنين ، اني كنت أعزل عن امرأتي ، وانها جاءت بولد.

فقال علي عليه‌السلام : اناشدك الله هل وطئتها ثم عاودتها قبل أن تبول؟

قال : نعم.

قال : فالولد لك.

[ امرأة تشتكي عند شريح ]

[٦٦٨] سعد بن طريف (١) عن الأصبغ بن نباتة ، قال : أتت امرأة الى شريح ، فقالت : يا أبا أميّة ، إن لي خصما.

__________________

في الرواية حيث ان في الطلاقين الاولين لا يحتاج الى المحلل. ويمكنها العودة الى زوجها الاول ـ إذا طلقها زوجها الثاني على أن لا يكون قد دخل بها ـ من دون عدة بل بعقد جديد للاول.

(١) وفي الاصل : سعد بن أبي طريف.

٣٢٥

قال : احضريه.

قالت : أنت هو ، فأخلني.

قال لمن حوله : تنحوا.

فقالت : إني امرأة لي ما للرجال ، ولي ما للنساء.

قال : فمن أيهما يكون البول؟

قالت : منهما جميعا.

قال : فأيهما يسبق (١).

قالت : ليس يسبق من أحدهما دون الآخر.

قال : إنك لتحدثين عجبا! قالت : وأعجب من ذلك وهو ما جئت فيه أنه تزوجني ابن عمي ، فحملت منه ، وولدت ، وأنه أخدمني جارية ، فمالت إليها نفسي ، فوطئتها ، فحملت مني ، وأتت بولد ، وإنما جئتك لتلحقني بالرجال إن كنت رجلا ، وتفرق بيني وبين زوجي.

فقام شريح من مجلس الحكم الى علي صلوات الله عليه ، فأخبره الخبر ، فأمر بها فدخلت إليه وسألها ، فأخبرته ، وأحضر ابن عمها ، فذكر مثل ذلك.

فقال علي عليه‌السلام : وهل وطئتها بعد ذلك؟

فقال : نعم.

قال : لأنت أجسر من خاصي الأسد (٢).

ثم دعا بدينار الخادم وبامرأتين ، وقال لهم : أدخلوا بهذه بيتا ،

__________________

(١) وفي المناقب ٢ / ٣٧٦ : فاني أبول بهما وينقطعان معا.

(٢) وفي المناقب ٢ / ٣٧٦ : صائد الاسد.

٣٢٦

وجردوها ، وعدّوا اضلاع جنبيها ، [ ففعلوا ذلك ].

فقالوا : وجدنا في الجنب الأيمن اثني عشر ضلعا ، وفي الأيسر أحد عشر ضلعا (١).

فقال علي : الله أكبر ، جيئوني بالحجام؟ فجاءوا به. فأمره بأخذ شعرها وأعطاها حذاء ، ورداء ، وألحقها بالرجال.

فقال الزوج : يا أمير المؤمنين امرأتي ، من أين أخذت هذا؟

قال : من أبي آدم ، إن حواء خلقت من ضلع آدم. فأضلاع الرجل أقل من أضلاع المرأة بضلع.

[٦٦٩] الفضل بن مختار ، عن أبي سكينة (٢) ، قال : رفع إلى علي بن أبي طالب عليه‌السلام رجل مرّ بغلام على حائط يريد النزول عنه.

فقال له الرجل : ضع رجلك على هذه الخشبة ـ لخشبة كانت هنالك فوضعها عليها ، فزلت رجله عنها ، فسقط فمات. فقام عليه أولياؤه ، فودى علي صلوات الله عليه دية الغلام من بيت المال.

[ مملوك قتل مالكه ]

[٦٧٠] وبهذا الاسناد ، أن عليا عليه‌السلام رفع إليه مملوك قتل حرا. فقال : يدفع الى أولياء المقتول. فدفع إليهم ، فعفوا عنه.

فقال له الناس : قتلت رجلا وصرت حرا.

فقال علي عليه‌السلام : لا ، هو ردّ على مواليه.

__________________

(١) وما ذكره المؤلف صحيح ، وقد ذكر الخوارزمي في مناقبه ص ٥٤ : اضلاع الجانب الايمن ثمانية عشر والايسر سبعة عشر.

(٢) الصحابي واسمه محلم بن سوار سكن الشام ( الاصابة ٤ / ٩٢ ).

٣٢٧

[٦٧١] يحيى بن سعيد ، عن عمر بن داود الرقي قال : قال أبو عبد الله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه :

مات عقبة بن عامر الجهني ، وترك خيرا كثيرا من الأموال ومواشي وعبيد ، وكان له عبدان ، يقال لأحدهما : سالم ، وللآخر : ميمون ، فورثه بنو عمّ له ، وأعتقوا العبدين. وجاءت امرأة الى علي عليه‌السلام تذكر أنها امرأة عقبة وأنكرها بنو العم. فشهد لها سالم وميمون ، وعدلا ، وذكرت المرأة أنها حامل.

فقال علي عليه‌السلام : توقف المرأة ، فإن جاءت بولد فلا شيء لها ولا للولد من الميراث لانه إنما شهد لها على قولها عبدان لهما ، وإن لم تأت بولد ، فلها الربع لانه شهد لها بالزوجية حران قد أعتقهما من يستحق الميراث.

[ فضّة وعمر ]

[٦٧٢] عمرو بن داود ، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد صلوات الله عليه ، قال :

كانت لفاطمة عليها‌السلام جارية ، يقال لها : فضة (١) ، فصارت من بعدها الى علي بن أبي طالب صلوات الله عليه ، فزوجها من أبي ثعلبة الحبشي ، فأولدها ابنا ، ثم مات عنها أو ثعلبة ، وتزوجها من بعده سليك الغطفاني (٢) ، ثم توفي ابنها من أبي ثعلبة ، فامتنعت من سليك أن يقربها ، فشكاها الى عمر وذلك في أيامه. فقال لها عمر :

__________________

(١) وهي فضة النوبية ( الاصابة ٤ / ٣٨٧ ).

(٢) وفي بحار الأنوار ٤٠ / ٢٢٧ : أبو مليك الغطفاني.

٣٢٨

ما يشتكي منك سليك ، يا فضة؟

فقالت : أنت تحكم في ذلك ، وما يخفى عليك لم منعته من نفسي! قال عمر : ما أجد لك في ذلك رخصة.

قالت : يا أبا حفص ، ذهبت بك المذاهب إن ابني من غيره مات فأردت أن أستبرئ نفسي بحيضة ، فإذا أنا حضت علمت أن ابني مات ولا أخ له. وإن كنت حاملا كان الذي في بطني أخوه.

فقال عمر : شعرة من [ آل ] أبي طالب أفقه من عدي.

[٦٧٣] وبهذا الاسناد أن عقبة بن أبي عقبة مات ، فحضر جنازته علي عليه‌السلام ومعه جماعة من الصحابة فيهم عمر ـ وذلك في أيامه. ـ

فقال علي صلوات الله عليه لرجل كان حاضرا. إن عقبة لما توفي حرمت عليك امرأتك ، فاحذر أن تقربها.

فقال عمر : كل قضاياك يا أبا الحسن عجيب ، وهذه من أعجبها ، يموت إنسان فتحرم على آخر امرأته! قال : نعم. إن هذا عبد كان لعقبة تزوج امرأة حرة هي اليوم ترث بعض ميراث عقبة ، فقد صار بعض زوجها رقا لها ، وبضع المرأة حرام على عبدها حتى تعتقه ويتزوجها.

فقال عمر : لمثل هذا أمرنا أن نسألك عما اختلفنا فيه.

[ حكم الخنثى ]

[٦٧٤] الحسن بن الحكم ، باسناده ، عن علي صلوات الله عليه ، أنه بينا هو في الرحبة إذ وقف إليه خمسة رهط [ فسلّموا ] (١) ، فلما رآهم أنكرهم ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من المستدرك للنوري : ٣ / ١٦٩.

٣٢٩

فقال : أمن أهل الشام أنتم ، أم من أهل الجزيرة؟

قالوا : من أهل الشام.

قال : وما تريدون؟

قالوا : جئنا إليك لتحكم بيننا ، نحن إخوة هلك والدنا وتركنا خمسة اخوة ، وهذا أحدنا ـ وأوموا الى واحد منهم ـ له ذكر كذكر الرجل وفرج كفرج المرأة ، فلم ندر كيف نورثه ، أنصيب رجل أم نصيب امراة؟

قال : فهلا سألتم معاوية؟

قالوا : قد سألناه ، فلم يدر ما يقضي به بيننا ، وهو الذي أرسلنا إليك لتقضي بيننا.

فقال علي عليه‌السلام : لعن الله قوما يرضون بقضايانا ويطعنون علينا في ديننا.

ثم قال لمن حوله : إن من صنع الله تعالى لكم إن أحوج عدوكم إليكم في أمر دينهم يسألونكم عنه ويأخذونه عنكم.

ثم قال للرهط : انطلقوا بأخيكم ، فاذا أراد أن يبول فانظروا الى بوله ، فان جاء أو سبق مجيئه من ذكره فهو رجل فورثوه ميراث الرجل. وإن جاء أو سبق من الفرج ، فهو امرأة فورثوها ميراث امرأة. [ فبال من ذكره ، فورثه كميراث الرجل منهم ] (١).

[ اربعة سقطوا في زبية ]

[٦٧٥] محمّد بن عبد الله بن علي بن أبي رافع ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي

__________________

(١) ما بين المعقوفتين من الغارات : ١ / ١٩٣.

٣٣٠

عليه‌السلام أنه قضى في أربعة نفر تطلعوا الى أسد سقط في زبية (١) فسقط أحدهم ، فتمسك بالثاني ، وتمسك الثاني بالثالث ، والثالث بالرابع ، فسقطوا على الأسد ، فافترسهم ، فماتوا.

فقضى أن الأول فريسة الأسد ، وأن عليه ثلث دية الثاني ، وعلى الثاني ثلثا دية الثالث ، وعلى الثالث دية الرابع كاملة ، وليس على الرابع شيء ولا للأول شيء.

[ أقول ]

وقلّ من شرح هذه القضية ، وما علمت أن أحدا شرحها.

وشرحها : أن الرابع هو المجبوذ الى الموت ، وأن الثلاثة الذين هووا قبله ، وهم جذبوه ، فكانت ديته عليهم أثلاثا ، فغرم أولياء الأول ثلث الدية لأولياء الثاني ، وغرم أولياء الثاني ثلثي الدية لأولياء الثالث ، فزادوا من عندهم ثلث الدية كما غرم أولياء الأول ، فأخذ أولياء الثالث ثلثي الدية وغرموا دية كاملة ، فزادوا ثلثا من عندهم ، فصارت دية الرابع المجبوذ الذي لم يجن شيئا على الثلاثة الذين جنوا عليه ، وجرت كذلك من بعضهم على بعض لاستمساك بعضهم ببعض وضمن كل واحد ما يليه لمن تمسك به وضمن الثالث دية الرابع كاملة لانه هو الذي تمسك به ووجب له الرجوع على الثاني والأول بالثلثين لانهما جبذاه معه ، فكأن الثلث على كل واحد منهم.

[٦٧٦] أحمد بن منيع (٢) ، باسناده ، عن [ خش بن ] (٣) المعتمر ، أن عليا

__________________

(١) الزبية : الحفرة التي يصطاد فيها السباع.

(٢) في كتابه الأمالي.

(٣) هكذا صححناه وفي الاصل : حسن. وهو أبو المعتمر حنش بن المعتمر ويقال ابن ربيعة الكناني الكوفي.

٣٣١

عليه‌السلام قال :

بعثني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى اليمن ، فوجدت قوما من أهل اليمن قد احتفروا للأسد زبية ، فوقع فيها ، فأصبح الناس ينظرون إليه ، وازدحموا على الزبية ، فسقط فيها رجل ، فتعلق بآخر ، وتعلق الثاني بالثالث ، والثالث برابع ، فوقعوا كلهم على الأسد ، فقتلهم. فقام أولياء الثلاثة على أولياء الأول ، وقالوا : صاحبكم قتل أصحابنا ، ولبسوا السلاح وتهيئوا للحرب.

فقلت لهم : أنا أقضي بينكم في هذا بقضاء ، فإن رضيتموه والا فاذهبوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فاسألوه.

قالوا : وما هذا القضاء؟

قلت : اجمعوا من القبائل الذين حضروا الزبية ، وازدحموا عليها ، لأولياء الأول ربع دية ، لانه جبذ ثلاثة وهو رابعهم. وثلث دية لأولياء الثاني ، لانه جبذ اثنين وهو ثالثهما ، ونصف الدية لأولياء الثالث ، لانه جبذ واحدا وهو ثانيه ، ودية كاملة لأولياء الرابع ، لانه جبذ ولم يجبذ أحدا.

فأمسكوا عن الحرب وأتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأخبروه الخبر.

فقال : القضاء ما قضاه علي بينكم.

فهذه الرواية ، قد جاءت مفسرة ، وليس هي من الاولى في شيء. هذه ذكر فيها أن الذين سقطوا في الزبية إنما كان سقوطهم بازدحام من حضر معهم ولذلك جعل علي عليه‌السلام الدية على من حضر وليس في الاولى ذكر زحام ، وانما فيها أن بعضهم جبذ بعضا.

والذي ذكرته في هذا الباب من ذكر علم علي عليه‌السلام ، وما جاء

٣٣٢

من قضاياه في المشكلات التي لم يدر أحد من الصحابة كيف القضاء فيها غيره يخرج إن تقصيته عن حدّ هذا الكتاب ، وقد ذكرت ذلك وما جاء من مثله عن الائمة صلوات الله عليهم في كتاب ( الاتفاق والافتراق ) وفي كتاب ( الإيضاح ) وفي غيرها من كتب الفقه التي بسطت فيها قول الائمة من أهل البيت صلوات الله عليهم في الحلال والحرام والقضايا والأحكام ، وأثبت فيها فضل علمهم صلوات الله عليهم على كافة الناس غيرهم ، وأن ذلك منقول فيهم يتوارثونه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس كالذي تعاطاه من خالفهم من العوام من القول في ذلك بآرائهم وقياسهم واستحسانهم واستنباطهم وغير ذلك ممّا نحلوه من الأسماء باختراعهم ، وقد أخبر الله عزّ وجلّ في كتابه بما رفعه من درجات اولي العلم على عباده فقال تعالى : ( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا ) ( ... الْعِلْمَ دَرَجاتٍ ) (١) وقال جلّ من قائل : ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ ) (٢) وقد أبان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع درجة علي عليه‌السلام على جميع امته بما ذكرناه في هذا الباب. من قوله عليه‌السلام : أعلم الناس من بعدي ، وقوله عليه‌السلام : علي أقضاكم ، وأمره صلوات الله عليه إياهم أن يسألوه عما اختلفوا فيه ، وذلك من أبين البيان على إمامته وإقامته من بعده مقامه في ذلك لامته ، مع ما ذكرناه ونذكره في هذا الكتاب ممّا يؤيد ذلك ويؤكده ويوضحه ويبينه مع ما ذكرت في هذا الباب وفيما قبله من هذا الكتاب ونذكره من إقرار الصحابة له بفضله وعلمه ممّا آثره ورواه المنسوبون الى الفقه والحديث من العامة فضلا عما رواه وآثره من ذلك الخاصة. فمن أين يجوز أو ينبغي لجاهل أن يتقدم على عالم أو لعالم أن يتقدم على من هو أعلم

__________________

(١) المجادلة : ١١.

(٢) الزمر : ٩.

٣٣٣

منه ، أو لمن وضعه الله عزّ وجلّ أن يرتفع على من رفعه عليه درجة.

وهذا واضح لمن تدبره إذا هداه الله ووفقه ، ولو جاز للجاهل أن يتقدم على العالم ، وللمفضول أن ينافس الفاضل ، لبطل الفضل واتضعت درجة العلم التي رفع الله عزّ وجلّ أهلها وأبان في كتابه فضلهم وفضلها ، ومن كان محتاجا في دينه إلى من قد أبان الله عزّ وجلّ فضله بأن رفع بالعلم عليه درجته. وكيف يجوز له التقدم عليه ، أو أن يساوي نفسه به والله عزّ وجلّ يقول وهو أصدق القائلين : ( فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) (١) وقال تعالى : ( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (٢) وقد أمر الناس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بردّ ما اختلفوا فيه الى علي صلوات الله عليه ، وأبان بذلك أنه ولي أمرهم من بعده على ما أمره الله به جلّ ذكره.

تمّ الجزء الثامن من كتاب شرح الأخبار في فضائل الائمة الأطهار الأبرار الأخيار تأليف سيدنا القاضي الأجل النعمان بن محمّد رضي‌الله‌عنه وأرضاه وأحسن منقلبه ومثواه ـ وهو نصف الكتاب ـ يوم الأول من رجب الأصب سنة ١١٢٦.

__________________

(١) النحل : ٤٣.

(٢) النساء : ٨٣.

٣٣٤

٣٣٥
٣٣٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيم

[ علي في القرآن ]

قد ذكرت في باب من أبواب هذا الكتاب ما نزل من الوحي والقرآن في علي عليه‌السلام ، وولاية الائمة من ذريته صلوات الله عليه ، وذكرت في سائره كثيرا من ذكر ما نزل فيه صلوات الله عليه ممّا جاء ذكره مع غيره (١).

ورأيت إفراد هذا الباب بذكر باقي ذلك ممّا جاء مجردا في ذلك ، وبالله التوفيق.

[ آية التطهير ]

[٦٧٧] الدغشي ، باسناده ، عن [ أبي ] عبد الله الجدلي ، قال : أتيت عائشة ، فقلت : يا أم المؤمنين في أيّ شيء نزلت هذه الآية : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ. أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (٢).

قالت : ائت أمّ سلمة ، فاسألها عن ذلك ، ففي بيتها نزلت هذه الآية.

فأتيت أمّ سلمة فأخبرتها بمجيئي الى عائشة وبما سألتها ، فأحالتني عليها.

__________________

(١) في الجزء الرابع ، فراجع.

(٢) الاحزاب : ٣٣.

٣٣٧

فقالت أمّ سلمة : أما أنها لو شاءت أن تخبرك أخبرتك في أيّ شيء نزلت هذه الآية ، لكني اخبرك.

أتاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : لو أن عندي من أرسله الى علي وفاطمة والحسن والحسين ، فما كان غيري ، فدعوتهم ، وأجلس الحسن عن يمينه ، والحسين عن يساره ، وفاطمة بين يديه ، وعليا عند رأسه ، ثم أخذ ثوبا حبريا ، فجللهم الثوب.

ثم قال : اللهمّ هؤلاء عترتي وأهل بيتي إليك لا الى النار ، اللهمّ أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قالت أمّ سلمة ، فقلت : يا نبيّ الله أدخلني معهم؟

فقال : لا يدخله إلا من هو مني وأنا منه ، وأنت من صالحات أزواجي ، وأنت الى خير.

[٦٧٨] أبو غسان مالك بن إسماعيل (١) ، باسناده ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن أمّ سلمة ، قالت : لما نزلت هذه الآية ( في بيتي ) : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

قالت : فقلت : يا رسول الله ألست من أهل البيت؟

قال : إنك على خير ، إنك من أزواج النبي ، وأنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين أهل البيت (٢).

[٦٧٩] أبو نعيم الفضل بن دكين ، باسناده ، عن أبي سعيد الخدري ، أنه

__________________

(١) مالك بن إسماعيل بن زياد بن درهم مولى كليب بن عامر النهدي ، أحد بني خزيمة. توفي بالكوفة ٢١٩ هـ في خلافة المعتصم.

(٢) لله در القائل :

بأبي خمسة هم جنبوا الرجس

كراما وطهّروا تطهيرا

٣٣٨

قال : نزلت (١) هذه الآية : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ) في علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم.

أدار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عليه وعليهم كساءه ، ثم قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

قال : وكانت أمّ سلمة على الباب ، فقالت : وأنا يا نبيّ الله. قال : إنك بخير أو على خير.

[ آية المباهلة ]

[٦٨٠] عمرو بن بحر القتاد ، باسناده ، عن عبد الله بن عباس ، أنه قال : قدم وقد نجران على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وفيهم السيد (٢) والعاقب وأبو حارث ـ وهو عبد المسيح بن ثوبان اسقف نجران ـ وهم يومئذ سادة أهل نجران.

فقالوا : يا محمّد لم تذكر صاحبنا؟

قال : ومن صاحبكم؟

قالوا : عيسى بن مريم ، تزعم أنه عبد الله؟

قال : أجل ، هو عبد الله.

قالوا : فأرنا فيمن خلقه الله عبدا مثله فما رأيت وسمعت.

__________________

أحمد المصطفى ، فاطم أعني

وعليا وشبرا وشبيرا

من تولاّهم تولاّه ذو العرش

ولقاه نضرة وسرورا

وعلى مبغضيهم لعنة الله

وأصلاهم المليك سعيرا

(١) هكذا في نسخة هـ ، وفي الاصل : أفنزلت.

(٢) هكذا في نسخة هـ ، وفي الأصل : السبذ.

٣٣٩

فأعرض نبيّ الله صلى‌الله‌عليه‌وآله عنهم. ونزل جبرائيل عليه‌السلام فقال : ( إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (١) الآية.

فقال لهم ذلك.

فقالوا : أما أنه ليس كما تقول.

فقال لهم : فإن الله عزّ وجلّ يقول : ( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ ) (٢).

قالوا : نلاعنك.

فخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إليهم وقد أخذ (٣) بيد علي عليه‌السلام ومعهما فاطمة والحسن والحسين.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : هؤلاء أبناؤنا ونساؤنا وأنفسنا.

فهموا يلاعنوه.

ثم إن السيد قال لأبي الحارث [ والعاقب ] (٤) : ما تصنعون بملاعنة هذا؟ إن كان كاذبا لم نصنع بملاعنته شيئا ، وإن كان صادقا لنهلكن.

__________________

(١) آل عمران : ٥٩.

(٢) آل عمران : ٦١.

(٣) هكذا في نسخة هـ ، وفي نسخة الاصل : وقد أخرج.

(٤) ولم يكن في الاصل من نسخة ه.

٣٤٠